قدم السيد محمد القبلي مدير المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب في اللقاء الذي نظمه المعهد يوم السبت 28 مارس 2009 بالرباط كلمة شكر فيها الذين حضروا مناسبة الاحتفاء بالسيد محمد العربي المساري مؤلف كتاب «محمد الخامس: من سلطان إلى ملك» وهو الكتاب الذي جادت به قريحة الأستاذ المساري حول شخصية محمد الخامس وتطوره من وضع إلى آخر إبان فترة الحماية وعبر مراحل صمود وكفاح الشعب المغربي، وقد ترأس هذا اللقاء الاستاذ محمد الناصري. وأشار القبلي أن برنامج المعهد قد ارتكز على جمع مواد الأنشطة السابقة ونشرها قبل أن يستأنف لقاءاته الموسمية إلا أن هذه المؤسسة لم تترك الفرصة تمر دون الوقوف عند مؤلف كهذا نظرا لمكانة العاهل موضوع الدرس وموقع المؤلف داخل الحقل الثقافي. وقال مدير المعهد إن مواقف محمد الخامس قد جعلت منه أسطورة أو شبه أسطورة وهو على قيد الحياة. و بالنسبة للتاريخ المغربي فالكل يعلم أن محمد الخامس يعتبر من أبرز شخصيات المغرب المعاصر التي رفعت رأس المغرب عاليا، سواء قبل موعد الاستقلال أو بعده. وعن شخص المساري قال إنه أدرى بهذه الفترة وتقاسيمها وبمسار صاحب الترجمة نفسه. وأضاف أن الكتاب يعد دراسة شيقة وتحليل، يجمع بين الوثيقة والوجدان وبالتالي يجمع بين المقاربة التاريخية والتعامل الشخصي، الآخذ من فنون الأدب والسياسة والإبداع ولربما أمكن أن نجيز القول فنعتبر أننا أمام مرآة صافية لشخصية الأستاذ المؤلف وشغفه لكل ما يكتب حول المغرب ورجالاته وقضاياه ورسوخ قدم هذا البلد في الإنسية العربية الإسلامية وتفتحه على المعارف بوجه عام . وعبر عن اعتزازه بحضور العديد من الشخصيات وشكرهم على قبول فكرة المشاركة في هذه الجلسة التي تدشن مسلسل القراءات العلمية لمؤسسة فتية، كما توجه بالشكر العميق إلى الزملاء الأساتذة الذين تفضلوا بتأطير هذا اللقاء وتقديم إضاءات في الموضوع. انفجار الأسطورة وقدم جامع بيضا الباحث في تاريخ المغرب الحديث في اللقاء ذاته قراءة في كتاب محمد العربي المساري المشار إليه سالفا، موضحا أن هذا الكتاب هو من منشورات البوكيلي للطباعة والنشر بالقنيطرة لسنة 2008 ويقع في 402 صفحة ويتضمن 20 فصلا بما في ذلك الفصل التمهيدي وجميع فصوله عبارة عن دراسة لمحطات من تاريخ المغرب المعاصر أو الراهن التي احتلت فيها شخصية السلطان سيدي محمد بن يوسف محل الصدارة. وقد أبى الكاتب إلا أن يخصص جزءا من التمهيد للطريقة التي دخل السلطان بواسطتها إلى الأسطورة الشعبية وذلك عندما اشرأبت الأعناق في تطوان وفي غيرها من الحواضر والبوادي في شمال المغرب وجنوبه، في شرقه وغربه لرؤية السلطان المنفي على سطح القمر. وكان عمر محمد العربي المساري آنئذ حوالي 17 سنة فهرع إلى سطح البيت ليشاهد كما شاهد أقرانه في كل مكان صورة السلطان في القمر، إنها ظاهرة سيكولوجية سبق للصحفي الفرنسي جون لاكوتوغ منذ الخمسينيات أن أثارها في إحدى كتبه ووصفها بانفجار الأسطورة L Explosion de mythe وذلك عندما يكون الشوق للغائب قويا