كيف يمكن ان نتحدث عن جودة التعليم ومقاطعة النخيل بمراكش لا تتوفر على ثانوية منذ الاستقلال إلى الآن الإصلاح الذي يستحقه مغرب الانتقال الديمقراطي لا ينبغي أن يدوس على حقوق الطبقة العاملة * العلم: الرباط – ت: الأشعري تدخل عبد اللطيف ابدوح عضو الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين الأربعاء الماضي لمناقشة عرض السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، وذلك تفعيلا لمقتضيات الفقرة الخامسة من الفصل 148 من الدستور. وقال ابدوح لا تفوتني هذه المناسبة، دون أن أسجل باسم الفريق الاستقلالي بكل فخر واعتزاز، المجهودات الجبارة التي يبذلها المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات، في الكشف عن مكامن الخلل في منظومة التدبير المالي العمومي وكسب رهان النجاعة والفعالية لنظام الرقابة العليا على الأموال العمومية بالمغرب. كما نتوجه بالشكر والتقدير للسيد الرئيس الأول وقضاة وأطر هذه المؤسسة الدستورية الذين يضطلعون بدور هام ومركزي في الحفاظ على المال العام، وفي تحسين تدبير الشؤون المالية والإدارية للهيئات والمنظمات العمومية الوطنية والترابية، وتدعيم دولة الحق والقانون. وكما يقال فالمناسبة شرط، لذلك فإننا في الفريق الاستقلالي ننتهز هذه المناسبة لندعو الحكومة إلى العمل على توفير الوسائل المادية والبشرية الكافية، لضمان نجاح المحاكم المالية في أداء مهامها وتجاوز الصعوبات التي تعترضها، والاهتمام بظروف العاملين بها، وخلق المحفزات المادية والمعنوية التشجيعية لهم. عوائق عمل القاضي المالي وغير خاف على الجميع، أن شساعة المجال موضوع المراقبة وتعدد مهام ووظائف القاضي المالي إضافة إلى ضعف التأطير البشري من الناحية الكمية والنوعية بالمجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات، يشكل وبحق أحد أكبر العوامل التي تحد من عمل القاضي المالي والتي تحول دون تحقيق الرهانات والأهداف المحددة، سواء تعلق الأمر بحماية المال العام وصيانته، أو فيما يتعلق بالأدوار والاختصاصات الحديثة التي أسندت إليه. إننا في الفريق الاستقلالي، ندرك تمام الإدراك، أن مراقبة التدبير العمومي والأجهزة العمومية مهمة تنطوي على قدر كبير من الصعوبة والتعقيد، لطبيعة تدبير الشأن العام وخصوصيته، والذي يستلزم التوفيق يين الصرامة في احترام القواعد المالية والمحاسبية العامة، وبين المرونة المطلوبة في تحقيق نتائج ومردودية تتجاوز الجانب المالي الصرف في التدبير العمومي. وإذ نثمن عاليا، حصيلة عمل المجلس الأعلى للحسابات الذي نجح إلى حد كبير في الاضطلاع بمهامه الرقابية المختلفة، غير أننا بمقابل ذلك، نتساءل هل تتوفر المحاكم المالية على استراتيجية شمولية تؤطر برمجة عمليات المراقبة، وتحدد كيفيات اختيار مختلف المهام الرقابية بناء على دراسة متعددة الأبعاد للنسيج المرفقي العمومي؟ أم أن برمجة واختيار المهام الرقابية تتم بشكل عشوائي وانتقائي؟ إن إثارتنا في الفريق الاستقلالي لهذا السؤال، يجد مبرره في أن عمليات المراقبة تشمل مؤسسات وجماعات ترابية وإدارات عمومية دون غيرها، وهو ما يقتضي تنوير الرأي العام الوطني بالمنهجية المعتمدة في اختيار وإقرار المهام الرقابية المختلفة. إننا في الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، ونحن نستحضر اليوم الإرهاصات الأولى لإنبثاق المجلس الاعلى للحسابات منذ سنة 1960 تاريخ إحداث اللجنة الوطنية للحسابات، ومرورا بمختلف المحطات والأحداث والمواقف العظيمة والكبرى لكل القوى الحية في البلاد، والتي توجت بدسترة هذه المؤسسة بعد المذكرة التاريخية لحزب الاستقلال المرفوعة إلى الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه سنة 1991، نعتبر أن مناقشة التقرير السنوي لسنة 2015، هو فرصة لتعزيز الممارسة الديمقراطية ببلادنا، وتكريس التعاون البناء والهادف بين مجلس المستشارين وباقي هيئات الحكامة وهيئات الرقابة ببلادنا. وهو تعاون يمكن استثماره وتطويره بالنظر للقيمة العلمية والعملية للتقارير والدراسات التي يقوم بها المجلس والتي لا يسعنا إلا ان نشيد بها ونثمن مضامينها، لأنها لا تكتفي فقط برصد الاختلالات المالية بل تشكل أرضية مهمة لإثراء النقاش العمومي حول التدبير الحكومي لمختلف الملفات الأساسية المرتبطة بالشأن العام والوقوف على فعالية ونتائج السياسات العمومية وعلى الاختلالات والصعوبات التي تعترضها. عدم دقة المعطيات والأرقام وبالنظر لتعدد تدخلات المجلس وتعدد المجالات وهيئات المراقبة، وترشيدا للزمن الرقابي، فاني سأحصر مداخلتي في بعض القضايا ذات المطلب الاستعجالي للاصلاح: أولى هذه الملفات السيد الرئيس، ما يتعلق بالملاحظات المقدمة بخصوص تنفيذ قوانين المالية خاصة ميزانيتي 2014و2016، وفي تقدير الفريق الاستقلالي فإن التقرير نجح إلى حد كبير في الوقوف عند أهم الاختلالات المطروحة في هذا الصدد، والتي يبقى أبرزها على الاطلاق عدم دقة الأرقام والمعطيات المعلنة أو المقدرة، وهو أمر في تقديرنا ينطوي على مخاطر كبرى من شأنها أن تزيد من فقدان الشعب للمزيد من الثقة في مختلف المؤسسات الحكومية، وهي ملاحظة سبق أن نبه إليها الفريق إبان مناقشة مشاريع قوانين المالية، وطالبنا بضرورة مراجعة المنهجية المعتمدة في تعامل الحكومة مع الارقام، إذ في الوقت الذي تعمد الحكومة مثلا إلى تقديم وابراز ارقام الاستثمارات العمومية وليس فقط استثمارات الخزينة، فانها بالمقابل لا تقدم الارقام الحقيقية للمديونية العمومية وتقتصر فقط على جزء بسيط منها مرتبط بمديونية الخزينة، وهو ما يشكل تدليسا وتلاعبا سياسيا بالارقام؟ أين نحن اليوم من مبدأ الصدقية والحق في الولوج إلى المعلومة؟ وللاشارة فقط فإن المعطيات التي يوفرها التقرير، تشير إلى ان الدين العمومي وصل إلى مداه الاقصى بتجاوزه عتبة 64% من الناتج الداخلي الخام، وأن المعطيات الرسمية للحكومة في احتساب الدين العمومي لا تأخذ بعين الاعتبار مؤشرات الديون المستحقة على الدولة لفائدة المقاولات برسم دين الضريبة على القيمة المضافة، والديون المترتبة عن فائض الأداءات برسم الضريبة على الشركات، وهو طرح نثمنه ونزيد عليه، بالقول أن هناك أيضا مؤشرات أخرى أغفلها التقرير لا تحتسبها الحكومة عند تقديمها وعرضها للأرقام الخاصة بالدين العمومي نذكر منها: متأخرات أداة الخزينة والمؤسسات العمومية الديون المضمونة من طرف الدولة المقدمة للمؤسسات العمومية؛ الديون غير المضمونة من طرف الدولة المقدمة للمؤسسات العمومية. الديون الخاصة بالجماعات الترابية. رصيد