تملق ممقوت ليس من العادة أن نخص مدخل هذه الأحاديث بعنوان معين وان كان الغالب فيه تناول قضية أو مسألة مستقلة أو شبه ذلك عن الحديث الذي نخصه بالعنوان الكبير، ولكن العادة قد تتخرم أو تتخلف كما يقول فقهاؤنا والاجتماعيون كذلك، ومن هنا كان الفرق بين العادة والظاهرة الاجتماعية التي حظيت لدى علماء الاجتماع بشروط وقواعد خاصة، ولا تحرامها وتخلفلها يعتبرها القانونيون أنها دون العرف الذي استقرت عليه الأحوال والعادة وكاد يصبح أمرا لا محيد عنه فكان من اجل ذلك مصدرا من مصادر التشريع فقها وقانونا. وعلى أي حال فإن للمناسبة أحكامها، ولهذه الأحكام صيرورة تفرض نفسها، ان مناسبة ذكرى وفاة الرائد والزعيم القائد والفقيه المجتهد تفرض استحضار بعض مواقفه الفكرية والسياسية والاجتهادية ولاسيما إذا كان الناس يكررون ويعيدون أشياء ما كان لتكرارها وإعادتها مبرر مفهوم وعلى أي حال فقد شاء البعض وشاء له الهوى ان يعيد إثارة موضوع نصيب الأنثى من الميراث الذي حسم فيه القرآن حسما غير قابل للنقص بالقول (فريضة من الله) فمنذ ستين عاما وشهرين كتب علال الفاسي تحت العنوان الفرعي أعلاه ما يأتي: ما كنت اعتقد ان أحدا من أبناء وطننا يسمح له طيشه ان يتملق بعض النساء الأوربيات إلى حد الطعن بالسنة أعجمية. لا تقرأها إلا أوساطا أجنبية في تشريعات إسلامية ينطق بها صريح القرآن ومدلوله، وما كنت أظن ان حب الإعجاب للأجنبي والحصول على رضاه يدفع بضعفاء النفوس الى هذا الحد الذي قرأته في صحيفة تصدر باللغة الفرنسية وتدعي إنها تعمل لخدمة المجتمع المغربي، ويكتبها وينشرها مغاربة ولدوا ونشأوا ولا يزالوا من مسلمين. فقد زعمت هذه النشرة أن من الظلم للمرأة أن ترث نصف الرجل وطالبت بإلغاء ا التشريع الذي تنص عليه آية واضحة في كتاب الله (للذكر مثل حظ الأنثيين) وقد زعمت ان ذلك ما تستدعيه المساواة التي تنص بها الروح الديمقراطية. انه ليس من عادتي ان أجيب صحف المتحرشين بنا من المغاربة بل اقصر ردودي دائما على المستعمرين، ولكن هذه مست وجداني في الصميم ولذلك لا يمكنني إلا ان أجيب عنها. ان الإسلام هو الذي قرر مبدأ المساواة للمرأة حتى في الميراث ولكن يجب ان يفهم شرع الله على حقيقته، فالمرأة ترث النصف أحيانا ولكنها ترث أكثر من الرجل في صور من التعصب كثيرة، فلا يقال: ان المرأة ترث اقل من الرجل بإطلاق، وان نظرة واحدة على كتاب التركات كافية لفهم الحقيقة، ثم ان الرجل تكلف بالإنفاق مقابل ماله من ميزة الرئاسة في العائلة، فهي اتفاقية تقوم على أساس الرئاسة والنفقة للرجل والتدبير المنزلي والتربية للمرأة، وفيما عدى ذلك فالكل سواء. لست أريد ان اشرح في تعليق صغير ما قرره الإسلام للمرأة من حقوق ويكفي ان أحيل الجميع على قراءة الفصول التي كتبتها في هذا الموضوع ضمن كتابي "النقد الذاتي" ولكن أريد ان أنبه إلى خطورة التملق للجماهير الأجنبية ولو على حساب الإسلام وشريعته. ان جميع الأوروبيين الذين يكتبون عني يتهمونني بالتعصب، ولكنني فخور بذلك ولا يعنيني أبدا ان يقال عني أنني متسامح، إذا كان ذلك سيفرض علي أن أتنازل على اقل شيء من ديني أو حقوق وطني فما الداعي إلى إذن للكتابة في جريدة تصدر بلغة فرنسية وتدعي أنها تقوم بدور الدفاع والدعاية للمغرب في الأوساط الأجنبية بما هو صريح من ان المرأة تضطهد في المغرب لأنها تحكم بشريعة إسلامية تورثها نصف ما يرث الرجل؟». العلم الغراء بتاريخ 20 فبراير 1957. ومن حق جريدة العلم أن تقول هذه بضاعتنا ردت إلينا. هل يستطيع ان ينكر ان شرائع الغرب تسمح للرجل بان يوصي بتركته لمن يشاء ويترك زوجته دون شيء بالمرة وأولاده عالة يتكففون الناس. إني أتحدى الكاتب ان يدلني على أية شريعة تحفظ حقوق المرأة أكثر من الإسلام؟ هل يستطيع ان ينكر ان شرائع الغرب تسمح للرجل بأن يوصي بترته لمن يشاء ويترك زوجته دون شيء بالمرة وأولاده عالة يتكففون الناس . ان الإسلام يا سادة ليس بأُلهية يتلهى بها، زان الشعب المغربي لا يقبل ان تستهزئ صحيفة بدينه على ملاء ومسمع من الناس، فاشتمونا إذا شئتم وشنعوا على الحكومة الوطنية بالحق والباطل واستغلوا بؤس العاطلين وانشروا بهم الدعاية ضد نظامنا الوطني في صحيفة مهنية للأجانب، افعلوا ذلك كله إذا شئتم ولكن حذار من ان تنالوا من شريعة الإسلام مرة أخرى فإننا ما كافحنا إلا ليبقى المغرب بلدا إسلاميا، ولتكون فيه كلمة الله هي العليا، وصدق الله العظيم: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم). يوم فاصل عندما يتأمل الإنسان شهر ماي وما عرفه من أحداث كبرى في تاريخ المغرب الحديث يتذكر بسرعة ما يختزنه هذا الشهر من معالم تاريخ شعب ومسار حركته ونضاله من أجل الحرية والانعتاق، ويشاء القدر أن يجعل مواعيد وأحداث هذا الشهر مرتبطة بحياة شخصية ارتبطت حركة النضال من أجل الحرية والانعتاق بمواقف فاصلة من تاريخ مساره الشخصي، دون أن نوغل في البحث والتقصي فان يوم السادس عشر من ماي عام 1930 كان يوما فاصلا في نضال شعب وانتفاضة أمة، وفي رسم التوجه الذي تأخذه الأحداث. النفير العام لقد حدد في هذا اليوم كيف ستهب الأمة في قومة متميزة تعود بالأمة إلى روح الجهاد الأولى، التي لا يرى فيها الناس إلا أمرين اثنين لا ثالث لهما، وهما النصر أو الشهادة، وهي تربط بين الاثنين بنفس المنهج الذي ربط به بينهما التنزيل في الأيام الأولى، أيام النفير مع الرسول الأكرم محمد بن عبد الله عليه السلام لقد كان هذا اليوم من أيام الله الخالدة انه اليوم الذي خصه الشعب المغربي لذكرى أراد منها العدو الاستعماري المتربص اليوم الخالد في قمة مسلسل تنفيذ سياسة فرق تسد. انه اليوم الذي قال فيه شيطان الاستعمار لجنوده ألان حان وقت قطف ثمار سياسة مرسومة منذ أمد بعيد منذ وضع الدهقان الأكبر للاستعمار ذلك الظهير لعام 1914 للانحراف بالأمة عن عقيدة وشريعة آمنت بهما عن صدق وإخلاص ووفاء وضحت في سبيلهما بقوافل لا حصر لها من الشهداء والمجاهدين على امتداد ألف وأربعمائة سنة. الأمة المجاهدة إنها الأمة التي لم تضع السلاح، وكان هذا السلاح من غريب الصدف في يد هؤلاء المجاهدين الذين تسعى السياسة الاستعمارية لسلخهم عن ماضيهم وتاريخ جهادهم وحمل رسالة السماء إلى الناس في كل مكان في أصقاع العالم المعروف آنذاك، إنهم هؤلاء الأحفاد الذين يحملون السلاح اليوم ويقاومون "أرمي" الذي جاء لغزوهم والانحراف عن دينهم. إسقاط سياسة انه يوم اعتبره العدو الاستعماري يوم انتصار لسياسته واعتبره الوطنيون المغاربة يوما يعلنون فيه إسقاط هذا الانتصار والانقلاب عليه وإقبار غايته إلى الأبد، إنه يوم 16 مايو مند سبع وثمانين عاما، عندما اكتشف الشعب المغربي أن هناك ظهيرا يريد أن يفصل ما لا ينفصل أن يفصل