العقل الإنساني أشبه بأديم الأرض الذي لايزال يفاجئنا باستنبات أغرب الموجودات التي لاتخطر على تفكير؛ ومنذ الأزل كانت الآلة المستشيطة لأديم العقل الانساني، هي بطارية التخييل التي تحاول دائما تحويل كل العوالم الافتراضية المستحيلة الى واقع ملموس، يتسم بالرفاهية وبحبوحة العيش؛ ألم ينتقل القمر (تمثيلا لاحصرا) من قصائد الشعراء الى تحت أقدام الإنسان!؟ ومازال الانسان يسخر كيمياء التخييل، حتى سيطر على العقول في دفعها لتسخير أيسر الوسائل التي تجعلها تكتسب المعرفة دونما شديد معاناة؛ لذلك نجد هذا الاستوراق الزوبعي للمعاجم في مختلف التخصصات؛ معاجم في الفلسفة والقانون والرياضيات والطب واللغات الأجنبية... الخ؛ وهذا مايستثير قفير القلق بالكثير من الأسئلة اللاسعة، مثل: ألا تضرب هذه المعاجم بأطناب الخمول في أنفس طلاب المعرفة، بالبحث عن أقصر الطرق للأجوبة العلمية الكبرى؟؛ وهل مازال الأستاذ ضروريا في ظل الشروحات الإضائية المستفيضة والمقدمات والتحاليل التي يقدمها الضرع الحلوب لبعض المعاجم، الفلسفية تحديدا، لأولي التحصيل؟؛ ذلكم أسل من كنانة أسئلة أشهرها مقال موسوم ب «المعاجم: الطريقة الجديدة للتفكير» لكاتبه الفرنسي «بيير سيمون ناهوم (ماغازين ليتيرير عدد 439)؛ حيث يجزم أنه منذ الموسوعة التي أكدت إيمان إنسان الأنواع بتطورات الحقيقة، إلى المعجم العالمي الكبير ل «بيير لاروس» الذي احتفل من خلال القرن التاسع عشر، بالعلم والحضارة... منذئد غدا كل معجم انعكاسا لعصره؛ لكن، كيف يمكن تفسير الموجة الحالية للمعاجم التي تجتاح واجهات المكتبات؟؛ هل يجب محاكمة الحلم الموسوعي، على شمولية كل المعارف وتقاسمها، وهذا ما جعله الانترنيت اليوم ممكنا؟. يضيف بييرسيمون أن نجاح هذه المعاجم، يعود إلى جوابها عن ضرورات اللحظة، كما أنها تمكن القراء من العثور بواسطة قليل من الكلمات، على جواب عن أحد الأسئلة؛ وإذا كان البعض يرى في مرونة استعمال هذه المعاجم، سيماء إيجابياً على إبطال قداسة المعرفة، يمكن مع ذلك أن نسَّاءل إذا ما كنا لا نجازف في منح الأجوبة الجاهزة عن فكر يرتب المعلومات سلفاً. إن قراءة بعض المعاجم التي صدرت حديثاً، توحي بالإطمئنان في هذه النقطة للعقول القلقة؛ بالإضافة إلى أنها أبعد من أن تحتل مكان البحوث والكتب الفكرية، لأن المعاجم تعتبر وسيلة لتعدد وجهات النظر. ويستمر سيمون في قنزعة المعاجم على حلبة الملاكمة، حتى يصل للقول بأنه يمكن محاكمة بسهولة هذا المسلك في توظيف المعاجم الفكرية؛ وهذا ما يتجلى بوضوح في معجم الفلسفة ل «كريستيان غودين»، حيث تتضح خاصية الأسلوب من خلال العمل الذي انتهجه كاتب واحد من أول المعجم إلى آخره: وليس نادراً أن تمتشق كل مقالة، شكل بحث سريع، حيث يضع الكاتب رهن إشارة القارئ، معلومة أكيدة، وآليات التحليل، وتقديماً غاية في الشخصية، وعرضاً للرهانات الحالية. يبدو أن سيمون يخرج في نهاية المقالة التي سرَّحها حلبة لملاكمة المعجم، خائر الحبر وواهن الكلمات، إذ يسلم رغم كل ما قيل عن أحابيل المعاجم التي يقع ضحية شراكها، خاملو العقول، أن المعاجم تزخر بكثير من الوسائل من أجل اطلاع الجمهور الغفير على نظريات لم يتوفروا إزاءها ربما، لا على الفضول، ولا الصبر، لاكتشافها في بحوث متخصصة. إنها إذاً، تلعب دوراً مزدوجاً؛ استثارة فضول القراء ومنحهم معارف تكميلية؛ ومع ذلك مازلت أسمع شحذاً لقرون كَلِمٍ يجزم أن بعض المعاجم هي التي تستحق التوشيح بشهادات التخرج العليا وليس بعض طلاب الطرق القصيرة للجواب...!