مؤتمر "بيجيدي".. غياب شخصيات وازنة وسط حضور "طيف بنكيران"    جريمة قتل جديدة في ابن أحمد    أخنوش يصل إلى روما لتمثيل جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    هيئة: وقفات بعدد من المدن المغربية تضامنا مع غزة وتنديدا بالإبادة الجماعية    طنجة تحتضن النسخة الحادية عشرة من الدوري الدولي "مولاي الحسن" بمشاركة أندية مغربية وإسبانية    الشيبي يسهم في تأهل بيراميدز    مرسوم حكومي جديد يُحوّل "منطقة التصدير الحرة طنجة تيك" إلى "منطقة التسريع الصناعي" ويوسّع نطاقها الجغرافي    وليد الركراكي: نهجنا التواصل وعرض مشاريعنا على اللاعبين مزدوجي الجنسية... نحترم قراراتهم    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يقوم بزيارة عمل إلى إثيوبيا    أسبوع المغرب في موريتانيا".. منصة لتعزيز الشراكة جنوب-جنوب وتوسيع آفاق التعاون الثنائي    أخنوش يصل إلى روما لتمثيل جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    بسبب التحكيم.. توتر جديد بين ريال مدريد ورابطة الليغا قبل نهائي كأس الملك    نشرة إنذارية: زخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة الجمعة بعدد من مناطق المملكة    قطار التعاون ينطلق بسرعة فائقة بين الرباط وباريس: ماكرون يحتفي بثمرة الشراكة مع المغرب    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    بودريقة يمثل أمام قاضي التحقيق .. وهذه لائحة التهم    تقرير يكشف عن نقص في دعم متضرري زلزال الحوز: 16% لم يحصلوا على المساعدة    افتتاح مركز لتدريب القوات الخاصة بجماعة القصر الصغير بتعاون مغربي أمريكي    إسكوبار الصحراء.. الناصري يلتمس من المحكمة مواجهته بالفنانة لطيفة رأفت    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    عناصر بجبهة البوليساريو يسلمون أنفسهم طواعية للجيش المغربي    إحصاء الخدمة العسكرية ينطلق وأبناء الجالية مدعوون للتسجيل    مذكرة السبت والأحد 26/27 أبريل    ضابط شرطة يطلق رصاصا تحذيريا لإيقاف مروج مخدرات حرض كلابا شرسة ضد عناصر الأمن بجرادة    مهرجان "كوميديا بلانكا" يعود في نسخته الثانية بالدار البيضاء    أرباح اتصالات المغرب تتراجع 5.9% خلال الربع الأول من 2025    "أمنستي" تدين تصاعد القمع بالجزائر    المغرب استورد أزيد من 820 ألف طن من النفايات والمواد القابلة لإعادة التدوير خلال 2024    أبرزها "كلاسيكو" بين الجيش والوداد.. العصبة تكشف عن برنامج الجولة 28    طنجة.. ندوة تنزيل تصاميم التهيئة تدعو لتقوية دور الجماعات وتقدم 15 توصية لتجاوز التعثرات    اتفاقية تدعم مقاولات الصناعة الغذائية    السايح مدرب منتخب "الفوتسال" للسيدات: "هدفنا هو التتويج بلقب "الكان" وأكدنا بأننا جاهزين لجميع السيناريوهات"    الإعلان عن صفقة ب 11.3 مليار لتأهيل مطار الناظور- العروي    على حمار أعْرَج يزُفّون ثقافتنا في هودج !    