بين الإنسان المغربي وبين عقيدته وشريعته هذا الإنسان المغربي الامازيغي الذي حمل السلاح ولا يزال في الجبال والسهول لمواجهة (ارمين) الذين يسعون لفرض هيمنة الصليب على الهلال. رمز مضلل قد لا يكون هو هذا الإنسان الامازيغي الذي يقاوم في أعالي الجبال لا يدري من هذا الصراع هذه الرموز، ولكنه يدري منذ قاد طارق بن زياد ذلك الجيش وتلك الكتائب من الامازيغ المغاور لفتح الأندلس ومنذ قاد يوسف بن تاشفين جيشا لحماية ما أصله طارق وبناه، وكذلك الموحدون من بعدهم، فالأمازيغ منهجهم ما سترى لا ما ستستمع وليس الرموز. تأسيس الدول وما قام به بين هذا وذاك ملوك وأبطال آخرون وما سطروه وهم يصدون الحملات الصليبية ويتذكرون كيف نهض هؤلاء الامازيغ لتأسيس الدول وتنصيب الأمراء لقيادة المجاهدين وأن الدولة التي وضعت حدا للصليبين في معركة وادي المخازن إنما سعى لقيامها هؤلاء الامازيغ الذين هالهم ما تقوم به جيوش (ارميين) في شواطئ اكادير ونواحيه، هؤلاء الامازيغ الأبرار الذين كانوا مع إخوانهم العرب قوة واحدة متألفة متآزرة متعاونة منذ اليوم الذي اعتنقوا فيه الإسلام، والذين ينطبق عليه في استقبالهم لإدريس الأول ونصرتهم له ما قيل في الأنصار. «الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (الآية 9 سورة الحشر). الأيام الخالدة ولذلك فان اعتبار هذا اليوم 16 مايو من الأيام الخالدة يقترن مع ذكرى رحيل شخصية ساهمت بحظ كبير جدا في جعل نضال الشعب امازيغ وعرب يؤتي أكله ويعطي ثماره بما قامت به من جهد وبذلته من تضحيات وسعت فيه من عمل صالح وايجابي للأمة وحريتها واستقلالها. يوم الوصية فلقد شاءت الأقدار أن تجعل من هذه الأمة تحيي ذكرى رحيل هذا المجاهد الفريد والمميز والذي جمع بين جهاد الكلمة وجهاد تأليف الجيوش وتنظيمها لتحرير الأمة واستعادة السيادة المفقودة فإذا كان يوم 16 مايو 1930 له ما اشرنا إليه فإن يوم 13 مايو 1974 له أثره حيث التحقت فيه هذه الشخصية بالرفيق الأعلى وهو يوصي بالعمل من أجل تحقيق أمرين اثنين استكمال الوحدة الترابية ومعناه ان هذا العمل التحريري الذي أذن الله له بالبروز يوم 30 مايو تأبى العناية إلا ان تقول هذا هو شهر ماي يوم إعلان الثورة وهو يوم إعلان الشهادة، فيجب أن تستمر الرسالة رسالة الحرية والتحرير والوحدة. الجنود المجهولون كان في ماي 1930 يدعو الله اللطيف اللطف فيما جرت به المقادير وان لا يفرق بين وحدة الأمة عربها وامازيغها ويقول في مايو 1974 ادعوكم وأدعو نخوتكم ووطنيتكم ان لا تفرطوا في وحدتكم الدينية والوطنية واللغوية، وهكذا نحيي في كل سنة هذين الذكرتيين لما لهما من مغزى وما يربط بينهما من وصية هذه الشخصية وهو يتحدث بلسان أولئك المجاهدين ما عرف منهم ومن لم يعرف من الجنود المجهولين الا تفريط في وحدة الوطن وحريته واستقلاله والتعبير عن التضامن مع الأمة العربية والإسلامية في الالتزام بالقضية الفلسطينية. الذكرى الثمانون تلك كانت الإشارة إلى ارتباط تاريخ هذا الرجل الذي نحيي ذكراه اليوم بذلك اليوم الفصل يوم الاطلاع على أن ما كان يبيته الاستعمار وكانت روائحه النتينة تقوم من بعيد قد قرر الإفصاح عنه ولم يبق الا الانطلاقة الكبرى لواد الفتنة وإعلان النفير العام هذا النفير الذي انبثقت عنه تلك الكتلة الوطنية المباركة في خريف 1934 لنصل إلى يوم الفصل في