كيف يفسر اندلاع الأزمة بين دول الخليج عشية قمم الرياض؟ : هل تقف القوى العظمى وراء (الحراكات) و(الانتفاضات) و(الثورات)؟ * بقلم // عبد القادر الإدريسي طويت ثلاثة مواثيق وضمت إلى المحفوظات ووضعت على الرف؛ أولها ميثاق جامعة الدول العربية، وثانيها ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، وثالثها ميثاق مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حين اشتعلت نيران الأزمة في الخليج العربي عشية القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي استضافتها الرياض. اندلعت الحرب الإعلامية بين الدول الثلاث، المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، فجأة ودون مقدمات، وكأن يداً ما ضغطت على الزر السحري فانفجرت الأزمة، ونشب الصراع المحتدم في المنطقة، فظهر الخمينئي المرشد الأعلى في إيران، الذي هو الحاكم بأمره وما رئيس الجمهورية حسن روحاني إلا موظف سام لديه، ظهر فجأة ليشن هجوماً ضارياً على المملكة العربية السعودية، مستخدماً مفردات بذيئة يُنزَّه عنها العلماء والحكماء الذين يدعون أنهم يسيرون على النهج الإسلامي القويم. وتَزَامَنَ هذا المتغير المفاجئ مع تصاعد الصراع العسكري في كل من سوريا واليمن، وانفجار السيارات المفخخة في بغداد، واستعصاء دحر تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية في مدينة الموصل، ونزول تدهور الأوضاع في ليبيا إلى الدرك الأسفل، مع استمرار القصف الجوي المصري لمناطق من ليبيا، ولا يبدو في الأفق أن هذا القصف سيتوقف في المدى القريب. ذلك هو المشهد الدامي والوضع المتأزم في العالم العربي بعد قمم الرياض الثلاث التي رفعت من منسوب الآمال في عهد جديد يسود فيه السلام، وتزدهر التنمية، ويعيش العرب والمسلمون عموماً، في أمن وأمان وكرامة وعدالة اجتماعية حقيقية. ولما أبدت دولة الكويت استعدادها للتدخل من أجل عودة المياه إلى مجاريها وإصلاح ذات البين بين الدول العربية في الخليج، والمقصود هنا الدول الثلاث تحديداً، المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، ظهر من يشكك في جدوى هذه الوساطة الكويتية، ولم يبق له إلا أن يدعو إلى إعلان الحرب الأهلية في الخليج العربي. وبدا وضاحاً أن جهات ما وأطرافاً عدة، لا يرضيها أن تهدأ الأمور في الخليج العربي، وأن تستقر الأوضاع، وأن يسود السلام وتصفو العلاقات الثنائية بين الدول الثلاث من الكوادر وتخلو من الشوائب. وهذا هو الهدف الذي تعمل إيران من أجله، كما تعمل معها قوى دولية من أجل الوصول إليه. وتأتي إسرائيل في طليعة الدول التي يهمّها في المقام الأول، أن تسوء العلاقات العربية-العربية، وأن تتأزم الأوضاع في العالم العربي، وأن يظل العرب والمسلمون في حيرة من أمرهم يلفهم الضياع، ويهزمهم ضعف الحال، وتذلهم الحاجة إلى الخارج للحماية ولتوريد الأسلحة حتى تتراكم في المخازن، وتصدأ فتفقد مفعولها، مما يقتضي توريد المزيد من الأسلحة من جيل جديد. وهكذا دواليك. لو استقرت الأحوال في الخليج العربي تحديداً، وساد التفاهم والاحترام المتبادل والحرص على المصالح المشتركة بين دوله الست، لتعطلت صناعة السلاح في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي جمهورية روسيا الاتحادية، وفي المملكة المتحدة، وفي فرنسا، وفي إيطاليا، وفي غيرها من الدول المنتجة للأسلحة، ولبارت التجارة التي تدر ملايين الملايير على أصحابها، ولأغلقت الأسواق في وجهها، ولانقلب ذلك كله إلى أزمة في السياسة الدولية ستكون الدول العربية والإسلامية من ضحاياها في المقام الأول. ولذلك يكون الوضع الطبيعي، بالمنطق الغربي، وبالحسابات التي تجريها الدول العظمى، هو أن تتدهور الأوضاع في الدول العربية، خصوصاً في منطقة الخليج العربي، ثم في منطقة شمال أفريقيا، وأن يمتدّ هذا التدهور لمدد طويلة. وتحت دعاوى محاربة الإرهاب، يجري اليوم استكمال تدمير ما تبقى من مظاهر الحياة ومعالم الحضارة في سوريا، كما لم تدمر دولة في هذا العصر، بالتفاهم والتواطؤ بين اللاعبين الكبار، ويتم تدمير ليبيا بشتى