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يناقش "الحق في المدينة" وتحولات العمران    المعرض الدولي للفلاحة بمكناس: مجموعة القرض الفلاحي للمغرب توحّد جهود الفاعلين في مجال الزراعة الذكية    ميسي يطلب التعاقد مع مودريتش.. وإنتر ميامي يتحرك    كاتبة الدولة الدريوش تؤكد من أبيدجان إلتزام المملكة المغربية الراسخ بدعم التعاون الإفريقي في مجال الصيد البحري    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    جرادة.. ضابط شرطة يطلق النار لتتوقيف ممبحوث عنه واجه الأمن بالكلاب الشرسة    الملك يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين والمشاركين في الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    رفضا للإبادة في غزة.. إسبانيا تلغي صفقة تسلح مع شركة إسرائيلية    الصين تنفي وجود مفاوضات تجارية مع واشنطن: لا مشاورات ولا اتفاق في الأفق    رواد سفينة الفضاء "شنتشو-20" يدخلون محطة الفضاء الصينية    المديرة العامة لصندوق النقد الدولي: المغرب نموذج للثقة الدولية والاستقرار الاقتصادي    "الإيسيسكو" تقدم الدبلوماسية الحضارية كمفهوم جديد في معرض الكتاب    أكاديمية المملكة المغربية تسلّم شارات أربعة أعضاء جدد دوليّين    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السّينما باعتبارها فنّا
نشر في العلم يوم 24 - 06 - 2009

بعد العرض الأول للسّينيماتوغراف اتصل ملييس بأنطوان لوميير بغرض اقتناء الآلة والرفع من مستوى فرجته السّحرية بمسرح روبيرت-هودين. غير أن العجوز رفض طلب ملييس قائلا:
» أيها الشاب ،عليك أن تشكرني أولا.هذا الاختراع ليس للبيع،ولكنك لو حصلت عليه فسيؤدّي بك إلى الإفلاس.لا يمكنك استثماره اللّهم من الناحية العلمية:فضلا عن أنه يستحيل التنبّؤ لهذا الاختراع بأيّ مستقبل تجاريّ«
وعلى الرغم من أن أفلام لويس لوميير الأولى سبقت التّجارب السّينمائية المتأخرة ، فإن لا الأخوين لوميير ولا معاصريهما استطاعوا أن يدركوا الأهمية الحقيقة لهذه الآلة التي اخترعت من قبلهما، ولا قدّروا، بطبيعة الحال، قيمتها الجمالية. كانت الأفلام الأولى، في جوهرها، عبارة عن مشاهد متحرّكة، إذ إنّ الاعتراف بإمكانية استخدام الصور المتحرّكة ، من حيث هي وسيلة درامية، جاء متأخّرا نسبيّا وبشكل بطيء.
والحقّ أن الفضل الأكبر يرجع لملييس الذي قدّم للعالم ابتكارا ثوريّا، بمقاييس عصره، تمثّل في جعل الأفلام لا تكتفي بتصوير الحياة كما هي، ولكن باستثمارها فنيّا لتقديم نهايات مسلّية(الفُرجة). لقد زار ملييس لندن عام 1884-85 لمشاهدة عروض ماسكلين وكووك على مسرح البيكاديليPiccadilly ، وظهر جليّا مدى إعجابه »بالسّحر المشهدي«. وقد استطاع عام 1888 أن يمتلك مسرح روبير هودين؛ مسرح السّحر الباريسي المشهور، حيث تخصّص في العروض المصمّمة مشهديّا(ديكورا و ملابس..)، من دون أن يتأثّر بتشاؤم أنطوان لوميير! في عام 1896 اقتنى ملييس (جهاز عرض) روبيرت.و.بولRobert.w.Paul اللّندنيّ، واستطاع،بمساعدة خبير ميكانيكيّ أن يصنع كاميرا تسعفه في تصوير أفلامه الخاصة. صحيح أنه اعتبر الصور المتحرّكة، في البداية، مجرّد حلية تكميلية لعروضه المسرحية؛ لكنه لم يفتأ أن انتبه إلى مدى أهميّة أن يتحوّل من المسرح السحريّ إلى الإنتاج السينمائي الذي ينبغي أن يشغل اهتمامه الكلّي. إن ما اكتسبه ميلييس من مهارة وتنوّع في ممارسته المسرحية أثرى تجربته باعتباره سينمائيّا، وهيّأ له أن يكون منتجا ومخرجا وكاتب سيناريو ومصمّم ديكور، وفي بعض
