إلى كل التلاميذ أصدقائي أحفاد أحمد بوكماخ مرق كالسهم حتى ارتطم جسده الطري برتاج الثقب .. ارتمى بين قدمي رئيس الفئران وفجأة انقذفت الكلمات كالحمم على عجل من فيه الموشور وهويلهث : سيدي .. سيدي لقد عثرت على فروة أخينا بين سقط المتاع تحت الأدراج . فما من شك أن القط الوغد قد التهمه هذه الليلة !! انتصب رئيس الفئران في غضب وحنق وثورة بادية ، شبك يديه خلف ظهره ، ثم راح يذرع الجحر جيئة وذهابا ثم جيئة وذهابا وكان بين الحين والآخر يضرب بقبضة يده على الجدارمرة ومرة يدك بكعب حذائه بقوة على الأرض وفي لحظة بدا كأن فكرة ما تفتقت في ذهنه .. التفت إلى عساس الجحروقال له : لايمكن أن تستمرالمجزرة تلوالمجزرة .. إنني أرى المخالب تزحف يوما بعد يوم بل ساعة بعد ساعة نحونا ولاشك أننا إذا ما استمررنا بالوراثة كما آباؤنا الأولون هكذا في النعي والبكاء والجنازات فقد أجد نفسي أنا كبيركم يوما ما بين فكي هذا القط الوغد ، إذن علينا باجتماع قمة طارئ لكل الفئران ... مرق الفأرالعساس مرة أخرى كالسهم يختلف من جحرإلى جحر ومن غار إلى غار ومن منفذ إلى منفذ ينبىء كل الفئران المقهورة بموضوع الإجتماع الطارئ . وما بين الخبر والإجتماع اندلعت الإشاعات والتكهنات والتخمينات ، فمن قائل ان الأمريتعلق بحفر نفق جديد للفرار إلى سراديب ودهاليزعلى شكل محميات آمنة .. ومن قائل ان الأمريتعلق بتقديم قربان كل يوم في حضرة القط المتسلط الظالم وهذه كما قال داهية الفئران أهون المساومات وأخفها ضررا بالرغم من أن الضحايا سيظلون يسقطون كل يوم غير أن أعدادهم لن تؤثرعلى كثافة الفئران ، فالفأرة الواحدة باستطاعتها أن تلد كتيبة في العام الواحد ، فلا مفر من الضحايا إذن .. ومن قائل ان الأمر يتعلق بأذكى وأنجع الحلول كلها وهو تلغيم كل المنافذ والشقوق ، لكن بقي السؤال دائما هوالسؤال : من أين تأتي الفئران بالألغام . وبعد برهة كانت كل الفئران متحلقة في حيرة حول رئيسها طرطر، وبنظرة شزر وألم ملمحة عم الصمت الجحر. التفت طرطر يمينا ثم يسارا وبعد أن تيقن من خلوالجمع من عيون القط وآذانه صرح : من المؤكد وبعد مقتل أخينا لم يتبق بيننا وبين وقت إبادتنا الجماعية مفر أوحماية ، إنني أرى مخالبه باتت تزحف يوما بعد يوم إلى مقر قيادتنا وقد أجد نفسي يوما ما أحصي أنفاسي بين فكي هذا القط الوغد الظالم المتسلط وإذا لم يكن هناك من بد لمواجهته فليكن ذلك الليلة قبل الغد ... وفي تلك اللحظة التفت طرطر إلى كاتبه شرشر آذنا له بقراءة بيان الدفاع الأخير. قال شرشر: سيدي رئيس الجمهورية الفأراوية ، لقد هدانا الله إلى فكرة عبقرية ، تاريخية وعظيمة ... إنها معجزة سوف تريحنا عاجلا من هذا القط الوغد لكن نحن سيدي الرئيس فقط بحاجة إلى فأر واحد ووحيد وأحد ، فأر مقدام وشجاع ومستعد لاسترخاص حياته في سبيل حياتنا ... إن الأمر شبيه إلى حد ما بعملية فدائية . فقاطعه الرئيس قائلا : بالحزام الناسف !!! فرد شرشرعلى الفور لا.. لا..لا سيدي الرئيس بماذا إذن ؟؟ بجرس .. أجل جرس يا سيدي فانفجرالحضوركل الحضورضحكا وقهقهات وجلبة لم تتوقف إلا بصيحة الرئيس : كفى لاوقت للهزل . وأردف ، أسرع وأوجز كيف ذلك ؟؟ ضرب شرشر كفا بكف وإذا بأحد الفئران العسس يدخل المجلس وعلى ظهره جرس كان يدق ويدق بقوة مجلجلا في أرجاء الجحر. قال شرشر: سيدي الرئيس هذا جرس إنذارعلينا أن ندبرمكيدة ما كي نعلقه على عنق القط لحظة نومه حتى إذا ما تحركت آلته في اتجاهنا رن الجرس في عنقه فنكون قد أعددنا العدة والعتاد ووحدنا الصفوف . فقاطعه الرئيس مرة أخرى وقال : ماذا تقول وحدنا الصفوف للهجوم !؟ لايا سيدي نوحد الصفوف للفرار. جيد للفرار، ما أعظم وأسهل الفرار بأقل الخسائر، وأردف في استغراب وتعجب وهويفتل زغيبات شاربه . ومن سيعلق الجرس يا شرشر؟؟؟ إثرئذ حامت النظرات الوجلة يمنة ويسرة وكبت الرؤوس وتوارت بعضها خلف بعض من أثرالرعب وخشية إشارة طائشة من أصبع الرئيس . وفجأة ومن حيث لا يدركون قام فأر في الصفوف الخلفية يدعى فرفر وأطلقها مدوية : أنا .. أنا .. أجل أنا سيدي الرئيس !!! ولكم أيها السادة أن تتخيلوا دهشة الحضور إذ ان فرفرهذا لم يكن سوى فأر كباقي الفئران رعديد ، جبان ، مختال ، لا يقوى حتى على التلصص من ثقب الجحر فكيف به أن يحمل الجرس من جهة ويعلقه على عنق القط الظالم من جهة ثانية . علت الهتافات والصياح والإكباروالإشادة بموقف فرفر، وفي صباح اليوم التالي كانت كل الجرائد والصحف في جمهورية الفئران تكتب بالبنط العريض : فرفر يعلق الجرس. وفي اليوم الثالث خرج فرفرإلى المعركة ولم يعثرالفئران سوى على فروته بين سقط المتاع ... فمن بعده سيعلق الجرس ؟؟؟