الأساليب، ودائماً تحت دعوى محاربة الإرهاب، بينما الإرهابيون هم الذين يمارسون التدمير، هؤلاء الذين يفترض أنه يحاربون الإرهاب، ويتواصل في تزامن مع هذه الأحوال الخطيرة، تدميرُ ما تبقى من اليمن الذي كان يوماً ما سعيداً، على قدم وساق، وليس في الأفق ما ينبئ عن أن الحرب الأهلية في ذلك البلد قد أوشكت على الانتهاء. وهي حرب مستنزفة لجميع الأطراف على نحو متصاعد. في ظل هذه الأجواء الملبدة بسحب داكنة، تتوتر الأوضاع في تونس، وتعرف بعض البلدان العربية حالة غامضة من الارتباك نتيجة لتصاعد هذا الفعل الذي اصطلح على إطلاق لفظة (الحراك) عليه. وهو مصطلح مبهم، حمَّال أوجه، لا يعرف أحد على سبيل الجزم والقطع، هل هو انتفاضة، أو حركة احتجاج، أم هو ثورة شعبية، أو انفجار اندلع نتيجة لتراكم العوامل الذاتية والموضوعية؟. وهل هو فعل داخلي أم فعل خارجي؟. هل تقف خلفه القوى الدولية وتدعمه وتشجع عليه وتروج له وتنفخ فيه؟. إنها سلسلة من الأسئلة الحاشرة والحارقة أيضاً، تؤكد جميعها أن الخطب جلل، وأن الأمر ينطوي على خطر محدق، وأن الرؤية غير واضحة، وأن الغد مجهول. وتلك هي عناصر الأزمة التي تعاني منها البلدان العربية التي اندلعت فيها هذه (الحراكات) التي لا يعرف هل هي انتفاضات أم ثورات. فهذا الربط بين العوامل العاصفة الكاسحة التي تهدد الأمن والاستقرار في العالم العربي، ولربما في العالم الإسلامي الشاسع الأطراف، والذي يجمع بين تدهور العلاقات الثنائية فجأة بين ثلاث دول وازنة وقادرة من الخليج العربي، وبين الحرب الأهلية في اليمن وسوريا والعراق وليبيا، وبين الأوضاع المضطربة في بعض البلدان العربية الأخرى، هذا الربط المنهجي السليم، لا يمكن أن يكون ليس ذا معنى، أو هو من قبيل الظن والتخمين، أو هو خبط عشواء؛ لأن الوقائع على الأرض تؤكد أن العرب والمسلمين كلهم مستهدفون، وأن الدول العربية والإسلامية في عين العاصفة، وأن القوى العظمى، التي لا يوثق بها ولا يطمأن إليها ولا يعتمد عليها، تترصد دولنا، وتعمل على نشر الفوضى فيها، بالأشكال المتعددة للفوضى، حسب ظروف كل دولة، فمن اندلاع الصراع والخصام والعداوة والكراهية بين الدول ذات التأثير في المنطقة، إلى نشوب الأزمات تحت دعوى محاربة الإرهاب، إلى اشتعال النار في نسيج الوحدة الوطنية والتلويح بالانفصال والتطاول على المقدسات والثوابت، إلى انسداد الأبواب أمام الإصلاح ومحاربة الفساد وإقرار الديمقراطية والحكم الرشيد واحترام الدستور وسيادة القانون، إلى تصاعد تدهور الوضع الأمني في أكثر من دولة. فهي إذن، شبكة من الأزمات وحزمة من المشاكل، وكم هائل من الألغام المتفجرة والأخرى القابلة للانفجار حينما يحين أوانها. فهل نعاب، أو يؤاخذ علينا، إذا ما قلنا، وبمنتهى الصراحة وعن يقين تام، إن القوى الدولية على تعددها، هي التي تقف وراء الأزمات والصراعات والحراكات والانتفاضات والثورات، كما وقفت من قبل خلف الانقلابات العسكرية في العالم العربي، من سنة 1949 إلى سنة 2013، التي جاءت بالمجرمين السفاحين الطغاة إلى سدة الحكم، وهي القوى الدولية التي تحارب الاستقرار في الدول العربية والإسلامية من حيث تدعي أنها تحارب الإرهاب، وما الإرهاب إلا ما تمارسه هي مباشرة، أو من خلال من يدورون في فلكها، وهم كثر، من جرائم تخدعنا فتدخلها ضمن خانة محاربة الإرهاب. إن ما يؤكد هذا الترابط الوثيق بين هذه الأوضاع جميعاً، أكثر من أن يحصى، وإن الواقع الذي تعيشه الدول العربية اليوم، دون استثناء، يشهد أن المخططات الغربية والشرقية (بعد دخول روسيا إلى حلبة لعبة الأمم) تتجه نحو زعزعة الاستقرار فيها، وإفساد العلاقات العربية-العربية، وإطالة أمد الفساد بجميع أشكاله، وتعطيل مسيرة الإصلاح على جميع المستويات، لتبقى الأحوال غير مستقرة. أما كيف يمكن التصدى لهذه المخططات الرهيبة، فبالديمقراطية الحق التي لا شائبة فيها، وبحكم القانون، وباحترام الحريات العامة، وبقيام دولة المؤسسات، وبالقطع مع الفساد ما ظهر منه وما بطن. فبهذه الوسائل الديمقراطية تتقوى الدول وتحمي مصالحها، لا بأية وسائل أخرى.