الأحيان، ممثّلا رئيسا وعارضا للفيلم أيضا! لقد صمّم ملييس وأنشأ أوّل استوديو سينمائيّ حقيقيّ في العالم؛ نوع من البناء الشتويّ الزّجاجيّ ذي الحجم الكبير، وذلك في ضاحية مونتريول سوبواMontreuil-sous-Bois
بحيث انتهى من بنائه عام 1897. لقد صوّر ملييس ما بين عام 1896 و1913 أكثر من خمسة مائة فيلم ، تتوزّع ما بين حيل بسيطة لا تتعدّى دقيقة واحدة، وحكايات ممتعة تُعرض في عشرين دقيقة أو أكثر. مستثمرا كلّ عبقريته التقنية باعتباره ساحرا مسرحيّا. لقد اكتشف ملييس، بسرعة فائقة، طائفة من خدع الكاميرا لم يلتفت إليها أحد قبله مثل : الحركة الجامدة أو الثابتة، العروض المزدوجة، الإيحاءات الواهمة ، وغيرها من التقنيات التي تتجاوز بمكانته السينمائية حدود العبقرية؛ فأفلامه ذات الخدع الماهرة تبدو موسومة بحيويّة وإيقاع وقدرة فائقة على التجديد و الإبتكار.
والحقّ أن ميليس استلهم بعض أفكار أفلامه من بانتوميمات ورقصات الباليه التي كانت تعرض في مسارح لندن وباريس، وكذلك من روايات الخيال العلمي التي برع في تأليفها جول فيرن Jule verne الروائي الفرنسي الشهير. ولعلّ أبرز الأفلام التي أسهمت في ترويج صورة ملييس بسوق السينما العالمي هي تلك التي استندت، في معالجتها السينمائية، على رواية كاتب الخيال الفرنسي جول فيرن »رحلة إلى القمر 1902«. وقد كانت مفعمة بعبقرية ملييس، وبَريقِه المسرحي وبراعة استخدامه للمؤثّرات المشهدية التي شكّلت، في تلك الفترة من تارخ الكون الفضيّ، ثورة فنيّة وتقنيّة بكلّ المقاييس.
لقد بلغت مسيرة ملييس السينمائية ذروتها عندما تمّ تعيينه رئيسا للمؤتمر الدّولي لمنتجي السينما عام 1909. غير أن انهياره تمّ بشكل مفاجئ مباشرة بعد هذا التّتويج. إذ إنّ عمليات القرصنة التي تعرّضت لها أعماله السّينمائية، خاصة في أمريكا، عجّلت بإفلاسه. فضلا، بطبيعة الحال، عن عزوف جمهور تلك المرحلة عن استقبال الأفلام ذات الطابع الإصطناعي؛ فقد بدأت السينما تستثمر تقنيات أكثر رحابة تلائم وضعها باعتبارها صناعة اقتصادية كبرى، وسوقا تجاريةرائجة. ولذلك لم يكن في إمكان سينمائيّ أعزل محدود الإمكانيات، مثل ملييس، أن يواجه أباطرة السّينما الجدد برؤوس أموالهم الضّخمة. وكان آخر فيلم أنجزه عام 1912.
إن اكتشاف الاحتمالات السّحرية للكاميرا السّينمائية، من قبل جورج ملييس، مهّد لميلاد لغة الوسيط الجديد(السينما). ومع حرص السينمائيين، الواضح ولفترة طويلة، على تفضيل التصوير الثابت عن طريق حشر مجموعات أشخاص ضمن لقطات عامة، متعاملين مع الإطار السينمائي كما لو كان ركحا مسرحيّا، فإن النموذج المرهف للمصوّرين الفكتوريين اقترح امكانيات تصويرية أخرى. ففي أحد أفلام الأخوين لوميير الأولى « طعام الوليد1895» تم استخدام لقطة متوسّطة P/M للأبوين صحبة وليدهما؛ يجلسون إلى مائدة الطعام. وفي عام 1900 استخدم الإنجليزي جورج ألبرت سميث اللّقطات الأولى من فيلمه «جراندماس ريدين جلاس» سالف الذّكر، من أجل خلق مؤثّر كوميديّ. وقد سبق أن ذكرنا، أيضا، كيف أن أحد مصوّري آل لوميير ثبّت آلته على غندولة/مركبة وجاب بها قنال فينيسيا الكبير، مخترعا بذلك ما أصبح يسمّى في عالم الكتابة والإخراج السّينمائي بالتّرافلينجTravelling . أمّا فيما يتعلّق بحركتي القرب عن الموضوع المصوَّر والبعد عنه فقد تحسّنت، بشكل جيّد، خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر.
