خرج حزب الاستقلال من مؤتمره العام السابع عشر الذي انعقد قبل أيام بالرباط بمواقف واضحة وبرؤى صريحة تجاه مجمل القضايا السياسية بالخصوص منها. فلقد انصب اهتمام المؤتمرين والمؤتمرات الذين وفدوا إلى الفضاء العام من جميع أقاليم المملكة بحواضرها وقراها على تحيين المواقف في إطار مناقشات مستفيضة انتشرت في لجان المؤتمر كما في جلساته العامة. قضية مركزية استحوذت على جزء غير يسير من النقاش العام الذي جرى خلال المؤتمر وتمثل في موقع حزب الاستقلال في المشهد السياسي الحالي مع استحضار التشوهات الكبيرة والكثيرة التي تعتري هذا المشهد لأسباب لا يمكن حصرها في هذه المعالجة. وكان الاجماع واضحا ومؤكدا أن موقع حزب الاستقلال داخل هذا المشهد هو الموقع الذي يجب أن يكون فيه الحزب بغض النظر عن جميع الإكراهات، وأحد أهم شروط هذا الموقع هو أن تكون أجهزة الحزب هي التي تقرر لوحدها في هذا الشأن دون الخضوع لتأثيرات خارجية مهما كان مصدرها. حزب الاستقلال يتحلى بخصال استثنائية ومتميزة في علاقته بالمشهد السياسي لا يمكن أن تتوفر إلا في حزب جماهيري وقوي في حجم حزب الاستقلال، وأهم هذه الخصال أن الاستقلالي من أعلى هرم في القيادة إلى القاعدة لا ينظر أبدا في المرآة لينظر ما الذي يحدث في الخلف، بل إنه يركز كل اهتمامه على النظر إلى الأمام. وهذا يعني أن حزب الاستقلال لا ينتبه إلى الأحقاد وإلى أخطاء الآخرين في حقه، لأنه يؤمن أن في السياسة ليس هناك حليف دائم ولا خصم دائم وإنما هي التطورات المتلاحقة والمتسارعة التي تتكلف بعملية التصنيف، وقد تأتي تطورات أخرى تعيد ترتيب هذا التصنيف، إلا ما يتعلق طبعا بالثوابت التي لا يمكن أن تكون محل مراجعة أو تغيير. لذلك فحزب الاستقلال ترك كل التركة قبل مؤتمره الأخير بسلبياتها وإيجابياتها، بغثها وسمينها، وخرج متجددا من مؤتمر اكتسى أهمية استثنائية في تاريخ الحزب الطويل. إن حزب الاستقلال خرج من مؤتمره مستشعرا الأهمية البالغة التي تتميز بها اللحظة السياسية الراهنة، ومؤمنا أن الوطن بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله في أمس الحاجة لجهود جميع أبنائه بدون استثناء، ومدركا أن للحزب أدوارا يجب أن يقوم بها في هذه الظروف في إطار التكامل والتضامن وبإرادة قوية لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد. لذلك أعاد مؤتمر الحزب العداد إلى نقطة الصفر لتحقيق بداية جديدة تتجاوز جميع مخلفات الماضي القريب منه والبعيد، ويعتبر نفسه حليفا استراتيجيا للذين يقاسمونه هذه القناعات الرئيسية، وللذين يشاطرونه الاعتقاد بأن التحديات المطروحة تتطلب توحيد الجهود وتضافرها في إطار تعبئة متينة ومتجددة وراء جلالة الملك محمد السادس نصره الله. وينتظر حزب الاستقلال أن تبدي باقي الأطراف نفس الإرادة، فكفى من اللغط ومضغ الكلام فيما لا ينفع العباد والبلاد. وكفى من الحسابات التي لا يستطيع صاحبها النظر أبعد من أنفه. هذا الوطن، الأبي وهذا الشعب العظيم ينتظران من الطبقة السياسية أن تحسن اختيار وضع الأولويات وترتيبها حسب الأهمية والكفاح من أجل إخراجها إلى العلن في شكل إصلاحات بنيوية وأوراش بناء عملاقة تضخ ما يجب من كميات الأوكسجين في رئة المجتمع. العلم