خلال العطلة الصيفية يلتجيء آباء وأمهات وأولياء الأطفال الى المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة الموجودة قرب سكناهم قصد الحصول على شواهد طبية تُثبت قدرة هؤلاء الأطفال المتراوحة أعمارهم بين تسعة وإثنى عشر ربيعا على الاقامة في مخيمات بلادنا الشاطئية أو الجبلية. إن الإدلاء بشهادة القدرة البدنية والعقلية للطفل من طرف الطبيب هي مسؤولية جسيمة يجب القيام بها أحسن قيام. فيما يخصص المركز الصحي الذي أعمل فيه كطبيب أتوصل عن طريق الآباء بمطبوعات نموذجية تمنحها لهم كتابة الدولة لذى الوزير الأول المكلفة بالشباب. وفي هذه المطبوعات بجانب صورة الطفل والفحص الطبي يجب أن أجيب على بعض الأسئلة المطروحة قبل أن أمنح للاباء هذه الشهادة التي يجب أن لاتتعدى أقدميتها خمسة عشر يوما قبل السفر الى المخيم. إن بعض الأطفال يأتون الى المركز الصحي بدون أوليائهم أو الآباء يقصدون المركز دون حضور أبنائهم لهذا يجب أن يعلم الجميع أن حضورهما معا ضروري. فالوالي يجب أن يوقع الجدول المخصص له بجانب الشهادة الطبية ثم إجابة الطبيب على بعض التساؤلات تهم ماضي صحة إبنه أو إبنته: ماهي الأمراض التي كانت تصيب طفله؟ هل هي حادة أو مزمنة؟ هل خضع إبنه لعمليات جراحية في الماضى؟ هل تلقى الطفل التلقيح الكافي منذ صغره، متى وكيف؟ هل للطفل حساسية تجاه بعض الأدوية كالبينسلين وغيرها. هل تم حقنه بدواء سائل ضد لسعات الثعابين والعقارب؟ الجواب على كل هذه الأسئلة تسمح لي كطبيب بعد الفحص السريري أن أعرف هل هذا الطفل قادر على الإصطياف في المخيم دون أن يكون خطر على نفسه وعلى الآخرين. إن رؤية ورقة تلقيح الطفل من طرف الطبيب ضرورية للتأكد من أن الطفل محمي من الأمراض الستة الفتاكة.باعتبار أن بفضل التلقيح نقدم لأطفالنا المناعة الإجابية التي تمكن أجسامهم من الدفاع عن نفسها. ومادة التلقيح مكونة من حمات المرض نفسه بعد إضعافها بطرق مختلفة أو قتلها حتى لاتؤدي الى المرض عند إدخالها الى جسم الطفل. فمادة التلقيح تخلق مناعة، رغم أنها قد تسبب بعض الظواهر مثل إرتفاع بسيط في الحرارة وبعض التوعك في صحة الطفل. إذا تبت لي أن الطفل لم يسبق له أن لقح ضد الأمراض المعدية الستة: السعال الديكي، الديفتريا، الشلل، الحصبة، الكزاز، داء السل، يجب عدم منحه الشهادة المطلوبة لأن جسم الطفل في هذه الحالة لا يمكن له الدفاع عن نفسه بحيث لايجد عامل المرض أمامه مقاومة، فيقيم في جسم الطفل ويتكاثر ويحدث المرض إذا كانت الظروف في المخيم هي بدورها مساعدة على ظهور المرض. وفي هذا الصدد يجب على المخيم أن تتوفر فيه مرافق النظافة كالمراحيض والرشاشات ومغاسل منفصلة،س بعضها مخصص للذكور وبعضها الآخر للإناث. كذلك يجب تخصيص أمكنة لجمع الأزبال. المخيم يجب أن يوجد فيه الماء الصالح للشرب بحيث أن الماء الذي يحمل الحياة، يمكن أن يكون مصدراً لأمراض خطيرة ومنتشرة بشكل أوبئة بين أطفال المخيم مثل ا لدّزنْترْيا، وحمى الأمعاء، والكُوليرا، والطفيليات المختلفة. قد