إنّ التحكّم في محتوى اللّقطات الفردية مهّد لظهور المعجم السّينمائيّ. وبعد ذلك جاء دور النّحو الفيلميّ. فالأفلام الأولى كانت بمنزلة صور متحرّكة مكوّنة من لقطة واحدة في مشهد وحيد أو حركة منفردة. وكانت بياناتها السينمائية أشبه ما تكون ببطاقات بريدية، أو بتلك الشرائح التي كانت تستخدمها عروض المصابيح السّحرية، أو بالمناظير، وأحيانا بصور النوادر والنكت التي تعرضها المجلاّت الهزلية. إن صور البيانات الصّحفية حول قضايا تلك الفترة أوحت، أيضا، بفكرة إعادة بناء عدد غير محدّد من الوقائع الدّالة، رغم أنه في تسليات مماثلة، لم يكن ثمّة وجود لنية خداع.
انطلاقا من نموذج ( المصباح السّحري) تولّدت، بسرعة، فكرة تجميع سلسلة متشابهة من المشاهد المصوّرة القصيرة، والتي كانت في الأصل، بمنزلة (لوحات حيّةTableaux Vivants )، حول مواضيع مشهورة جدّا، مثل : سلسلة بطولات رجال الإطفاء الذي أنجزها ببراعة مصوّر إيدسون الشهير إيدوين.س.بورتر في فيلم(حياة إطفائيّ أمريكيّLife ofan american Fireman 1903) . إن المنهج المستعمل من قبل بورتر في تصوير هذا الفيلم ليس مسبوقا في تاريخ السينما، وقد شكّل، حينها، ما يمكن أن يعتبر ثورة تقنية بجميع المقاييس. لقد انتقى من أرشيف المطافئ سلسلة من المشاهد المتعلّقة بحرائق ورجال مطافئ، وأضاف إليها لقطات أخرى مصوّرة من قبله، باستثناء لقطة أولى تضمّ قافلة سيارات مطافئ، ثمّ قام بتوليف كلّ ذلك بطريقة مختلفة، تماما، حتّى يتمكّن، في النهاية، من تقديم حكاية إنقاذ طفل من منزل محترق بطريقة متتابعة.
استطاع بورتر أن يحسّن اكتشافه هذا في فيلمه المعتبر »سرقة القطار الكبرى1930« حيث استخدم تقنيات توليفية أكثر تطوّرا مثل : الحركات الموازية و المتعاقبة. فنجد، مثلا، مشهدا يتقدّم فيه اللّصوص إلى مكان الجريمة؛ يتبعه مشهد آخر يبيّن عملية إسعاف موظّف التّلغراف، من قبل ابنته، بعد أن تركوه مصروعا على الأرض؛ يتلو ذلك مشهد حفل يلجه موظف التلغراف ليشيع خبر سرقة القطار. إن فعالية التّقنيات الجديدة المبتكرة من قبل بورتر برزت بشكل جليّ في ردود الفعل الطيّبة التي تلقّاها بها جمهور تلك الحقبة. في حين استثمر السّينمائيون الذين تعاقبوا بعد بورتر، هذه التقنيات التّركيبية للفيلم كلّ بطريقته الخاصة. ويكفي أن نشير هنا إلى أفلام الإنجليزي سيسيل هيبوورثCECIL HEPWORTH لندرك كيف تمّ تقليد أسلوب بورتر التّوليفي، وتطويعه لتحقيق نتائج مذهلة.( انظر فيلم سيسيل «Rescued By Rover 1905» ).
