بات مفهوم المجتمع المدني اليوم من أكثر المفاهيم تداولاً في الحياة السياسية والثقافية العربية، ولو قارنا ذلك بما كان عليه الأمر قبل عقدين من الزمن لكدنا القول إن مفهوم المجتمع المدني مفهوم جديد على الثقافة السياسية العربية. النظرة إلى هذا المفهوم قبل ذاك كانت هامشية، وربما أنطوت على شيء من الازدراء وحتى الاستخفاف أيضاً. لكن انقلب الحال الآن وأصبح المفهوم من الموضوعات الأثيرة في معظم وسائل إعلامنا وندواتنا وخطاب نخبنا السياسية. غير أن هذا التداول الواسع للمصطلح لا يعني أنه يؤخذ في سياقه التاريخي، كما يُفترض أن يكون، وأظن أنه يُستخدم في حالات كثيرة في وصف مظاهر من النشاط أو التجمعات التي يصعب إدراجها في إطار مفهوم المجتمع المدني، فبات كل ما هو غير الدولة أو المؤسسات الحكومية يصنف من دون كبير عناء على أنه مجتمع مدني دون النظر في طبيعة الوظائف التي تؤديها تلك التجمعات أو الرسالة التي تنطوي عليها بعض الأنشطة التي تدرج في سياق نشاط مؤسسات المجتمع المدني. تحضرني في هذا السياق عبارة للمفكر الفلسطيني المعروف الدكتور عزمي بشارة فحواها أن سر الاسترخاء والرضى الذي تسبغه كثرة التعاطي مع مفهوم المجتمع المدني ناجمة عن الشعور بأن المدينة مشتقة من التمدن، وأن تنظيم الندوات عن المجتمع المدني هو عمل نقدي من دون ثمن سياسي، لأنه عمل في السياسة مع الابتعاد عنها. لذلك نجد الكثير من الحزبيين الخائبين الذين هجروا تنظيماتهم تحولوا بقدرة قادر إلى خانة جديدة، حيث يروق لهم أن يوصفوا، تبعاً لمواقعهم الراهنة، بالناشطين في المجتمع المدني، فيضمنون بذلك مجد البقاء في دائرة الضوء والتزاحم على حضور الفعاليات والمؤتمرات التي لا يمر شهر من دونها في هذه العاصمة أو تلك، لكن أن يتعين عليهم دفع الضريبة الباهظة التي يسببها العمل السياسي النضالي. ليس هذا هو المجتمع المدني الذي نريد.