الودائع لدى الخزينة العامة بما فيها الودائع الخليجية. الديون العالقة في ذمة الدولة نتيجة الاحكام الصادرة ضد الدولة وغير منفذة لحد الان. موجز القول أن الحكومة تخفي الأرقام الحقيقية للعجز والمديونية وللاقتصاد الوطني، والمثير للاستغراب، هو أن تنفيذ ميزانيات 2014و2016، كشف عن حصيلة سلبية في مختلف المجالات، بالرغم من المحيط الايجابي الموسوم بتوفر محفزات عديدة لتنشيط الاقتصاد الوطني: انخفاض أسعار البترول؛ الحجم غير المسبوق للاعانات الخارجية؛ تحسن السيولة والموجودات الخارجية؛ الانتعاش النسبي للتجارة الدولية والتعافي التدريجي للاقتصاد العالمي في منطقة الأورو؛ وفوق هذا وذاك الاستقرار السياسي الذي تنعم به البلاد والتأهيل المؤسساتي والدستوري الذي مكن الحكومة من الاشراف على القرار الاقتصادي. لذلك، نعتقد سواء تعلق الامر بأرقام المديونية، أو النمو أو بالاعتمادات المبرمجة في اطار الاستثمار العمومي، او بالامتيازات الضريبية لتشجيع الاستثمار الخاص، فإن تنفيذ قوانين المالية لن يحقق الاهداف المعلنة الكفيلة بتسريع التحول الهيكلي والنمو، مادامت العوامل التي تحول دون تحقيق المردودية المأمولة لم ترفع بعد. تساؤلات عديدة حول الحسابات الخصوصية إضافة إلى ذلك، وفيما يتعلق بالحسابات الخصوصية، التي سبق لنا أن طالبنا بتقليص أعدادها والذي يصل اليوم الى 74 حساب، فينبغي أن تبقى مجرد آليات مالية استثنائية، يتم الالتجاء اليها عند الاقتضاء أما واقع الحال فيكشف أنها تحولت إلى قاعدة اصلية في التدبير، وقد آن الاوان إلى تقليص حجمها إما بالغائها أو عن طريق إدماج بعضها البعض، خاصة تلك المتقاربة في المهام وهي كثيرة، مع ضرورة إخضاعها للمراقبة الصارمة للمؤسسة التشريعية وإعادة تقييم شامل وموضوعي لعملها. لقد نجح التقرير في عرض الاختلالات الكبرى التي تعانيها الحسابات. اختلالات تقض المضاجع، وتطرح أكثر من علامة استفهام حول الجدوى من هكذا حسابات؟ ما دامت تتوفر على أرصدة جد مرتفعة تبقى في أغلبها دون تنفيذ، نتيجة لترحيل الأرصدة من سنة إلى أخرى والتي بلغت اليوم ما يزيد عن 122 مليار درهم. ومما يزيد الطين بلة، أنه وعلى الرغم من الخصاص الكبير المسجل في كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، غير اننا ما زلنا نسجل فائضا في الحسابات الخصوصية ذات الطبيعة الاجتماعية، يزيد عن 19 مليار درهم وهو ما يفوق ثلاثة أضعاف ميزانية الاستثمار لقطاعي الصحة والتعليم مجتمعة. وما يثير الاستغراب والخجل، وهو أن الحكومة وفي إطار هذه الحسابات، لا تنفق عن كل 100 درهم يرخصه البرلمان إلا 15 درهما فقط، علما أنها مبالغ موجهة إلى البسطاء والمهمشين والفئات الهشة من أبناء هذا الوطن، وكأننا في بلد، لا فقر فيه ولا هشاشة ولا بطالة ولا تفاوتات .. وتعليمنا لا يشكو من تشوهات .. وصحتنا بأفضل حال وقرانا تنعم في التنمية والرفاه .. مقابل هذا الوضع، فإن الحكومة تصير ذات كرم حاتمي، حينما يتعلق الأمر بالمقاولات الكبرى والرأسمال.. أجل السيد الرئيس.. المؤسسات والمقاولات العمومية التي أضحت عالة على الميزانية العامة وهو أمر أغفله التقرير ولم يبسط فيه ملاحظاته.. فكيف يعقل أن المقاولات والمؤسسات العمومية التي تصل الى 253 مؤسسة ومقاولة عمومية، لا تساهم منها في ميزانية الدولة سوى ست (6) مقاولات، وبمبلغ اجمالي يقدر ب 9 مليار درهم، في حين تتجاوز الاعانات لها ما مجموعه 17 مليار درهم. سخاء مالي كبير… ومردودية جد ضعيفة، أين نحن من رهان الحكامة المالية العمومية وترشيدها؟ اصلاحة التقاعد..اجراء ترقيعي أما بخصوص موضوع ديمومة التقاعد، فإننا لا نتفق مع كل الملاحظات التي أبداها التقرير خاصة باشادته بما سمي بطلانا وبهتانا بالاصلاح الذي دخل حيز التنفيذ في شهر أكتوبر 2016، لأنه إجراء ترقيعي لا يحل المشكل بل سيزيد من تأزيمه مستقبلا، وقد سبق لنا في الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس المستشارين أن عبرنا عن استيائنا الكبير من سياسة فرض الامر الواقع التي نهجتها الحكومة السابقة، وتحييد الشركاء الاجتماعيين عن ملف اصلاح نظام التقاعد، ضدا على المقتضيات الدستورية ذات الصلة و خاصة الفصل 13 الذي ينص على ضرورة تفعيل مؤسسات الحوار الاجتماعي وإشراك الفاعلين الاجتماعيين في ما يخص بلورة و تنفيذ السياسات العمومية. ان منطق الاصلاح بهذه المنهجية أفضى إلى نصوص غير واقعية وحلول ترقيعية ونتائج عكسية وهو ما نعيشه اليوم، لذلك فنحن في الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية نتمنى أن تمتلك الحكومة الارادة الحقيقية من أجل اصلاح متوافق عليه لا يقتصر على الرؤية القصيرة المدى في ادارة ملف ذا بعد استراتيجى وطويل الامد. اذا كنا نتفق مع التقرير حول نقائص منهجية الاصلاح ومضمونه الاختزالى القصير الأمد، فإننا لا نرى في الفريق الاستقلالي للوحدة و التعادلية أن تفاقم عجز الصندوق المغربي للتقاعد يعود الى ارتفاع متوسط معاشات المتقاعدين التي نعتبرها هزيلة بالأسعار الاسمية فما بالك بالأسعار الحقيقية. إن الاصلاح الذي يستحقه مغرب الانتقال الديمقراطي ومغرب دستور 2011، لا ينبغي أن يدوس على حقوق الطبقة العاملة ويفرض عليها فوقيا عملا اكثر، ومساهمة اكبر ومعاشات أقل. ان هذا الجيل، هو جيل مغبون حقا، سواده الأعظم يعيش خارج نظام الحماية الاجتماعية، ويلعب فيه المحظوظون من المستفيدين دورا أوليا في التماسك والتعاضد الاجتماعين. إن هذا الجيل يريد أن يعمل أكثر، لكن بطواعية وبشكل اختياري، ويريد أن يساهم أكثر لكن بطواعية وبشكل اختياري. ترابط الجهوية المتقدمة والمالية المحلية ان اختيارنا لقطاع الداخلية يجد مبرره في حجم وحساسية الملفات والقضايا التي يتولى تدبيرها والاشراف عليها، كما هو الشأن مثلا لاصلاح المالية المحلية، ولا غرو أن نذكركم، أننا في حزب الاستقلال كنا ولا زلنا نعتبر أن التحول البنيوي والهيكلي العميق الذي تشهده بنية الدولة في اتجاه تقوية وإنجاح ورش الجهوية المتقدمة، أمر لن يحقق مبتغاه من دون إصلاح عميق للمالية المحلية وخاصة منها الجبائية، التي أبانت عن عجزها في توفير الموارد الضرورية والمستدامة للنهوض بالجماعات الترابيةتوعن القيام بالمهام التنموية المحلية في ظل التحولات التي شهدها المجتمع المغربي، والتي تستدعي أكثر من أي وقت مضى توفير مداخيل قارة ومنتظمة تمكن الجماعات المحلية من تغطية نفقاتها التي عرفت تطورا فرعيا وكميا لتحقيق التنمية وتدعيم الديمقراطية المحلية. لقد وقف تقرير المجلس الأعلى للحسابات على بعض مكامن