يتساءل الأب أو الأم لماذا أطلب منهما أن يرشداني فيما يخص الأمراض التي كان يعاني منها طفلهما والأدوية التي عُولِجَ بها. الهدف من هذا هو معرفة الأدوية التي تؤدي إلى الحساسية لأطفالهما وكذلك معرفة الأمراض الخطيرة التي قد تؤدي إلى المضاعفات والتهلكة عند إقامة الطفل في المخيم. ويجب الذكر هنا بأن بعض الأمراض تفرض على الطفل عدم الرحلة إلى الجبال التي يتعدى إرتفاعها ألف ومائتين متر خصوصا إذا كان هذا الطفل يشكو من أمراض قلبية. من بين الأمراض التي يجب عدم الترخيص لصاحبها بالذهاب إلى المخيم هناك الأمراض العصبية والنفسية والعقلية، الأمراض التي تستوجب المراقبة المستمرة، والأمراض التي يستحيل العيش بها داخل جماعة من الأطفال وكذلك الأمراض المعدية كالطفيليات المنتشرة في شعر الأطفال، الجربة، الجروح المتعفنة، إلتهاب في العين والأمعاء... أما فيما يخص حساسية الطفل فالطبيب مجبر على معرفتها قبل توقيع شهادة المرور إلى ا لمخيم علما أن جسم الطفل يدافع عن نفسه بتكوين مايسمى الأجسام الضدية ضدَّ كُلّ دخيل على ذاته كالميكروبات. لكن الأمر يختلف أثناء الحساسية، فالجسم يقع له خلط في التعرف على الأشياء فيقع الإصطدام بين الأجسام الضدية والجسم الذي يُعتبر دخيل على الذات كغبار المخيم أو تناول بعض الأدوية كالبّينسلين وفي هذه الحالة يشكو الطفل من ظهور عياء مفاجئ، وصعوبة في التنفس، وضيق في الصدر، وظهور ألم في البطن أحيانا وقئ، وفقدان الوعي، وينزل التوتر الدموي ويظهر قصور قلبي ودوراني ولتفادي هذه الأعراض يجب على الآباء أن يُدْلوا بالمادة التي تؤدي بأجسام أطفالهم إلى الحساسية. فحُقن مادة البينسلين لطفل داخل المخيم قد تؤدي إلى حالة مؤسفة إذا لم يتدخل الطبيب في الوقت المناسب. كذلك في المخيمات الجبلية وخلال مرورالطفل بين الأشجار وحقول الزهور قد يصاب بعطَسْ ثم نوبة ربْويَّة. كذلك يجب على الآباء أن يُشْعرو الطبيب بالمواد الغدائية التي تساعد على ظهور الحساسية عند أبنائهم حتى يتقوا شرها أثناء تناول الوجبات في المخيم. قد يكون الطفل تعرض خلال حياته للَسَعَات العقارب أو الأفاعي فدور الطبيب هنا: أن يشير إلى ذلك في الشهادة الطبية بالإضافة إلى هل هذا الطفل خضع إلى حقن المصل ضد سَم هذه الحيوانات الخطيرة. في بعض الأحيان يكون الطفل قد تعرض إلى كسور أو خضع لعملية جرّاحية فيجب على الآباء إعطاء التفاصيل إلى الطبيب حتى يكون على علم من هذه العملية والمضاعفات المحتملة لهذه العملية الجراحية في المخيم لأن الطفل كله حركة لايجلس هادءاً لذلك يجب التأكد من شفائه. بالرغم من جميع هذه الإحتياطات التي أقوم بها داخل المركز الصحي الذي أعمل فيه، يمكن أن يحدث للطفل طارىء صحي داخل المخيم لذلك أقترح بعض النصائح المتواضعة للمؤطرين في المخيمات ليسعفوا فلذات أكبادنا الموجودين تحت مسؤوليتهم. * إن أطفالنا داخل المخيم محتاجون إلى مؤطرين في حالة نفسية طبيعية لأن حالة توتر وعصبية يعيشها الطفل كأنها عدم الحب وعدم الرغبة