القاهرة : حكيمة الوردي توفي الفنان الكبير "السيد راضي" رئيس إتحاد النقابات الفنية فجر الجمعة الماضي عن عمر يناهز 74 عاما بعد معاناة مع المرض. و شيعت جنازته بعد صلاة الجمعة من مسجد مصطفى محمود بالمهندسين. وقد ازدادت الأسبوع الماضي، الحالة الصحية للفنان الكبير، ما دفع الأطباء إلى منع الزيارة عنه و حقنه بالعقاقير المنومة في محاولة لتخفيف آلامه . و الفنان الراحل من مواليد 1935 بمحافظة الغربية و تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية قسم إخراج و تمثيل عام 1960 و يعد أحد المخرجين المصريين الذين ساهموا في رفع شأن المسرح المصري خلال فترة الستينيات الى يومنا هذا . تقلد الفقيد العديد من المناصب منها مدير المسرح الكوميدى ورئيس لجان الانتاج المشترك بالبيت الفنى للمسرح وعضو المجلس الاعلى للثقافة ووكيل وزارة الثقافة والآداب ثم انتخب رئيسا للاتحاد العام لنقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية عام 1993 . وكان "السيد راضي" قد عانى متاعب صحية قبل فترة قصيرة منذ تعرضه لإغماءة مفاجئة أثناء تصوير دوره فى مسلسل "الحياة لونها بمبى " مع الفنان "مصطفى فهمي" و لم يكمل التصوير و نقل إلى مستشفى الصفا بالمهندسين و ثبت أنه يعاني من مشاكل صحية عديدة، منها وجود مياه في الرئة و عدم وصول الأكسجين للدم و سرطان في الدماغ , وسبب له الأخير نسيان الشخصية التي يؤديها في المسلسل و كذلك نسيان أسماء العمال و الممثلين الذين يتواجدون معه في موقع التصوير . و من مستشفى الصفا نقل إلى مستشفى السلام الدولي في القاهرة، بناء على طلب المشرف على حالته الدكتور "كريم مشهور"، لاستكمال العلاج و إجراء بعض الفحوصات و التحاليل هناك , استعدادا للسفر إلى فرنسا لاستكمال العلاج ، بعد أن بدأت الحالة تزداد سوءا يوما بعد يوم . و يعتبر هذا الفنان الكبير الراحل مصريا حتى النخاع، ابن نكتة، و ابن فطنة مهنية، و هو في موقعه ? بوصفه رئيسًا لاتحاد النقابات الفنية ? يقوم جاهدًا بتفصيل الحركة الفنية في مصر ليجمع شتات مظاهر التطور، ويقود معزوفة شديدة التناسق مع الذات الفنية . وُلد السيد راضي عام 1935، بمحافظة الغربية، وقد تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية ? قسم الإخراج والتمثيل، عام 1960، ثم عُين مخرجًا وممثلاً لفرق التليفزيون المسرحية عام 1961، حيث أسهم بشكل فعال ? مخرجًا وممثلاً ? في العصر الذهبي للمسرح الكوميدي المصري خلال فترة الستينيات، ثم عُين مديرًا عامًا للمسرح المتنقل عام 1966 . وللسيد راضي أياد بيضاء ليس على المسرح المصري فقط، ولكن على المسارح العربية أيضًا، فقد عُين خبيرًا مسرحيًا للجماهيرية العربية الليبية عام 1971 لمدة عامين، وأسس هناك المسرح الليبي بمدينة بنغازي، وفي فلسطين أسهم في تأسيس مسرح الطفل، وأخرج أول عرض مسرحي لأطفال فلسطين (مسرحية "طاق طاق طاقية") . وفي تونس أقام مهرجان سوسة المسرحي لمدة ثلاثين يومًا، وأخرج أكثر من خمسة وعشرين عملاً مسرحيًا، كما أقام أسبوعًا مسرحيًا بمدينة الموناستير، وأخرج ثلاث مسرحيات . والحديث عن التاريخ الوظيفي للسيد راضي يطول، فقد تقلد عدة مناصب، لعلي أذكر من بينها : تعيينه مديرًا للمسرح الكوميدي المصري عام 1980 . و رئيسًا للجان الإنتاج المشترك بالبيت الفني للمسرح للأعمال المسرحية عام 1987 . و رئيسًا للجنتي البرامج و التجهيزات لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي منذ عام 1991 . و عضو مجلس إدارة الأوبرا المصرية عام 1992 حتى عام 1995 . و عضو المجلس الأعلى للثقافة عام 1992 حتى عام 1995 . و رئيسًا للإدارة المركزية لشئون المسرح المصري، بقرار رئيس مجلس الوزراء عام 1992 . و وكيلاً لوزارة الثقافة المصرية بقرار من رئيس مجلس الوزراء عام 1993 . و عضوًا بالمجلس القومي للثقافة والفنون والآداب والإعلام، بقرار رئيس الجمهورية عام 1996 . و عضوًا بمجلس الأمناء باتحاد الإذاعة والتليفزيون ? رئيسًا للجنة الدراما ? عام 1998 . و مستشارًا للاتحاد الدولي للعاملين بالفنون والثقافة ووسائل الإعلام للدول الناطقة باللغة العربية في ألمانيا (برلين / 1999) . هذا وقد انتخب السيد راضي رئيسًا للاتحاد العام لنقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية عام 1993 حتى الآن . كما انتخب ممثلاً لقارة إفريقيا، و عضوًا بالمجلس التنفيذي للإتحاد الدولي للنقابات الفنية في ديسمبر 1995، بواشنطن، وهنا نذكر أن السيد راضي كان قد أصر أن تكون كلمة مصر باللغة العربية، وفورًا كلف رئيس المؤتمر فرقة العمليات أن تكون الترجمة بأربع لغات في الوقت نفسه، وقد قوبلت كلمته بالتصفيق الحار من أعضاء المؤتمر، كما علقت رئيسة الجلسة قائلة : إن كلمة مصر من أهم ما قيل حتى الآن؛ لما تحمله من طرح لقضايا مهمة وخطيرة، ولأنها تتسم بالواقعية والشجاعة . ويذكر أن السيد راضي كان مؤسس مسرح الطفل في مصر عام 1983 . وقد حصل على أعلى درجة فنية، وهي لقب "فنان قدير"، بقرار رئيس الوزراء عام 1985 . كما أنه ترأس الوفود المصرية المشاركة في المهرجانات الدولية، في تونس و المغرب، و فرنسا، و قام بجولات فنية لعروض مسرحية من إخراجه في أغلب الدول العربية . و قد أخرج السيد راضي كثيرًا من المسرحيات، نذكر منها - تمثيلاً لا حصرًا ؛ خَلَف البنات - البرنسيسة - دلع الهوانم -فتش عن المرأة - زواج مستر سلامة - مهرجان الحرامية - الصعلوكة - انتهى الدرس يا غبي - الصعايدة وصلوا - حارة الصعاليك - حرم حضرة المحترم - سوق الحلاوة - حالة طوارئ - الحب في الصندوق - الرجل الذي قال لا - الدكتور زعتر - على فين يا دوسة - البكاشين - ممنوع الضحك - قسمتي - العين الحمرا - الدخول بالملابس الرسمية - الدخول في الممنوع - 100 مسا - خد الفلوس واجري - عنبر الحب - سفاح رغم أنفه - اللعب ع المكشوف - راجل مش من هنا - الكومندا - الفهلوي - القرود - التفاحة والجمجمة - الدنيا مزيكا - كيمو والفتسان الأزرق - على كيفك يا قمر - المدرسين والدروس الخصوصية . كما أخرج كثيرًا من المسرحيات لمسرح الطفل، لعل من أهمها : الأمير الصغير - مصنع الشيكولاتة - نعم ولا - السيرك . وعلى صعيد المهرجانات والاحتفاليات، أقام السيد راضي احتفالية يوم المسرح المصري، وقدم