الخلل في منظومة المالية المحلية التي قدمتم في شأنها معلومات مفصلة، وفي هذا الصدد اسمحوا لي ان أؤكد لكم أن إصلاح المالية المحلية يتطلب إضافة إلى ما تضمنه التقرير، التركيز على إصلاح الجباية المحلية من خلال: أولا: الحد من التعدد النوعي للضرائب والرسوم العائدة للجماعات الترابية، وتبسيط وعائها، وجعل التناسق بينها وبين الضرائب والرسوم العائدة للدولة، وتفعيل إجبارية التصريح بها عوض اللجوء إلى الإحصاء، وتوضيح مساطر المنازعة فيها في إطار مزيد من الصلاحيات في التدبير الجبائي لوعاء وأسعار تلك الرسوم. ثانيا: عدم اعتبار الوحدات الترابية وحدات إدارية غير مكتملة النضج وفي حاجة إلى تدخل الدولة وبسط مراقبتها عن طريق مختلف أشكال الوصاية؛ ثالثا: تأهيل الإدارة الجبائية المحلية بشكل يجعلها في منأى عن كل التجاذبات السياسية في فرض الضريبة أو تحصيلها أو تعديلها أو إلغائها، حتى لا تستعمل الأداة الجبائية في تلميع الصورة السياسية للمنتخبين من أجل إعادة انتخابهم. حيث أصبحنا نرى أن بعض الأحياء برمتها غير محصاة ضريبيا ولا تساهم في المجهود الجبائي المحلي، وأن الكثير من الجماعات الترابية بفعل نقص الموارد البشرية واللوجستيكية تعجز عن القيام بالإصدار الضريبي رغم توفر الوعاء الضريبي. المراكز الجهوية للاستثمار فشلت في الرهان أما بالنسبة لتفعيل للمراكز الجهوية للاستثمار، فقبل قرابة ثمانية عشر سنة، صدرت أوامر توجيهية من عاهل البلاد بتأسيس مراكز تكون في خدمة الراغبين في إنشاء مقاولات لخدمة الاستثمار على الصعيدين الجهوي والوطني.ت واليوم بعد كل هذه السنوات، يطرح سؤال الحصيلة نفسه بإلحاح، خاصة مع توالي التقارير التي تدين هذه المراكز، وبروز الحاجة الملحة لإعادة تقييم المسار حتى تستعيد المراكز الجهوية مهمتها الأساسية التي خلقت من أجلها. سنوات مرت على الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي حول التدبير اللامركزي للاستثمارات، والتي رسمت الخطوط العريضة لإحداث المراكز الجهوية للاستثمار لجعلها وسيلة من بين الوسائل التي اعتمدتها السلطات العمومية من أجل تشجيع الاستثمار على الصعيدين الوطني والجهوي. لكن بين سنة 2002 و2017 جرت مياه كثيرة تحت هذا الورش الضخم الذي عقدت عليه آمال كثيرة، واليوم يبدو الحديث عن الحصيلة كلاما منطقيا، خاصة بعد ما كشفه التقرير من اختلالات وبعد الخطاب الملكي السامي الأخير لعيد العرش الذي اعتبرها مشكلة وعائقا أمام عملية الاستثمار، عوض أن تشكل آلية للتحفيز، ولحل مشاكل المستثمرين، على المستوى الجهوي، دون الحاجة للتنقل إلى الإدارة المركزية. وعلى غرار العديد من الملاحظات، التي أثارها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، فإننا في الفريق الاستقلالي نضيف على ذلك، بأن جل المراكز الجهوية للاستثمار لم تتمكن من التأقلم مع خصوصيات كل منطقة على حدة، ولم تنجح في الرهان على القطاعات الأساسية للتنمية المحلية. انها في حاجة ماسة اليوم إلى اعادة النظر ومراجعة اختصاصاتها وطرق تدبيرها بما يسمح لها بتتبع المقاولات المنشأة والاهتمام بمصيرها، ومصاحبتها. من جهة أخرى، فإن أداء الرسوم والضرائب وكل المصاريف الناتجة عن إنشاء المقاولات بالمراكز الجهوية للاستثمار يجري لدى مختلف