عادت لغة الاحتجاجات وحرب المواقع لتأثيث الواقع اليومي لمخيمات تندوف, حيث تسبب توالي فضائح القيادة الانفصالية وارتدادات الحراك الشعبي المتصاعد بالجزائر، في دعوة عشرات الشخصيات القيادية بمؤسسات الجبهة الانفصالية إلى وقفة احتجاجية أمام مقر قيادة البوليساريو بالرابوني، للتنديد بما وصفه مسؤولو الجبهة الداعون للحركة الاحتجاجية، بظاهرة الفساد المنتشر بمختلف المؤسسات القيادية للجبهة الانفصالية. الداعون للوقفة المحسوبون على ما يسمى ببرلمان الجبهة الانفصالية، أصدروا بيانا لتفسير دواعي الاحتجاج، التي تكشف بجلاء صور الفساد المستشري بأوصال القيادة الانفصالية، والمتمثلة حسب المحتجين في استنزاف وهدر موارد الجبهة المالية والاستغلال الأعمى للسلطة، لأغراض ذاتية، للاسترزاق باسم التنظيم الانفصالي والقضية الوهمية، فضلا عن تفشي القبلية والمحسوبية في سلوكات وقرارات قيادة الرابوني، وتعمدها تقريب ومحاباة المنتفعين والمصلحيين.
الانتفاضة الداخلية الجديدة داخل الجبهة الانفصالية، تعكس المستويات المتقدمة لمظاهر و صور التفكك الواضح الذي يعيشه المشروع الانفصالي منذ سنتين على الاقل، والتطاحنات الداخلية الشرسة وحرب الزعامات المندلعة بين الفصائل المتناحرة على المغانم والامتيازات العينية و المادية المتأتية عن الاعانات والمالية, المباشرة و غير المباشرة، التي ما زالت العديد من الحكومات والمنظمات الدولية تخصصها سنويا لفائدة ساكنة مخيمات تندوف، التي تعيش في ظل ظروف معيشية مأساوية للغاية.
وكانت صحيفة ( لابروفنسيا ) الكنارية قد كشفت الاسبوع الماضي عن فضيحة جديدة من الفساد والاختلاسات هزت من جديد جبهة ( البوليساريو ) الانفصالية، بعد وقوفها بالأدلة الدامغة على اختلاس القيادة الانفصالية لحوالي 2٫5 مليون أورو من المساعدات الإنسانية التي يقدمها المجتمع الدولي للسكان المحتجزين في مخيمات تندوف.
المنبر الاعلامي الكناري نقل شهادة موثقة ومكتوبة لميغيل آنخيل أورتيز رئيس منظمة مدنية تنشط باستمرار في مشاريع انسانية بمخيمات تندوف، تفيد أن هذه الفضيحة الجديدة كشفها أحد قادة جبهة ( البوليساريو )، الذي طالب قيادة الحركة الانفصالية تقديم توضيحات حول مآل هذه المساعدات، بعد عجزها عن تبرير النفقات المتعلقة بهذه المساعدات، مما يؤكد مدى «تفشي الفساد والاختلاس والرشوة وتغلغلها» في كل مفاصل جبهة البوليساريو.
إن ما يميز الحركة الاحتجاجية الجديدة بقلب مخيمات الرابوني, هو أن دوافعها ليست انسانية أواجتماعية أو مطلبية, بل تحمل شعارات سياسية تتجلى في فضحها للفساد واغتناء وانحراف القيادة الانفصالية الجاثمة، بمباركة جزائرية على أنفاس الصحراويين المحاصرين كرهائن للاستغلال السياسي والانساني داخل مخيمات العار.
ثم إن وقوف مجموعة محسوبة على هيكل قيادي و مسؤول داخل دواليب البوليساريو، وراء الحركة الاحتجاجية الجديدة، بقدر ما يعكس مستوى التفكك و التطاحن الداخلي وحرب المواقع، الذي بلغه المشروع الانفصالي، فإن قيادته تعيش منذ أسبوعين حالة أرق مستديم و هي تترقب و تعاين ما تعيشه الساحة الداخلية لحاضنتها الجزائر، من حراك شعبي و صراع بين دوائر السلطة، ضمن نفس سيناريو يتكرر بالعاصمة الجزائرية وبمخيمات تندوف، ضدا على ارادة شعبين أحدهما صودرت إرادته من طرف جنرالات المرادية والثاني تصادر حريته وإنسانيته منذ أربعة عقود، من طرف مرتزقة البوليساريو بتواطؤ مصلحي مكشوف لنظام قصر المرادية.