منذ سنوات و الأزمة السورية تراوح مكانها، لا حل يلوح في الأفق، على الأقل ، إلى حد كتابة هذه الأسطر، عنف متزايد، دمار في كل مكان، جثث و أشلاء هنا و هناك، طائرات متعددة الجنسيات تقصف جوا، و مقاتلون من بلدان مختلفة يتناحرون برا، هذا ما وصلت إليه ما يسمى بالثورة السورية. ثورة بدأها سوريون، لتتطور فيما بعد و تصبح أزمة، ثم نقمة بعد التدخلات الخارجية، العربية منها و الأجنبية. لا يمكن الحديث عن الثورة أو الأزمة السورية بمعزل عما حدث في دول ما بات يعرف بالربيع العربي، و الذي انطلقت شرارته من تونس، لتصل كلا من مصر و ليبيا و اليمن ثم البحرين التي تم وأد ثورتها في المهد، ثم أخيرا سوريا.و إذا دققنا في ما آلت إليه، فنجد أن القواسم المشتركة بين هذه الثورات، باستثناء الثورة في تونس و التغيير السياسي السلس الذي حدث فيها، رغم بعض التجاذبات و محاولات أطراف خارجية و داخلية لزعزعة التوافق السياسي بين الفرقاء، عن طريق نشر الفكر المتطرف، و تنفيذ بعض الإغتيالات السياسية، القواسم المشتركة بين باقي الثورات هو الإنقسام و الفوضى و ضعف السلطة السياسية، و تغلغل الفكر المتطرف و توفير بيئة حاضنة للإرهابيين، ففي مصر عاد الظلم و التضييق على الحريات و الإعتقالات و الخطف و الفوضى و تزايد العمليات الإرهابية في سيناء و وقوع انقسام بين أطياف المجتمع المصري، بعد الانقلاب العسكري و الإطاحة بنظام الرئيس محمد مرسي. في ليبيا عمت الفوضى بسبب انتشار السلاح في كل مكان و ضعف القوى السياسية، و الصراع على السلطة، و ضعف الجيش و انقسامه، لتصبح البلاد ملاذا آمنا لبعض التنظيمات الإرهابية. أما في اليمن وبعد مرحلة يمكن وصفها بالهادئة، اندلعت الصراعات السياسية و الطائفية، لتنفجر قنبلة الحرب الأهلية، وتستولي جماعة الحوثي مع القوات التابعة للرئيس السابق علي عبد الله صالح على السلطة ، ويهرب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي خارج البلاد، فتتدخل المملكة العربية السعودية و حلفاؤها عسكريا في اليمن، تحت ذريعة دعم الشرعية و محاربة الإرهاب. سوريا لم تكن استثناء، بل كان وضعها و لا يزال متسما بالتعقيد، و ذلك بتعدد الأطراف المتدخلة، فلم تعد الأزمة محصورة داخل التراب السوري ، فقد تدخلت أطراف إقليمية و دولية كل حسن نواياه و مصالحه. دول الخليج أقحمت نفسها في الأزمة السورية، فوجدتها فرصة سانحة لتصفية حسابات تبدو طائفية أكثر منها سياسية، فلطالما عبرت هذه الدول عن امتعاضها و قلقها إزاء التقارب السوري_الإيراني، و الإتفاقيات المبرمة بين الدولتين، و دعم النظام السوري لحزب الله في لبنان، و كذا توجس هذه الدول من انتشار المد الشيعي في المنطقة. و لإن الفرصة لا يمكن تعويضها، حشدت هذه الدول خاصة المملكة العربية السعودية و قطر، كل الوسائل الممكنة قصد الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد الموالي لإيران حسب مزاعمهم، و طمعا في إقامة نظام موالي للخليج طبعا بمباركة أمريكية. ولهذا الغرض دعمت هذه الدول ما يسمى بالجيش الحرو كذا الجماعات الإرهابية داخل سوريا ومنها ما يسمى بتنظيم الدولة "الإسلامية" في العراق و الشام، كما أكد ذلك نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن في فيديو مسرب له عندما كان يلقي محاضرة أمام طلبة في جامعة هارفارد بولاية ماساتشوستس حيث قال: " كانوا(السعودية، قطر...) يريدون إسقاط الأسد، و أساسا هناك حرب سنية شيعية، ماذا فعلوا؟؟ ضخوا مئات الملايين من الدولارات، و عشرات الأطنان من الأسلحة إلى أي شخص يقاتل ضد الأسد، إلا أن الناس الذين يتم تزويدهم ؛ كانوا جبهة النصرة والقاعدة و العناصر المتطرفة من الجهاديين القادمين من أجزاء أخرى من العالم" . كما أن هذه الدول استغلت الخطاب الديني "السلفي" ، الذي يركز بالأساس على شيطنة الآخر و تكفيره، و دفع شيوخه لإصدار فتاوى تدعو للجهاد في سوريا و قتل كل مؤيد للنظام القائم، سواء كان عسكريا أو عالما او مدنيا!!!! إضافة لتوجيه قنواتها الإعلامية لبث ما يتماشى مع رؤيتها للأوضاع القائمة و ما يتناغم مع سياساتها الخارجية و التطبيل و التهليل لها. بالمقابل نجد الجانب الإيراني كطرف آخر موجود على خط الازمة السورية، من خلال حزب الله و الذي يعد بمثابة جناح عسكري خارجي لإيران، و ذلك حفاظا على مصالحها السياسية و الإقتصادية، و دعما لنظام بشار الأسد حليفها بالمنطقة، الطرف الثالث هو الدول الغربية (فرنسا، الولاياتالمتحدة، روسيا...)، و التي تدخلت في سوريا تحت غطاء محاربة تنظيم الدولة "الإسلامية" في العراق و الشام الإرهابي، بعدما وصلت عملياته الإرهابية أوروبا، لترسل طائراتها الحربية لتقصف المناطق التي يتحصن بها أفراد هذا التنظيم، و النتيجة سقوط قتلى من المدنيين، علما أن هذا التنظيم الإرهابي يسيطر على مناطق ماهولة بالسكان، و غالبا ما يتخذهم كأدرع بشرية...بالتالي يمكن الجزم بأن لا دول الخليج و لا إيران و لا الدول الغربية تهمهم مصلحة الشعب السوري، بل إن ما يهمهم هو تصفية الحسابات السياسية والطائفية، خاصة السعودية وإيران، اللتان تخوضان حروبا بالنيابة في المنطقة، و تجيشان الشعوب الإسلامية، و تعزفان على وتر الطائفية. خلاصة الأمر أن الثورات العربية، أزهقت أرواحا كثيرة، و أفرزت أنظمة سياسية ضعيفة كما في ليبيا و اليمن و مصر قبل الإنقلاب، كما ساهمت في انتشار الأسلحة و خلق بيئة حاضنة لتفريخ الإرهاب و الإرهابيين، و دمار البنية التحتية لهذه البلدان. ما يحدث في سوريا دليل واضح على أن ما يسمى الربيع العربي تحول في الأخير إلى خريف عربي شاحب مخيف.