ممثلي الإدارات المعنية بعملية إنشاء المقاولة، أو لدى مستخدمين مكلفين بالعلاقة معها، وهذا ما لا يسمح باحترام مبادئ المراقبة الداخلية وتأمين الأموال. لذلك فإننا في الفريق الاستقلالي نوصي بضرورة الإسراع بوضع نظام موحد لأداء الرسوم والضرائب والمصاريف الناتجة عن إنشاء المقاولات بهدف تعزيز التنسيق وتحديد المسؤوليات لكل المتدخلين في عملية استخلاص النفقات. التعليم يدبر بارتباك ونظرا لضيق الوقت اسمحوا لي أن اعرج على موضوع لا يقل أهمية، وهو المرتبط بالقضية المركزية الأولى بعد قضية الوحدة الترابية، وهي وضعية التعليم، ويبدو منذ الوهلة الاولى، أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات قد وضع الأصبع على الكثير من اعطاب القطاع كاشفا عن أرقام صادمة ومؤسفة، تسائل الحكومة وتستوجب منها العمل وبشكل مستعجل على إعداد خريطة استشرافية للقطاع تدمج جميع الأبعاد المتعلقة بالتخطيط المدرسي على المدى المتوسط والبعيد وتأخذ بعين الاعتبار حجم الحاجيات المطروحة. وتبقى ظاهرة الاكتظاظ، ظاهرة استثنائية بكل المقاييس، حيث سجلت هذه السنة حالات قياسية لأقسام الاكتضاض تجاوزت أحيانا 60 تلميذا في القسم، فيما وصل مجموع التلاميذ الذين يدرسون في هذه الأقسام 2.239.000 تلميذا وتلميذة. وفيما يمكن اعتباره تدبيرا غريبا وغير مقبول، فإنه وفي الوقت الذي تسجل منظومتنا التعليمية حجم خصاص على المستوى الوطني وبمختلف الأسلاك التعليمية يناهز 16.700 مدرس فان الفائض في هيئة التدريس يبلغ 14.55 وهو يؤكد افتقاد القطاع للتخطيط الاستراتيجي والاستشرافي المتوسط والبعيد المدى. إن الحقيقة الواضحة اليوم، والتي لا يمكن حجبها، وهي أن مختلف الأعطاب والأعراض المرضية التي يعانيها القطاع هي نتيجة حتمية لغياب الحكامة الجيدة في تدبير هذا القطاع الاستراتيجي والمصيري بالنسبة للبلاد والعباد. فهل يعقل أن، بلادنا التي تسعى للالتحاق بالدول الصاعدة لا زالت تعرف أحد الظواهر الغريبة والعجيبة: ظاهرة الأقسام متعددة المستويات والتي بلغ عددها 27.227 قسم منها 24 بالمائة يصل عدد المستويات المدرسة بها ما بين 3 و6 المستويات؟ هل حقا بهكذا واقع سنحقق شعار الجودة؟ هل يعقل أن نحقق ذلك وهناك 9365 قاعة للتدريس في حالة جد متردية معظمها في العالم القروي. ومن المعضلات التي أغفلها التقرير، معضلة لجوء الوزارة الوصية الى التوظيف بالتعاقد مع عدد كبير من الأطر، في ظل غياب تكوين متخصص، مما يكشف ان القطاع يدبر بارتباك كبير فالتدريس وان كان يعاني من خصاص كبير فانه تغطيته يجب ان تحترم الشروط المهنية اللازمة للتدريس. وكيف يمكن ان نتحدث عن جودة التعليم ومقاطعة النخيل بمراكش لا تتوفر على ثانوية منذ الاستقلال الى الآن. التقرير أيضا لم يتطرق، إلى مشكل مسطرة وكيفيات اختيار وإسناد مناصب المسؤولية في الوحدات الممركزة وغير الممركزة، وهنا نذكر بالطريقة التي تم بها اختيار بعض النواب الإقليميين وتأثير ذلك على الحكامة الجيدة بهذه المصالح، والذي كان موضوع سؤال شفهي وجهناه إلى وزير التربية الوطنية من داخل هذه القاعة. ان سوء حكامة القطاع أفضى الى نتائج كارثية كما وكيفا، فلا نحن نجحنا في تحقيق الأهداف التي التزمنا بها دوليا فيما يخص تعميم تمدرس الإناث والذّكور في