يناير 1937 الذي انتهى إلى ذلك الوليد العظيم الذي كان ينبغي ان يقام ويعقد لذكراه وهو الحدث الذي كان له ما بعده وأفضى إلى كثير من المواقف الوطنية البطولية طيلة شهور سبعة من سنة 1937 منذ ثمانين عاما على وجه الدقة والتحديد إنها ذكرى تأسيس الحزب الوطني الوحدوي لتحقيق مطالب الشعب المغربي في الحرية والانعتاق عن تاريخ ميلاد هذا الحزب يحدثنا الرائد علال فنقرأ ما كتب ونحيي معه الذكرى الثمانين لهذا التأسيس ونحن نحيي الأربعين وثلاث أعوام لوفاته يقول: الحزب الوطني «وبينما الوفد يوالي نشاطه في باريس إذ عقدت الحركة الوطنية مؤتمرا يمثل جميع فروع الكتلة ورجالها بالرباط في أبريل سنة 1937، وبعدما تبادل الحاضرون الأفكار قرروا أن يطلقوا على حركتهم اسما جديدا هو "الحزب الوطني لتحقيق المطالب المغربية»، وقد روعي في التسمية امتداد فكرة الكتلة والاتصال بأعمالها ووراثة برنامجها الذي هو في الحقيقة عمل لا ينبغي للحزب أن يضيعه، ومن الغد أعلنت عن تأسيس الحزب ببلاغ نشرته جريدة (المغرب). وبعد بضعة أيام أخرى عاودنا فتح المركز العام بفاس في نفس المكان الذي سبق أن أقفلته الإدارة الفرنسية، وبدأنا نقبل المنخرطين كالعادة، ولكننا أدخلنا تعديلا واحدا هو عدم إلزامهم بالقسم». إنني في الفقرة الموالية سأنقل الحوار الساخن والرصين الذي جرى بين القائد المؤسس وبين ممثل الطاغوت الاستعماري لعل في قراءته نستعيد تلك القوة المعنوية وتلك الشجاعة وذلك الصمود ولعلنا نعود لأنفسنا ولذواتنا ونحاول الاستمرار في نفس النهج من الصمود والثبات في الدفاع عن هذا الإرث الوطني الذي آل إلينا يقول: ولما كان من الضروري أن نعلن عن هذا التأسيس الجديد فقد انتهزنا فرصة رجوع جلالة الملك من فرنسا في أواخر شهر ابريل المذكور، وبعثنا إليه ببرقيات باسم (الحزب الوطني) في سائر المملكة ونشرت البرقيات في الصحف. حينئذ تحركت الإدارة للعمل، وبعث الجنرال بلان حاكم الناحية الفاسية يستقدمني إليه. وفي دار الناحية بفاس اجتمعت بالجنرال بمحضر الكولونيل نوبل رئيس الشئون السياسية بفاس، وباشا (محافظ) المدينة السيد محمد التازي، ورئيس قلم الترجمة العام القبطان شار بوني، وقد استهل الجنرال الحديث قائلا: «بمناسبة رجوع جلالة السلطان لعاصمة ملكه قرأنا في الصحف عدة برقيات وجهت إليه بقصد التهنئة من طرف (الحزب الوطني)، ومن بينها برقية باسم المركز العام للحزب ممضاة منكم، ومعنى هذا أنكم أعدتم تأسيس الحزب الممنوع». فأجبته مبينا أن (الحزب الوطني) شكليا ليس هو (كتلة العمل الوطني)، وأن قرار المنع الصادر لا يمكن أن ينطبق على ما أسسناه من بعده. فقال: «ولكن المركز الذي كان للكتلة هو نفس المركز الذي وضع فيه الحزب، ورئيس الكتلة هو رئيس الحزب، وأنصارها هم أنصاره، فأي فرق هناك؟». قلت له: «إن المركز والرئيس والأنصار –كل ذلك لا يغير شيئا من حقيقة واحدة، وهي أن الحزب الجديد يحمل اسم (الحزب الوطني)، بينما كان الآخر يحمل اسم (كتلة العمل الوطني)، وبين التسميتين فرق كبير، وعلى كل حال فقد حاولنا الاتصال بالجنرال نوجيس لنتفق معه على هذا التأسيس، ولكن رئيس ديوانه طلب منا أن نقدم مشروعا فها نحن أولا نقدم مشروع الحزب الوطني بمركزه وفروعه، فإذا كانت لكم عليه ملاحظة فإني مستعد لدراستها». فقال الجنرال: «إن هذا ليس بمشروع، ولكنه استئناف شيء