أعمالاً مسرحية لكبار الكتاب ونجوم المسرح المصري لتكريم المبدعين المصريين من عام 1991 حتى عام 1995 على المسرح القومي . كما أقام مهرجان موليير المسرحي، وأخرج عدة أعمال، منها ؛ البخيل - مقالب سكابان -طبيب رغم انفه - نساء عالمات - مريض الوهم - الطبيب الحائر . ويذكر للسيد راضي أيضًا أنه أسس فرقته المسرحية "الكوميدي شو" عام 1976، وقدم بها كثيرًا من الأعمال الاستعراضية الكبيرة على مسرح الأندلس . و لم يقتصر تمثيل وإخراج الفنان السيد راضي على المسرح فقط، لكنه شارك في بطولة عدة أفلام سينمائية، وجسد في أغلبها أدوارًا تراجيدية صعبة، نذكر منها : الحاجز - كيف تسرق مليونير - صراع الأحفاد - بيتزا بيتزا- الإنس والجن - وراء الشمس - أبناء الصمت - الذل - 48 ساعة في إسرائيل - القبلة الأخيرة - العبيط - مجرم مع مرتبة الشرف - فتاة المافيا - القضية المشهورة - اغتيال - البحث عن طريق آخر - جحيم تحت الأرض - أمهات في المنفى - صانع النجوم. كما شارك أيضًا في عدة مسلسلات تليفزيونية، منها : المجانين ? ألف ليلة وليلة ? رابعة تعود ? الابن الضال ? السيرة الهلالية ? العبقري ? رأفت الهجان ? لا إله إلا الله ? حكيم روماني حضرتك ? حب بالمقلوب ? الجميلة والبهلوان ? مقام المالطي ? حروف النصب ? الكومي ? جحا المصري ? الأرملة ? دموع الغضب ? الحصان الأسود ? الأستاذ الفيلسوف ? سارة ? سلطان الغرام، وهو المسلسل الذي أدى فيه دورًا جعله موضوعًا لقلم الكاتب الكبير أنيس منصور الذي وصفه بأنه "بهلوان الغرام" . و للسيد راضي كذلك أعمال مؤلفة، نذكر منها : مسلسل "الخطاب الطائر" للتليفزيون الليبي ? مسلسل " حكيم روحاني حضرتك" ? مسلسل "موعد مع الشهرة" ? مسلسل "حرب الدخان" ? مسلسل "الرقص مع الزهور" (سيناريو) ? فيلم "إلى من يهمه الأمر" ? فيلم "الفاتورة" . و إذا كان السيد راضي يمثل تاريخًا فنيًا عظيمًا، فإنه ? كذلك ? يمثل تاريخيًا نضاليًا ووطنيًا لا يقل قيمة عن تاريخه الفني، فقد كانت له مواقف وطنية نبيلة إزاء قضايا الأمة العربية، فوقف "وقفة"، اعتبرها "وقفة لا بد منها" ضد تهويد القدس والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية، ووقف ضد مذابح المدنيين في جنوب لبنان، و ضد تدمير منازل الفلسطينيين، و ضد الحصار والعقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين، و ضد نشر ملصقات تسيء للدين الإسلامي، وإلى رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم . وللسيد راضي في ذلك آراء جديرة بكل احترام وتقدير، تدل على حس قومي، وغيرة وطنية، وانتماء لا حدود له، وحب الوطن والأرض، فهو يرى أن أبشع الهزائم هي الهزيمة الثقافية التي تسحب من الفنان مشاعر الكرامة والشهامة . و نذكر كذلك للسيد راضي وللاتحاد الذي يرأسه بياناته التي يستنكر فيها العدوان الإسرائيلي الصارخ والمستمر على الأراضي العربية، كما حدث في الاعتداء على المسجد الإبراهيمي، ومذبحة قانا، وقضية المستوطنات . ولا ننسى موقف الاتحاد المشرف والصلب إزاء المحاولات المستميتة لجذب الفن المصري نحو التطبيع الثقافي والفني مع إسرائيل، ووقف