* أمر الملك محمد السادس، الثلاثاء، الحكومة بتحسين ظروف اندماج المهاجرين ولا سيما الأفارقة منهم، وذلك بعد حوالي شهر من إطلاق الرباط الحملة الثانية لتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، في خطوة يرى خبراء أنها سياسة متقدمة ونموذجية في التعاطي مع أزمة الهجرة غير الشرعية التي تلقي بها ضفتا المتوسط ومواجهة تحدياتها، خصوصا في ظل الوضع الإقليمي والدولي الراهن وارتباطه بظاهرة الإرهاب التي باتت نقطة رئيسية في ملف الهجرة واللاجئين، بما يجعل الدول المطلة على المتوسط، سواء في الشمال أو الجنوب، مطالبة بمراجعة سياساتها في التعامل مع هذا الملف، خصوصا مع ما يشكله من تحديات تخص الأمن القومي لهذه الدول، والتي من بينها المغرب، باعتباره أقرب نقطة جغرافية من أوروبا وبلد عبور يصدر ويستقبل في نفس الوقت المهاجرين. خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء في مراكش، أمر الملك محمد السادس الحكومة بتحسين ظروف اندماج المهاجرين، ولا سيما الأفارقة منهم. وأثار الملك محمد السادس الانتباه إلى أن تحديد مدة صلاحية بطاقة الإقامة التي تمنح لهم في سنة واحدة، يطرح العديد من الإكراهات بالنسبة إلى هؤلاء، ويعيق اندماجهم ويعقد ظروف عيشهم داخل المجتمع كالحصول على سكن أو على قروض أو إقامة مشاريع. ومن خلال هذه الملاحظة، التي جاءت في سياق تقييم ظروف سير المرحلة الثانية من عملية تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين بالمغرب، والتي انطلقت قبل شهر، يضع العاهل المغربي الخطوط الحمراء على أهم العوائق التي تساهم عند تراكمها وعدم الانتباه إليها في زرع بذرة العنف في أوساط المجتمع المهاجر. وفور انتهاء جلسة مجلس الوزراء، أعلنت وزارة الداخلية أنه تنفيذا لتوجيهات الملك الرامية إلى "تحسين ظروف اندماج المواطنين الأجانب بكامل أنحاء المملكة المغربية، خاصة الأفارقة" فإن مدة صلاحية بطاقات الإقامة ستنتقل إلى ثلاث سنوات، عوض سنة واحدة حاليا، وذلك بعد مرور سنة على تسوية الإقامة بالمغرب (ما عدا في حالة ارتكاب المعنيين أفعالا يعاقب عليها القانون). وظل المغرب خلال العقدين الماضيين بلدا لعبور المهاجرين غير القانونيين الهاربين من ويلات النزاعات والفقر والجفاف في دول جنوب الصحراء في اتجاه أوروبا.وانضم إليهم أخيرا اللاجئون الهاربون من نزاعات الشرق الأوسط خصوصا السوريون. ومع تشديد المغرب وأوروبا المراقبة على الحدود، استقر الكثيرون في المغرب، لكن دون وضع قانوني، ما دفع الرباط في مرحلة أولى في 2014 إلى تسوية ملفات أغلبهم بإعطائهم أذونات إقامة. وحسب الأرقام الرسمية، فقد استفاد نحو 25 ألف شخص، معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء ومن سوريا، من المرحلة الأولى من التسوية التي أطلقها الملك محمد السادس نهاية العام 2013. كما أطلقت الحكومة المغربية استراتيجية وطنية لإدماج من تمت تسوية وضعهم القانوني، قائمة على 11 برنامج عمل من أهمها التعليم والصحة والسكن والتشغيل والمساعدة الاجتماعية. وفي ظل المعادلات الصعبة والتعقيدات المحيطة بملف الهجرة، قال صبري الحو، الخبير المغربي في القانون الدولي وملف الهجرة، ل"العرب"، إن المغرب قرر تسوية أوضاع المهاجرين فوق إقليمه، ليقدم درسا هاما في كيفية التعامل مع ظاهرة باتت تؤرق بشكل كبير مختلف دول العالم، وأساسا دول الاتحاد الأوروبي، التي لم تشهد من قبل خلافات عميقة كتلك التي تشهدها منذ فترة على خلفية أزمة الهجرة. ويؤكد الخبراء أن التعاطي مع هذا الملف لم تعد تصلح معه العقليات القديمة، التي ترتكز أساسا على المنظومة الأمنية، أو إعادة المهاجرين إلى بلدانهم. ورغم أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية بين ضفتي المتوسط لا تعدّ أمرا مستجدا، إلا أن أعداد المهاجرين، أو ما يعرفون في اللهجات المحلية المغاربية ب"الحراقة"، ارتفعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وما يزيد من خطورة الوضع ارتباط هذه الظاهرة بالجريمة المنظمة وبشكل أخطر الإرهاب؛ وبذلك أضحت الهجرة غير النظامية بين ضفتي البحر المتوسط ملفا حارقا لكل الدول المطلة على المتوسط اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا وسياسيا.