"آنادية غدي نلقى ليك الحل" هكذا قال الطفل عبد الرحيم ست سنوات لامه نادية المطيفي من مواليد 1970 جاءت إلى مقر الجريدة تجر حقيبة السفر ومعها طفل وطفلة، هما فاطمة الزهراء 8 سنوات وعبد الرحيم 6سنوات، كانت عيناها متورمتين من البكاء، طلبت منها أن تحكي قصتها بعد أن سألتها إن كانت تعرضت للعنف من قبل الزوج أو من احد غيره فكان ردها بالنفي، لتقول إن أزمتها اقتصادية مائة بالمائة، بعد أن ذهبت الدار والاستقرار والزوج وباتت هي والأطفال قاب قوسين أو أدنى من الشارع، لتعود وتؤكد انها وأطفالها هم فعلا في الشارع .. تقول نادية كنت أعيش وزوجي والأطفال في مدينة الداخلة ، كان الزوج "عسكري" وكانت أمورنا بخير "وتضيف "كنت بفراشي وذهبي وكانت الدار تطل على البحر "كنت أثير غيرة نساء العائلة حين ازور الأهل في الدارالبيضاء ،ولم أكن أظن أنني في يوم ما سيصبح مصيري هو الشارع أنا وأولادي الذين أراهم يضيعون أمامي دون أن استطيع فعل شيء، لان التيار أقوى مني.. وعن سبب مجيئها من الدارالبيضاء ومعها طفلان قالت: كنا نستأجر غرفة بدرب ميلا ب600درهم في الشهر ولأننا لم ندفع الإيجار، لمدة أربعة أشهر طالبني صاحب الغرفة بالإفراغ لأنه هو الآخر يعتاش من ذلك الإيجار، فجمعت حاجياتي وخرجت أنا والأولاد للشارع..وتضيف أن الزوج تم طرده من"الجندية" سنة 2000،بسبب تكرار غياباته عن العمل، بعد أن أصيب في رأسه اثر سقوطه من ناقلة جند عسكرية، وتلقى25 ألف درهم كتعويض مادي بعد صدور حكم فصله في المحكمة العسكرية بالرباط لتكون مغادرة مدينة الداخلة تقول نادية، والعودة الى الدارالبيضاء حاملين معهما حينها ثلاثة أطفال هم ربيع الذي يبلغ حاليا16 سنة وهشام 13سنة وأمين 12 سنة، وثلاثتهم غادروا مدرسة الخيرية التي كانوا يدرسون بها، ليصبحوا في الشارع .. كانت وثائق الخيرية التي يدرسون فيها والتي أطلعتنا عليها الأم تشير إلى أن كلا من هشام وأمين هما طفلان في وضعية الشارع ... زاد بكاء نادية وهي تقول حاولت أن احفز الزوج على العمل، وان نعمل أي شيء لننقذ أولادنا من الضياع لكن لا حياة لمن تنادي اذ انه يتوجه الى عائلته ليأتي ببعض الأكل وكذلك أنا وحين يتراكم الإيجار يغادر تاركا الجمل بما حمل، وتقول حاولت ان أقاوم وان لا استسلم لواقع الحال فبدأت أهيئ "الحريرة"وأبيعها في الصباح الباكر للعمال وكذلك في المساء حتى العاشرة ليلا، واستمريت في هذه التجارة التي جعلت اهل الحومة يتعاطفون معي حتى منحرفيها كان البعض منهم يعطيني المظلة الشمسية وآخرون الكراسي، لمدة تزيد عن خمسة أشهر إلى أن علم أخي الأصغر، بالأمر فجاء يعاتبني ويلومني على ما انا فيه بدعوى أنني قمت بتشويهه وتشويه عائلتي ببيعي للحريرة في الشارع، وكان الزوج خلال الخمسة أشهر تلك قد "هرب" إلى وجهة غير معروفة ليتركني انا والأولاد لمصيرنا، استأجر الاخ بيتا ب650درهما جمعني فيه وأولادي واخذ يصرف علينا واعدا إياي بأنه لن يتخلى عنا واستمر ذلك الحال لمدة شهرين ليعود الزوج،خاوي الوفاض فكان أن عدت إلى بيت العائلة بعد أن أشفقت على أخي من ثقل المسؤولية عليه في حين ان من يجب عليه تحمل المسؤولية يريد أن يأكل ويشرب وينام على حساب الآخرين.. ولم يعد يهمه ان كنا في الشارع أو عالة على احد . تغيرت الأوضاع تقول نادية بعد أن تزوج الأخ ، وتولدت بعض المشاكل التي جعلتني اخرج أنا وأولادي، تاركة والدتي تدرف دموعها، الطفل الأكبر ذهب مع والده عند عمته في حين توجهت انا لجمعية "عتاب" في الدارالبيضاء التي آوتني وطفلي هذين لمدة ثلاثة أشهر،و خلال هذه السنوات أي منذ رجوعنا من الداخلة رفعت عليه ثلاث دعاوى للطلاق تنازلت عن اثنتين فيما الدعوى الثالثة مازالت قائمة دون ان أتابعها لأني لا أرى مصلحة من وراء الطلاق او غيره فمشكلة هذا الزوج هي عدم رغبته في العمل وعدم اكتراثه بما نحن فيه.. كانت نادية بين الحين والآخر تعانق صغيريها وتزيد في البكاء طلبت منها ان تكف عن بكائها وتخبرنا عن قرارها وما الذي تريده من مجيئها إلى الجريدة، فقالت أريد أن استعيد حقوق أولادي فقد كان الزوج سيحصل على التقاعد بعد سنتين من تاريخ فصله عن الجندية ، واسأل إلى أين سأتوجه لاسترد حقوق أولادي أو على الأقل تمكيني من إعانة مادية شهرية، تمكننا من دفع إيجار غرفة تاوينا، مشيرة إلى أن فاطمة الزهراء تعاني من ربو مزمن وهو ما يجعلها تظهر وكأنها بنت الثلاث سنوات، كانت نادية تبكي وتتحسر على الماضي وتحاول مقاومة كبرياء مازال بداخلها يجعلها ترفض الحاضر وتتساءل كل مرة من كان يظن أنني سأصبح في وضعية الشارع وان تتشتت أسرتي ويضيع اولادي؟ اتصلنا باتحاد العمل النسائي ووجدنا استجابة كبيرة من جميع مسؤولاته بدون استثناء بدءا من السيدة نزهة العلوي رئيسة الاتحاد والسيدة فاطمة مغناوي المسؤولة عن مركز نجدة بالرباط والسيدة فاطمة اوطالب المسؤولة عن دار الإيواء بالرباط والأخت سلمى الموظفة بدار الإيواء ، حيث تم استقبال نادية وطفليها اللذين كانا كأي طفلين عاديين طلبا اوراقا بيضاء واقلاما للرسم.. غادرت نادية وهي تتوسل ان تجد عملا يجمع شمل اسرتها وماوى وفي انتظار ان تتغير أوضاعها وأوضاع آلاف النساء مثلها من يعشن التشرد والتسول نتساءل ما دور الجهات الرسمية المعنية امام مثل هذه الحالات الاجتماعية الاستعجالية ؟.. فهن نساء من هذا الوطن وأطفالهن أطفال من هذا الوطن .. ام هم غير هذا ؟