الدار البيضاء: نعيم عبد مهلهل يعد الشاعر المغربي محمد الصابر من أبرز شعراء النص القوي بمفرداته وهاجسه وموسيقاه همه إيجاد الممكن السحري ليقود الحياة الى الأجمل، بعيدا عن كل التناقضات التي تصنع للكثيرين السأم والفقدان، أصدر مجموعة شعرية ابتدأها «بزهرة البراري» والورشان والجزء الأول والثاني ل «ولع الأرض» وأخيرا « وحدي أخمش العتمة» الذي فضل فيه تصويب النظر الى الغريب الذي يقف أمام باب مقفل باستمرار مصنوع من خشب السياج، إنه مشهد يجسد الخيبة التي اعتبرها شرطا للكتابة حتى أنه طالما أجل تدوين نص اسمه «مديح الخيبة» ويضيف «أنا مدين بوفائي الشعري للخيبة ولسوء الفهم» وفي حديثه كنا فلسفته الشعرية التي تستحضر في شعره المناجاة يصرح أنه في «وميض الهمس الأول الذي نشره على أعمدة الصحف، لم أعدم هذا النزوع الابتهالي الجنائزي، الذي هو ماء الشعر، أيا كانت اللغة التي يكتب بها هذا الشعر. فالشاعر يصوغ معتقده الخاص ليتميز به عن المعتقد الشعري الذي يستشري ويستفحل في مرحلة من مراحل العمر الشعري، مثلا عندما كتبت «وميض الهمس الأول» كنت تحت تأثير الملاحم حيث القوة والاندفاع والفتوحات الشعرية وحركة الجسد في الخارج كما في اللغة، كنت أريد أن أقول المجهول بما هو في الآن نفسه قبض وبسط وتلاش، سطوة واستسلام، كنت أكتب كما لو كنت أراقص مرسول الشعر ، راميا بنعلي فيما تحتي هشيم من الزجاج وحولي ومن فوقي وعن يميني وشمالي أصداء متداخلة، شبيهة بصوت ينادي «يموت» هكذا «يموت»، هذا النزوع الأوبرالي إذا صحت التسمية والذي سيظهر على هيئة أخرى في الاسلاف و «الأمهات» مسكونا بهذا النداء «يدي أسست الأرض ويميني نثرت السماوات» هو معتقدي الشعري آنذاك، حيث كنت أقيم وحدي ربما متأملا نهر الشهر المغربي الصادر وهو يندفع آمنا مطمئنا، الآن لم أعد معنيا بهذا الرقص، لم أعد بحاجة الى تلك الحلل الموشاة التي يرتد بها الشاعر استعدادا للقاء الملإ والتي تسمى البلاغة، الآن أطمح الى أن أكتب ضد الشعر الأدبي، هذه الشائعة التي روج لها بعض النقاد وهم للأسف من مدرسي الأدب العربي نصبوا أنفسهم حراسا عليها لصد هجمات الشعر. وعن سؤال «لم نكتب الشعر؟» قال «اكتب لأن فعل الكتابة يحررني من إرغامات التعاقدات الشعرية طبعا، إنني لا أنتمي إلى مجتمعات اقتصاد السوق حيث يولي الاهتمام لصحة الفرد وسعادته الأرضية، بمعنى الحياة لطيفة وعطوفة وطويلة، والاقتصاد يصيغ القيم بوتيرة عالية، واقتصاد الكتاب يخضع لنسق داعم للقوانين والضوابط ، أنا أكتب لأشبع رغبة دفينة كامنة في لاشعوري قد تكون الانعتاق من التاريخ، ربما لدي حظوظ لأكتب شيئا جميلا في اللاتاريخ، لأنني أنتمي الى جغرافيا متوسطة أكد العلماء أن طقسها داخل طور جفاف متزايد عندما دخلت المنطقة حيز التاريخ ، وقد أسميها الانعتاق من مجال الاستخدام اللغوي، من هذه الكتلة اللغوية ذات الأشكال والغايات المتعددة. أكتب لأتحرر، مع ذلك سأظل عاطفيا أي مشغولا بإعادة إعمار الشعر بعد الخراب الذي طاله من خصوم الشعر». ومن خصال الشاعر عدم استعجال الطبع، ويميل الى التريث في إشهار كتبه، وقد كان تعليقه حول هذه المسألة «أن ثمة الكتابة ثمة التسويق أعرف أن قدر الكاتب دائما يتأرجح بينهما، وسؤالك هذا يذكرني بذلك الشاعر الادريبنجاني الذي يحكي عن شاعرين صعدا الى السماء ليطلب أحدهما موهبة ويطلب الآخر حظا سعيدا، وفيما هما يعودان الى الأرض يسأل الأول الثاني لماذا طلبت حظا سعيدا فيجيبه عندما نصير على الأرض ستفهم. ومع ذلك أنا أكثر ميلا للأول، ربما لأن الحظ السعيد كلما تأخر كان أكثر إسعادا، أما إذا كان مجيئه مستحيلا فتلك هي السعادة الحقيقية، إنني لا أرتاح لهذا النوع من النشاط الذي يسمى نشر الشعر، عملية النشر رهينة بالمزاج الرائق الذي غالبا ما يخذلني، وأجد هذا الخذلان غنائية خفيضة تغنيني عن الانتشار. بهذا المعنى يقربنا الشاعر من عوالمه الرافضة، وشعره يذوب في الجمال... وفخامة الجملة وصداها، وينساب بين المعمار الإيقاعي الذي لايستغرق بناؤه من الوقت إلا ما يكفي لحركة القبض على اللحظة السحرية البيضاء بتلقائية حركة الأسماك في الماء، شاحذا كل المعاول المعرفية.