الماءُ في المغربِ مسألةٌ أكبر مِنْ مجردِ عطشِ الناسِ والمعزِ والأغراس، في الصيفِ أو غيره… إنها "المسألة المائية" بالمغرب، واحدة من المسائل الحيوية بالبلادِ، ذات الصلةِ بالاستقرارِ والأمنِ الشاملِ المستدام، وبالمشروعِ النهضوي للمغربِ المنشود. "وجعلنا من الماءِ كل شيءٍ حي"… هكذا يتحكمُ الماءِ، عبر القوانينِ الأزليةِ في توزيعِ الساكنةِ والأنشطةِ البشريةِ، مِنَ الفلاحةِ والصناعةِ إلى مختلفِ الخدمات… ويُعتبرُ المغربُ من البلدانِ القليلةِ في المنطقةِ، الذي لا يشتركُ في مياهه مع بلدٍ أخر، وهي نقطةُ قوةٍ تُحسبُ له، إنْ تعاملَ معها واستثمرها بالصفة العقلانيةِ المستدامةِ المطلوبة. لقد وَرثَ المغربُ هذه "النعمة" عَنِ الطبيعةِ وعَنْ "رحمة الله" بهذا البلد، لكنه وَرثَ مِنَ "تركة المرحلة الاستعمارية" ومِنْ مخلفاتِ التبعيةِ للخارج و "سوء التدبير" والجهلِ أو تجاهلِ هذه الحقائق التي تَلَتْ هذه المرحلة، الكثير مِنَ ‘النقمة" وما لا يُحصى مِنَ الصعوباتِ و"التصْعِيبَاتِ المقصودة" أيضاً. وحتى لا "أُفْهَمَ عِوَجاً"، أقول؛ إن مِحنتنا مع "وْليداتْ فرنسا والْخَارْجْ" في الماءِ وغيره، لم تنتهي بعدُ، وأن "السدودَ الكبرى" التي أُنجزتْ في عهد الراحلِ الحسن الثاني، قد أَسْهمَتْ فعلاً في ترقيعِ "المشكل المائي" المطروحِ على الأمدِ القصير، رغم كلفةِ صيانتها العاليةِ فيما بعد، وعدم تلاؤمها نهائياً مع نتائجِ ومخلفاتِ وتوقعاتِ "التغيرات المناخية"، من خلالِ التحولِ الملحوظِ في أساليبِ ووَتائرِ وانتظاماتِ وأحجامِ التساقطات. لقد ربط الاستعمارُ الفرنسي، وبالخصوصِ السياسةَ المائيةَ في المغرب، بخدمةِ مصالحه الآنيةِ والاستراتيجيةِ فيما أسماه "المغرب النافع" له وحده، وتحديداً حيث الثروات الخامة والصناعات والخدمات والأراضي الفلاحية الشاسعة والخصبة، وإقاماتِ المعمرين ومنْ خلفهم، وبمجاله الحيوي عموماً. لذلك وُجهتِ غالبيةُ المياهِ عندنا، قبل الاستقلالِ وبعده، أكثر من 85 غي المائة لسقي الضيعاتِ الفلاحيةِ الكبرى والمزروعاتِ التصديرية، التي اعتبرتْ "مائدة فرنسية". وحوالي 05 في المائة لقطاعِ الخدماتِ والصناعاتِ التحويليةِ المتمركزةِ على الشريط الساحلي القنيطرة-الجرف الأصفر، ولإقاماتِ الكبار والمسابحِ الخصوصيةِ وملاعبِ التينس والغولف والفنادق الفخمة. إن أكثر من 90 في المائة من مياهنا المعالجة، تتخذ هذه الوجهة، منذ استقلالِ المغرب السياسي، وحتى الآن. أما فيما يتعلقُ بظاهرةِ تشتيتِ وتعددِ المصالحِ وقطاعاتِ الدولةِ والحكومةِ المشرفةِ على إدارةِ وتدبيرِ الماءِ بالمغرب، فمسألةٌ موصولةٌ بالإرثِ الاستعماري من جهةٍ، وبإصرارِ "المحافظين" في مواقعِ القرار، على استمرارِ هذه الظاهرةِ. في نسخةِ حكومة اليوسفي الأولى، عبر قطاع البيئة الحكومي آنذاك، طُرحتْ للدرسِ والعملِ ظاهرةُ التشتيتِ والتعددِ الغريبة هاته، ومعها مشروعُ تحليةِ مياهِ البحرِ المجهضِ (محطة طنطان نموذجاً؟)، ومحاولة وضع معالم مشروعٍ مجتمعي مغربي نهضوي يرتكزُ على سياسةٍ مائيةٍ عقلانية بديلة، تقطع مع التبعيةِ والترقيعِ والعشوائية (…)، لكن هذا التوجه أُقْبِرَ في حينه بضغوطٍ خارجية(منظمة السلام الأخضر تُعرفُ أيضاً باسم غرينبيس أو بالإنجليزية Greenpeace فرع إسبانيا، على سبيل المثال فقط؟)، أُخرجَ البروفيسور أحمد عراقي من الحكومةِ، أُلحقَ الماء بالسكنى، كُرستْ ظاهرةُ التشتيتِ والمقاربة المائية والتنموية السائدة، وأُغلقَ الموضوع! الآن، وفي صيفٍ مغربي ساخنٍ فعلاً، يطفو على السطحِ هنا وهناك، "حراك العطش"، في مناطق التساقطاتِ المطريةِ الغزيرةِ والأحواضِ المائيةِ الوفيرةِ والسدودِ الكبيرة… علماً أن ما يُوَجهُ مِنْ مياهنا المعالجةِ للاستعمالاتِ المنزليةِ وسد العطشِ، لا يتعدى 10 في المائة، وفي كل الأحوال…؟ هي؛ "غزارةٌ في الإنتاجِ، وسوءُ في التوزيع"، قولاً وفعلاً…؟