فيه. * يجب إبعاد أطفالنا عن الجدالات والشجارات والصياح والضوضاء غير المستحملة. يجب تشجيع أطفالنا على اللعب مع أطفال آخرين وكذلك وحدهم وتحت المراقبة المستمرة. ٭ يجب أن يكون فقط مؤطر واحد مكلف بالعناية بأطفالنا حتى يمكنهم أن يتذكروا بسهولة وجوده ويتعودون على معاملاته. فوجه بشوش، مبتسم، مؤلوف ومستقر مع صوت هادى يساعد أطفالنا أن يكونوا في حالة هدوء وإرتياح. ٭ يجب على المؤطر أو المؤطرة مساعدة فلدات أكبادنا على النوم بما فيه الكفاية في هذا السن نظرا لأن قوتهم العقلية والنفسية والعضلية جد محدودة. لذا فهم محتاجون إلى وقت كبير من النوم ليسترجعوا قواتهم ويواجهوا العالم المحيط بهم في المخيم. حرارة ودفىء المؤطرين والحب والعطف والحنان والأمن والطمأنينة، يجب أن يكون كل هذا العنصر الأساسي والأهم في الغداء اليومي لكل أطفالنا وذلك من أجل بناء شخصية متوازنة وقوية خلال الخمسة عشر يوما التي سيقضونها مجتمعين في المخيم. بجانب هذه الخصال الحميدة التي يجب أن تتوفر في المسؤولين على المخيمات يجب أن أكد على أن يكونوا على الإطلاع والكفاءة في الإسعاف لإنقاذ أطفالنا من الأخطار التي قد تحدق بهم في المخيم. كلنا نتذكر الحريق الذي وقع في الماضي القريب في مخيم الذي أودى بحياة أطفال أبرياء. من بين الإسعافات التي يجب أن تحضر عند المسؤولين في المخيم أركز على ما يلي: يجب إبعاد المصاب عن مصدر الخطر، وإبعاد مصدر الخطر من المصاب. يجب على المسؤولين على صحة أبنائنا الإحتفاظ على الهدوء والتفكير في الإجراءات الصحيحة التي سيستخدمها ثم يباشر العمل. على هذا المسؤول أن لا يقوم بأي عمل يكون ضاراً على المصاب بحيث ترك الضحية من أبنائنا لاقدر الله أفضل من زيادة خطورته. ويجب أن يعلم أن كل خطأ في عملية الإسعاف تزيد من خطورة الإصابة. يجب على المؤطر في المجال الصحي أن يبعد الأطفال ومنعهم من تحريك المصاب من بين أطفالنا. وفي المقابل يجب تكليف اصدقاء هذا المصاب بعمل يشعرون من خلاله أنهم يساعدونه. يجب على هذا المسعف أن يعمل بأولويات الإسعاف دائما مثل تأمين مجرى الهواء ثم البحث عن نزيف دموي شديد.. يجب على المكلف بالإسعافات في المخيم أن لا يفك ملابس المصاب من أبنائنا إلا عند الضرورة لجعل الطفل المتضرر دافئا وفي بعض الحالات الصعبة يجب تمزيق هذه الملابس فوق الإصابة مباشرة. يجب على جميع المؤطرين أن يعملوا دائما على أن لايرى المصاب إصابته ولا يعلم بخطورتها. أخيرا على جميع أطر المخيم أن لا يضيعوا الوقت في غير الإسعاف وعلى قدر المستطاع ويعتبرون المصاب حيّا حتى يقرر الطبيب العكس. لهذا كله نرى جميع الآباء والأمهات وأولياء الأطفال الموجودين في المخيمات يتهافتون يوميا على الهواتف لمعرفة مصير أبنائهم لأننا إذا ارسلنا فلدات أكبادنا إلى المخيم فإننا نتوخى من ذلك مكافئتهم على النتائج المشجعة التي حصلوا عليها في نهاية السنة الدراسية. حفظهم الله من كل شر ومكروه وأتمنى لهم العودة إلى منازله سالمين ومرتاحين من عناء الدراسة.