والحقّ أن السينما اكتشفت، بسرعة، رسالتها باعتبارها وسيلة ترفيه شعبية أساس، وأنّ دلالتها وأسلوب أدائها يمكن أن يستمدّان من أشكالها الأكثر شعبية: خيالات ملييس، خرافات الجنّ، تعثرات وسقطات المهرّجون الأوائل، وقائع وأحداث مدرسة بورتر السّينمائية...
ومع ذلك فإن السينمائيين البدائيين استطاعوا أن يحقّقوا بعضا من طموحاتهم، وكانوا بحاجة إلى كثير من الاحترام والاعتراف بهم كفنّانين، وقد نجحوا في خلق جمهور متميّز واظب على حضور فرجاتهم في المنتزهات وقاعة(الموزيك هال). وطلبا للانتشار تمّ تأسيس الشركة السينمائية للكتاب ورجال الأدب(SGAGL)، وذلك بنية تصوير العناوين الكلاسيكية للرِّبِرتوار الأدبي والمسرحي الحديث. سنتان بعد ذلك تمّ تأسيس شركة (أفلام الفنّ) التي شرعت في استقبال السيناريوهات المكتوبة من قبل الكتاب الأحياء والأكثر رواجا، والبحث عن الممثّلين والممثّلات الأكثر كفاءة مثل: سارة برنهاردتSarah Bernhardt التي لم يكتب لها أن تشارك في الإنتاج الفيلميّ الأوّل لهذه الشركة»اغتيال دوك دي كيز1908L?assassinat du Duc de Guise«، وهو الفيلم الذي كان مصاحبا بتأليف موسيقيّ خاص من توقيع المايسترو سانت سينزSaint-Sens، ولكنها كانت حاضرة في باقي الإنتاجات التي توالت بعد ذلك بما فيها »سيدة الكاميليا La Dame aux camelias 1911«و»الملكة إليزابيثLa reine Elizabeth 1912«. غير أنّ السّينما لم تك أبدا في صالح سارة بيرنهاردت، الممثّلة البارعة التي أدركتها
الشّيخوخة وبدأت تظهر عليها بعض أعراض الهستيريا. ولا حتّى بالنسبة لكثير من منافساتها المتميّزات. ورغم كلّ هذا، فإن على عشّاق المسرح أن يعترفوا بجميل السّينما التي هيّأت لهم الوسيلة للتعرّف على نجوم الرّكح العظام للقرن التّاسع عشر. في أيّامنا هذه، تبدو إنتاجات (أفلام الفنّ ) موسومة بإيقاعها المسرحيّ البيّن، بطيئة، خطابية ومتحذلقة. ولكن، في زمانها، أسهم كلّ من ذوقها الحسن وصيتها الكبير في سموّ المكانة الاجتماعية للسّينما.
انتقلت هذه التّجربة، المعدية، إلى إيطاليا، حيث اشتغلت شركة (فيلم دارتي إيطالياناFilm D?arte Italiana) على نصوص كلّ من شكسبير ودانتي وروايات إدوارد لايطون وهنريك سينكيويزSienkiewics ، التي أدّاها، سينمائيّا، نخبة من ألمع ممثّلي المسرح في تلك الفترة. أما في انجلترا، فقد امتثل أمام الكاميرا كلّ من الشاب إيرفينIrving، وفرانك بنسنFrank benson وجونستون فورب روبيرتسونjohnston Forbes-Robertson و هربرت بريبوهمHerbert Beerbohm وغيرهم كثير من نجوم المسرح الإنجليزي، بقليل من التّوفيق أو كثير.