التعليم الأولي واستكمال التلاميذ للسلك الابتدائي والسلك الاعدادي وغيرها من الالتزامات، ولا نحن نجحنا في تجويد التعليم ببلادنا ليصير منتجا ومساهما أوليا في خلق الثروة والشغل. طلب العلاج معاناة إن الفساد ينخر التدبير العمومي في مختلف القطاعات خاصة حينما يتعلق الأمر بمصالح البسطاء من هذا الوطن، فالاختلالات التي رصدها المجلس الاعلى والمجالس الجهوية للحسابات بخصوص قطاع الصحة قد لا يسع الوقت المتاح لهذه الجلسة لمناقشها والاحاطة بكل تفاصيلها، ولا يخفى على أحد، أن طلب العلاج العمومي أضحى في الكثير من الأحيان مشهدا من مشاهد المعاناة والعذاب، والمواطن البسيط يوجد بين مطرقة الخدمات الصحية العمومية الضعيفة وبين جشع كثير من المصحات الخاصة. والتقرير الذي بين أيدينا يقطع الشك باليقين، عندما يشير إلى أن عشرات المؤسسات الاستشفائية وخلافا للمقتضيات التنظيمية المؤطرة لها لا تتوفر على كثير من التخصصات الرئيسية، كأمراض الأذن والحلق والحنجرة وجراحة الوجه والأمراض العقلية… بل إن المتوفر من مصالح الجراحة العامة وتلك المتعلقة بطب الأطفال تظل نادرة جدا، وهو ما ينعكس على تدبير المواعيد الذي يقدم لحالات خطيرة وبآجال طويلة جدا، والتي تفوق في بعض الحالات أكثر من سنة، وهو ما جعل كثير من الحالات محط امتعاض وغضب شعبي أحيانا ومحط سخرية أحيانا أخرى. أما أمراض النساء والأطفال فحدث ولا حرج، والمحصلة أن هذا القطاع الاجتماعي الحساس والحيوي يعيش على إيقاع غياب التخطيط الاستراتيجي. لقد وقفت مختلف التقارير التي أنجزتها المجالس الجهوية للحسابات حول المركبات الاستشفائية الإقليمية والجهوية على سوء تدبير بين للتجهيزات الطبية المقتناة، والتي تعاني من أعطاب بنيوية وهو ما جعل خدمات طبية كالتحاليل والكشف بالأشعة خاصة السكانير IRM، حلما صعب المنال لدى فئات عريضة من المواطنين وهي فئات هشة تظل عرضة لجشع مبالغ فيه من طرف القطاع الخاص في غياب مراقبة زجرية من الوزارة. إحداث التقارب بين انتاجية القطاع الفلاحي وانتاجية القطاعات الاقتصادية الاخرى وهو مالم يتحقق بعد، ذلك أن انتاجية عامل متوسط في قطاع البنوك والتامينات يزيد ب 50 مرة عن إنتاجية عامل في القطاع الفلاحي، حتى في ظل سنة فلاحية ممتازة بل وقياسية. القانون المنظم لعمل القاضي المالي والمحاكم المالية ختاما، نهنئ أنفسنا بالجودة العلمية والعملية الكبرى لهذا المنتوج الرقابي، والذي كشف عن اختلالات بنيوية عميقة يعاني منها التدبير العمومي على جميع المستويات، حيث عكس بشكل واضح إلى درجة الفداحة، ضعف النسيج المرفقي العام، وهشاشة الفعل التدبيري العمومي، وعدم احترامه للضوابط القانونية والتنظيمية المعمول بها. ومن أجل ضمان نجاعة أكبر لتقارير المجلس الأعلى للحسابات، فإنه علينا اليوم حكومة وبرلمانا ان نعمل على تجاوز الجمود التشريعي الذي تعرفه التجربة المغربية في مجال الرقابة العليا وجعلها من الأولويات التشريعية، من خلال مراجعة وتعديل القانون المنظم لعمل القاضي المالي والمحاكم المالية، في إطار منظور شمولي لإصلاح منظومة التدبير العمومي في كافة أبعادها. عبد اللطيف أبدوح يناقش مضامين تقرير المجلس الأعلى للحسابات: هذا هو واقع المؤسسات العمومية.. سخاء مالي كبير ومردودية جد ضعيفة