الاتحاد درعًا صلبة في مواجهة هذه الحملات الصهيونية، فهو يرى أنه لا يمكن الموافقة على تطبيع مع دولة ما زالت مستمرة في عدوانها وطغيانها وسحقها لإرادة الشعوب العربية في فلسطين ولبنان وسوريا، وأنه لن يكون هناك تطبيع ثقافي مع إسرائيل إلا إذا كان هناك سلام شامل عادل . ولا تقتصر مواقف السيد راضي النبيلة على القضايا الخارجية، لكنها تمتد الى غيرها من قضايا الوطن والداخل، فحين حدثت مأساة حريق مسرح بني سويف الذي أودى بحياة كثيرين من أهل الفن والأكاديميين والصحفيين، أعلن السيد راضي أنه لن يرفع هو والاتحاد راية الاستسلام للمواقف وانفعالاتها، رغم قسوتها المفجعة، وأعلن أنه يسعى إلى تحقيق هدفين؛ الأول : المواجهة المعنوية والمادية للحظة مأساوية تستدعي تكاتف الجميع، والثاني : محاولة البحث وراء أسباب المأساة .. أما إذا تحدثنا عن أهم إنجازات الاتحاد العام للنقابات الفنية في عهد السيد راضي، فهي إنجازات متعددة وكثيرة،نذكر منها : 1- الدخول في معارك تشريعية من أجل تعديل القانون 35 لسنة 1978 عندما صدر حكم المحكمة الدستورية العليا، مما كاد يضر بمصالح الأعضاء . و قد نجح الإتحاد مع مجالس النقابات في استبدال نص المادة (5) فقرة (4) و (5) مكرر من القانون رقم 35 لسنة 1978، مما أتاح للنقابة متابعة تنفيذ التعاقدات وحظر التعاقد أو التشغيل لغير العاملين بالنقابة . 2- توقيع بعض البروتوكولات مع النقابات الفنية العربية من أجل تبادل الآراء والخبرات . 3- إعطاء الاهتمام لعلاج الفنانين في الخارج على نفقة الدولة . 4- الدفاع عن سمعة الفن والفنان عند محاولة أية جهة الإساءة إلى أي رمز من رموزنا الفنية . 5- كان الاتحاد في المقدمة عندما هبت عاصفة الدمار على المدن الفلسطينية . 6- كما كان في طليعة المحذرين من المؤامرات التي تحاك ضد العراق، دولة وشعًبا وأرضًا . 7- كان للاتحاد مشاركات في مؤتمرات الاتحاد الدولي للفنانين والمشتغلين بالصحافة، وهو الاتحاد الذي يعمل به السيد راضي مستشارًا دوليًا للعاملين بالفنون والإعلام للدول الناطقة بالعربية . 8- وإلى جانب هذا كله، لم يغفل الإتحاد الرحلات الترفيهية للأعضاء، وكذلك رحلات الحج و العمرة . و للسيد راضي موقف صلب و حازم من قضية القرصنة الفنية، فهو يقر بأن هناك معركة حامية الوطيس بين الأفكار ولصوص الأفكار، بين المبدعين وسارقي إبداعهم، بين الفنانين وقراصنة فنهم، وقد وضع السيد راضي يده على تحديات تلك القضية ومخاطرها وأساليب التصدي لها . و في هذا الصدد، اقترح السيد راضي حزمة إجراءات و اقتراحات، منها : 1- إنشاء دائرة قضائية تختص فقط بحماية حقوق الملكية الفكرية . 2- تشكيل جهاز مستقل للمراقبة والضبط، تسهم فيه النقابات الفنية بدور فعال . 3- إنشاء مكاتب خاصة لحماية الفيلم المصري والمنتج الفني المصري . 4- تفعيل دور الجمعيات الأهلية في التوعية بخطورة هذه الظاهرة . 5- منح إدارة النقابات الفنية وغرفة صناعة السينما حق الضبطية القضائية بالتعاون مع شرطة المصنفات الفنية . 6- تغليظ العقوبة على القرصنة الفنية . 7- تفعيل اتفاقية "تريبس" الخاصة بحقوق الملكية الفردية .