أمّا في ألمانيا فقد استهلّت شركة أوطورين فيلمAutorenfilm مشوارها الفنيّ عام 1913 بمعالجة سينمائية لمسرحية بول ليندوpaul Lindau »الآخر«. وفي روسيا عرفت أفلام المرحلة شعبية كبيرة مثل»موت إيفان الرّهيب1909« و»أوجينيو أونجين1911«و»إله God1912«، وكانت الرقابة (القيصريّة) تعتبر مثل هذه الأفلام غير مؤذية! وفي هنغاريا، أيضا، اعتبر الكتّاب والممثلون الأكثر شهرة تعاملهم مع السينما مسألة منطقية وذات فائدة جمّة.
لقد تركت تجربة (أفلام الفنّ) أثرا واضحا في مسيرة الكون الفضّي، وأسهمت هيمنتها، بإيطاليا على وجه الخصوص، في تطوّر أسلوب أفلام تاريخية وفرجويّة ميّزت السّينما الإيطالية دوليّا سنوات ما قبل الحرب العالمية الأولى. إنّ الميل نحو الموضوعات التاريخيّة يعود إلى 1905، السّنة التي أخرج فيها فيلوطيو ألبريني Filoteo Alberini »صحافة روماLa presa di Roma«. لقد حفّز كلّ من أعمال شركة (أفلام الفنّ)، وإمكانية تصوير الأشرطة في المواقع الكلاسيكية الحقيقية، إلى إنتاج غلّة معتبرة من الأفلام التاريخية ابتداء من عام 1909، وذلك بواسطة شركات سينمائية مثل: إيطالاItala وأمبروسيوAmbrosio وأكيلاAquila أخذت تنافس بعضها البعض بضراوة.
قمّة هذه التّجارب كان فيلم»كوفاديس Quo vadis1912« لإنريكو كوازوني Guazzoni Enrico ، الذي حقّق نجاحا دوليّا منقطع النّظير بفضل ديكوراته الفخمة، ومشاهد احتراق روما، وافتراس الأسد الضّارية للمسيحيين في حلبة الفرجة، وغيرها من المشاهد المثيرة.
إنّ غزو (أفلام الفنّ) الإيطالية زعزع هيمنة الأشرطة ذات البَكرة الوحيدة على أنظمة العرض السّينمائي في بريطانيا والولايات المتّحدة، واستطاع أن يفنّد وجهة نظر المنتجين والموزّعين التي كانت، إلى ذلك الحين، تعتقد في أنّ مقدرة التّركيز عند الجمهور لا يمكن أن تستمرّ لأكثر من زمن بكرة واحدة!
في البداية، كانت الأفلام، ذات جزءين أو ثلاثة أجزاء أو أربعة، التي تصل من الأقطار المجاورة متأثرة بموضة (أفلام الفنّ)، تستقبل بريبة وشذوذ غريبين. ولكن في عام 1912 استطاع عارض الأفلام أدولف زوكرAdolph Zukor(1873-1976) أن يرجّح الكفّة لصالح هذه الأفلام، وذلك بمبادرته إلى عرض الفيلم سابق الذّكر»إليزابيث ملكة بريطانيا« بعد مغادرته الطّوعية لشركةMotion picture Patents company) (التي كانت تهيمن على حركة الإنتاج السّينمائية، وتأسيسه شركته الخاصةPlayers) Famous (. وتحت عنوان»ممثّلون مشهورون لإبداعات مشهورة» أنتجت الشّركة الجديدة مجموعة من الأفلام ذات بكرات متعدّدة أو ما أصبح يسمّى، منذ ذلك الحين، «بالأشرطة الطويلة». والحقّ أن النّزاع بقي قائما إلى حدود عام 1913، حتى نجح فيلم »كو فاديس«، الذي تمّ عرضه في مسرح عتيق، في حسم المعركة لصالح الأشرطة الطويلة ضدّ تصوّرات المنتجين والموزّعين المحافظين؛ فقد ظلّ الجمهور متابعا، باهتمام بالغ، مجريات الفيلم الذي استغرق ساعتين كاملتين ببوبيناته التّسعة!
بهذه الطريقة تمّ تأمين فعالية الفيلم الطويل، ومستقبل السّينما الأمريكية نفسه.
- استندت في إعداد هذه الحلقة إلى
Historia Universal del cine,Editorial planeta , 1990.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.