أثار نشر وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي لبلاغ وبيانات حول تغيب المدرسين لشهر شتنبر المنصرم ضجة إعلامية عبر وسائط الاعلام الورقية والإلكترونية، أكثر من القضايا الجوهرية والحقيقية التي مست وتمس إصلاح وإنقاذ منظومة التربية والتعليم والتكوين، والمشاكل المهنية والاجتماعية لأطر القطاع! رغم هذا التحفظ والتعجب، وكمتتبع لقضايا قطاع التعليم،سأحاول إبداء بعض الملاحظات والتساؤلات ذات طابع قانوني وشكلي وإحصائي وتربوي بصفة عامة. رغم أن وزير التربية الوطنية سبق له في ندوة صحفية بالرباط يوم 18 شتنبر 2017 قد صرح أن الهدف من ضبط تغيبات المدرسين عبر منظومة مسار هو الدفاع عن صورة المدرسين الذي يُتهمون بكثرة التغيبات؛غير أن الضجة الإعلامية وحالات السخط وسط المدرسين كانت بسبب نشر وتعميم اللائحة الإسمية للمدرسين والبيانات المرتبطة بذلك في بلاغ للوزارة وعبر موقعها الإلكتروني، وما صاحب ذلك من نشر وتداول للائحة المتغيبين عبر وسائل الاعلام الورقية والإلكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي؛الشيء الذي اعتبره المعنيون وبعض النقابات تشهيرا بنساء ورجال التعليم ،وينم عن خلفيات غير بريئة لضرب وتشويه صورة المدرسين عبر تضخيم ونشر أسمائهم وبيانات التغيب أمام الرأي العام. التساؤل المطروح:هل يحق للوزير ومصالحه قانونيا نشر وتعميم أسماء المدرسين المتغيبين،خصوصا الذين تغيبوا بطريقة قانونية(تقديم شواهد طبية،ووثائق تبريرية)،وحيث لا تشكل نسبة التغيب غير المبرر سوى 0.03%؟ قانونيا نجد أن الوزارة نفسها لم تحترم مذكرة وزارة أصدرتها بتاريخ 22 مارس2017 عدد 029.17 تهم واجب الحفاظ على البيانات الوظيفية والمهنية، معتبرة ذلك يدخل في حكم السر المهني، حيث خرقت الوزارة كذلك ظهير رقم 1.58.008 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية،الذي ينص في إحدى مواده على إن»كل موظف يكون ملزما بكتم سر المهنة في كل مايخص الأعمال والأخبار التي يعلمها أثناء تأدية مهامه أو بمناسبة مزاولتها». وقد بدأ بعض من يعتبر نفسه متضررا من المدرسين المتغيبين في رفع دعاوى قضائية بالوزارة حسب ما يروج. كما يمكننا التساؤل حول نوايا الوزارة الحقيقية إن كانت تهدف فعلا إلى ردع المتغيبين عبر نشر اللوائح والبيانات باستهداف المدرسين فقط دون باقي موظفيها وأطرها الآخرين؟ كما نخشى أن تكون ضجة نشر مثل هذه البيانات حول تغيبات المدرسين في القطاع وتضخيمها، وإثارة الرأي العام بقضايا تقنية هامشية والتي هي من صميم العمل الإداري الداخلي الروتيني للوزارة ومصالحها الخارجية،هي من صميم سياسة الإلهاء عن إيجاد الحلول الحقيقية والجوهرية لقضايا ومشاكل قطاع التعليم والمدرسين المزمنة ! حيث نسبة التغيب في شهر شتنبر بدون مبرر لم تتعد 0.28 من مجموع المدرسين البالغ عددهم 213199مدرسا ومدرسة؛كما ان نسبة عدم التغيب بلغت 99.72%. هذه الأرقام والنسب الأخيرة لم يتم إبرازها جيدا، وتم تضخيم أرقام وبيانات مجموع أيام الغياب التي وصلت حسب بلاغ الوزارة 2985 يوما، دون التمييز الواضح والدقيق بين احتساب أيام التغيب خلال شهر شتنبرفقط وأيام تغيب قدم أصحابها شواهد طبية تتجاوز أيامها شهر شتنبر(21 يوما فقط من العمل الفعلي)، حيث سجلت الوزارة تغيبات تجاوزت 21 يوما،وبين الغياب القانوني وغير القانوني،حيث سيعتقد غير المتخصص من الرأي العام أن الغياب كان كبيرا،وما يعقب ذلك من صناعة للتمثلات السلبية وخدش صورة المدرس/ة بشكل مقصود او غير مقصود. كنا نتمنى لو إن الوزارة مع الوزير الجديد،ان تعمل مثلا على نشر لوائح غياب البنيات والخدمات والتجهيزات والوسائل التربوية، ولوائح الخصاص الفعلي والحقيقي من الأطرالتربوية والإدارية،واللوائح الاحصائية لما تحقق من تنزيل وأجرأة للإصلاح البيداغوجي للرؤية الاستراتيجية (2015/2060) التي مرعليها حوالي ثلاث سنوات دون أن تتضح الرؤيا ودون أن يلمس الجميع بما فيهم العاملين بالقطاع أي تغير بيداغوجي حقيقي في المنظومة،إن استثنينا صباغة وتجهيز بعض المؤسسات والتخفيف من الاكتظاظ غبر تشغيل مدرسين بالتعاقد دون تكوين أساسي مثين،وتلك حكاية أخرى.نشر لوائح الفاسدين في القطاع ،لوائح من ساهم إفشال الإصلاحات المتتالية للتعليم والتي صرفت عليها الملايير من الدراهيم دون جدوى،لوائح ناهبي اموال البرنامج الاستعجالي وغيره…لو فعلت الوزارة ذلك لكان أفيد وانفع للقطاع للتعرف على حاجياته واختلالاته الواقعية والاحصائية،ومحاربة الفساد والمفسدين اكبر عائق لأي إصلاح تعليمي وإبعادهم عن القطاع. نتمنى صادقين ان تهتم الوزارة ومصالحها الخارجية بحل المشاكل والقضايا الحقيقية للمنظومة،وترك الأمور التقنية الإدارية المتعلقة بتدبير ومراقبة الموارد البشرية شأنا داخليا عبر تفعيل القوانين والمساطر الجاري بها العمل،لأن نشر»غسيل»مثل هذه الأمور (كلوائح المتغيبين) علنا، مهما كانت النيات حسنة افتراضا، يضر أكثر مما ينفع المنظومة وصورة أطرها وصورة المدرسة عامة،ويضرب في مقتل مسألة تعبئة الأسر والرأي العام من اجل التشجيع على التمدرس واحتضان المدرسة العمومية الرافعة الحقيقية لتقدم وتنمية ورقي الأفراد والبلاد.