حكومة بوتفليقة توفد لجنة تحقيق للمصنع وتعد بكشف الحقيقة للخروج من ورطتها * العلم الإلكترونية ووكالات اهتز الشارع الجزائري على وقع فضيحة فساد جديدة، خرجت من صلب محيط السلطة بما يضعها في موقع حرج، ويخرج إلى العلن التناقض الصارخ بين خطاب الحكومة حول نموذج اقتصادي جديد للخروج من وطأة الأزمة الاقتصادية، وبين ممارسات ميدانية تكرس هيمنة مجموعات المصالح على مفاصل الدولة، بما يعمّق أكثر الهوة بين الشعب والسلطة، وينفّر الشارع من التجاوب الإيجابي مع دعوات الانخراط في الاستحقاقات السياسية. وطالت الفضيحة الجديدة قطاع السيارات، حيث أوفد رئيس الوزراء عبدالمالك سلال لجنة تحقيق إلى مصنع هيونداي لتركيب السيارات الواقع بمدينة تيارت غرب البلاد، للنظر في حيثيات القضية التي تفجرت على شبكات التواصل الاجتماعي. وقامت بعض الصفحات بنشر صور تظهر سيارات شبه مكتملة التركيب في حاويات قادمة من المصنع الأم بكوريا الجنوبية. ولا يعول الرأي العام المحلي كثيرا على لجنة التحقيق في إظهار الحقيقة، قياسا بفشل لجان تحقيق سابقة في الخروج بالنتائج الحقيقية لملفات وفضائح متعددة، بدءا بالانتخابات التشريعية المزورة في العام 1997 إلى غاية الآن، حيث تتدخل دوائر عليا لإخفاء الملف أو لملمة فصوله لصالح الأطراف المعنية. وعكست الفضيحة التي هزت أركان مصنع السيارات هيونداي بالجزائر، أحد أوجه الفساد المستشري في البلاد، وعززت حقيقة الشكوك التي أبداها في وقت سابق الكثير من المختصين في مجال مشروع تصنيع السيارات الذي أطلقته الحكومة في إطار ما أسمته ب"النموذج الاقتصادي الجديد" البديل لاقتصاد الريع النفطي. واعتبر مراقبون المسألة نتيجة طبيعية لمنهج التحايل على استنزاف مقدرات الجزائر المالية والاقتصادية، والتوجه إلى فرض احتكار جديد يستحوذ على باقي مخزون النقد الأجنبي بحجة مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية، بمشروع اقتصادي مجهول المعالم بحسب خبراء ومختصين في الميدان. وتلقى المشروع الحكومي لتصنيع السيارات في الجزائر ضربة قاصمة في أعقاب الفضيحة التي تفجرت في مصنع هيونداي المملوك لرجل الأعمال محي الدين طحكوت، بعد تسريب صور تظهر أن السيارات المروج لها على أنها مصنعة في الجزائر، هي في الحقيقة تستورد جاهزة ولا يقوم مصنع الشركة إلا بتركيب العجلات فقط. ورغم مسارعة طحكوت إلى تكذيب الأخبار التي راجت حول احتيال مبرمج على الحكومة، إلا أن الفضيحة هزت مصداقية المشروع الحكومي في النهوض بقطاع الصناعات الميكانيكية وتركيب السيارات. وجاءت الفضيحة لتضاف إلى مسلسل الفساد الذي خيم على دواليب حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، عشية الذهاب إلى انتخابات تشريعية مقررة في الرابع من ماي. وضبطت دوائر الرقابة أسماء بارزة في الحزب متلبسة بالرشوة وحيازة مبالغ ضخمة من العملة المحلية والصعبة، مقابل ترتيب ملفات الترشح لمواقع متقدمة. وذكرت مصادر مطلعة أن المسألة تتعلق بشبكة تشمل عدة أسماء تشغل مناصب مرموقة في قيادة الحزب الواحد، وأن العناصر التي تم ضبطها بالرشوة هي مجرد واجهة، الأمر الذي يعكس حجم تغلغل الفساد المالي والسياسي داخل الأذرع الحزبية والاقتصادية الموالية للسلطة. وزاد انتماء مالك المصنع إلى تنظيم "منتدى رؤساء المؤسسات" المقرب من السلطة، وترشح عدد من رجال الأعمال في قوائم الحزب الحاكم، من حدة الشكوك حول تواطؤ مبرمج بين دوائر حكومية وسياسية ومالية للهيمنة على مقدرات الجزائر المالية. وتشكل منتدى رؤساء المؤسسات، على أمل المساهمة في إطلاق خطة اقتصادية تخرجها من التبعية النفطية، إلا أن انحدار هؤلاء من عالم الاستيراد واستنزاف العملة الصعبة خلال سنوات الأريحية المالية، كان محل شك المراقبين.