ممنوع» فقلت له: «كلا.. لقد نفذنا قرار المنع من تلقاء أنفسنا، وهذا عمل جديد». فقال: «وأي فرق بين ما كان وبين ما فعلتم اليوم؟» فقلت: «لا تنسوا –يا سعادة الجنرال- أن ثمة فرقا كبيرا، هو عدم وجود القسم في انخراطات الحزب الوطني، ألأم يكن القسم هو ما بررتم به منع الكتلة؟». فقال: «الحق أني لا أرى في ذلك فرقا كبيرا» فقلت: «بلى».. والتفت إلى الكولونيل نوبل وسألته: «ألأم تعتبروا القسم شيئا كبيرا عند اتخاذكم قرار المنع؟» فقال الكولونيل: «بلى وإن القسم لفرق كبير كما قلتم، إلا أنه لا يكفي». وقال الجنرال: «إن كرامة الدولة الآن ممسوسة، لأن الجمهور يرى أمرها قد خرق دون أن تقوم هي بعمل ما، ولذلك يجب إقفال المركز الجديد، وأنا كما تعلمون قائد عسكري، لا أعرف إلا تنفيذ الأوامر الصادرة إلي من الرباط». فقلت له: «صحيح أنك عسكري، ولكنكم في الوقت نفسه رئيس ناحية مهمة، فيجب أن تنهوا الإقامة العامة إلى أننا لن نقبل هذه المرة إقفال المركز دون أن نقابله بما يستحقه من مظاهرات ستؤدي حتما إلى اضطراب الأمن العام، وأما إذا كان يهمكم فقط مسألة الكرامة فأنا مستعد لتسوية أمرها إذا قبلتم اقتراحي». فقال: «ما هو الاقتراح؟» فقلت له: «بما أنه يظهر لي أنكم تأثرتم لوجود مركز (الحزب الوطني) في عين الدار التي كانت مركزا للكتلة فأنا مستعد لنقل المركز لمكان آخر، وفي هذا النقل كفاية لإظهار فرق جديد من شأنه أن يحفظ كرامة الدولة». فساد الجو صمت خفيف، ثم قال الجنرال: «إذن استشير إدارة الشؤون السياسية في الرباط، ولها وحدها حق الفصل في الموضوع». تلفن الجنرال في الحين للرباط، فأجابوه بطلب الإمهال ساعة ريثما يتداولون في الموضوع، وبعد نحو الساعة والنصف دق التلفون، وإذا بالإقامة العامة توافق على حل المشكلة بمقتضى اقتراحي، أي نقل المركز إلى مكان آخر كشرط لاعتراف الإدارة بالحزب الوطني وتركها له. الأداة السياسية هذا المحضر الذي ارتأيت استحضاره والتذكير به في الذكرى الثمانين لمرحلة من اجل النضال الذي خاضه الشعب المغربي وأقول الشعب المغربي بقيادة نخبة من الشباب الواعي في سبيل وضع أداة سياسية للنضال وتربية الشعب من أجل المواجهة المصيرية مع الاستعمار الفرنسي والاسباني على السواء إذ في هذه المرحلة بالذات كانت الجهة الشمالية بقيادة حزب الإصلاح تتحرك في نفس الاتجاه وذات السياق. الشباب المجاهد ولاشك أن التذكير بهذا الموقف وغيره كثير من فصول المجابهة مع الاستعمار يقوي العزيمة لدى الشباب ولدى المناضلين في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة من تاريخ العمل الوطني من أجل بناء المغرب الجديد الذي كان الطموح لبنائه هو المحرك لهذه الجموع من الشباب والكهول في تلك المرحلة وقد يكون من الواجب والمناسب في نفس الوقت التذكير بأن علال الفاسي لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره. أي في المرحلة التي يكون فيها الشباب أشد اندفاعا نحو ما تهواه الأنفس وتميل إليه الطباع، ولكنه وزملاءه لم يكن لديهم من الوقت ولا من المتسع في أفكارهم لشيء من ذلك إذ في هذه الشهور الأولى من عام 1937 كانت الأقدار تخبئ له ذلك المصير نحو المنفى في الكابون في نونبر 1937. وللحديث بقية. بين الذكرى الثمانين 1937-2017 والذكرى الثالثة والأربعين 1974-2017 ومحضر الاستنطاق..؟ بقلم // ذ. محمد السوسي