وعندما يكون حضور السلطان أقوى وهو في منفاه في كورسيكا أو في مدغشقر وقد برعت الحركة الوطنية المغربية في تقوية هذه الدعاية الوطنية التي جادت بها الظروف والتي لم يجد الاستعمار سبيلا لمحاربتها غير تلطيخ سمعة السلطان الشرعي بدعاية مغرضة أو تفريق المتظاهرين بالقوة في ساحة باب الحد بالرباط وقد تجمهروا لرؤية صورة السلطان في القمر كما أخبرت بذلك الصحافة الباريسية في تلك الفترة . هاتف من كورسيكا وكان عزل السلطان محمد بن يوسف الحل الذي اهتدى إليه الجنرال كيوم بعد فشل الإدارة الفرنسية في فرض بعض «الإصلاحات» على العاهل المغربي وهي إصلاحات ترمي في صميمها إلى إشراك الفرنسيين في تسيير البلاد في الأجهزة المركزية كما في الأجهزة الجهوية، وهو ما يتناقض من حيث المبدأ مع روح معاهدات فاس لسنة 1912 وقد عرض المساري هذا المخطط بإسهاب ودقة اعتمادا على نشرة القنصلية الفرنسية بتطوان بتاريخ أيام شتنبر 1953 واستطاع بعد ذلك أن يفسر محتوياتها بالتأكيد على أن ذلك البرنامج يستحيل تطبيقه اعتمادا على الطاقات البشرية التقليدية التي جندتها الإدارة الفرنسية كأعمدة للنظام الجديد بدءا بابن عرفة وعبد الحي الكتاني والتهامي لكلاوي. وأضاف بيضا أنه مع استحالة تطبيق أي إصلاح حقيقي اندلعت الانتفاضة الشعبية التي كان شعارها الوحيد عودة السلطان الشرعي إلى عرشه وفي انتظار ذلك يمد الكاتب القارئ بتفاصيل عن حياة السلطان في منفاه بكورسيكا، ثم بمدغشقر وهي تفاصيل استقاها من مراجع شتى وقد عملت الصحافة الوطنية على جعل الشعب المغربي يستحضر تعليماته وتوجيهاته في بعض ما يكتسي من رمزية أكدت عليها الحركة الوطنية على مر السنين بجهد جهيد، فذاك حال مناسبة عيد العرش لسنة 1953 أي بعد شهور قليلة من العزل، عندما نشرت مجلة المعرفة التطوانية خطابا منسوبا إلى السلطان الملك تحت عنوان «هاتف من كورسيكا» والذي يعاد فيه إلى الأذهان أن الإصلاحات المزعومة إنما كانت ترمي إلى اقتسام السيادة المغربية. كتاب تاريخ في رواية واعتبر محمد معروف الدفالي الأستاذ الجامعي كتاب محمد العربي لمساري «محمد الخامس من سلطان الى ملك» إضافة جميلة للمكتبة الوطنية، وقسم الدفالي مداخلته الى ثلاثة محاور، تحدث في الأول عن تقديم الكتاب، وخصص محورا للقضية الأساسية، وفي الأخير قدم مجموعة انطباعات حول الكتاب. وأكد أنه في نهاية سنة 1995 شارك العربي المساري في ندوة حول الحركة الوطنية التاريخ والدلالات ، ولهذا كان اهتمامه بموضوع الكتاب يعود إلى حوالي أكثر من عقد من الزمن، بالإضافة إلى أن إطلالة عابرة على الكتاب موضوع القراءة توضح أن فصوله تعود إلى زمن قبل ذلك. ووقف الدفالي عند دلالة سنة 2009 زمن إصدار هذا كتاب، فمن جهة فإن 100 سنة هي المدة التي تفصل تاريخ الصدور عن تاريخ ميلاد السلطان محمد الخامس، ولهذا يعد الكتاب مساهمة في تكريم جيل بكامله. وأوضح أن الكتاب يضم 19 فصلا و 20 صورة و 40 وثيقة، وترتكز القصة المحورية لهذا المؤلف على قضية رئيسية مرتبطة بشكل واضح بقضية نفي السلطان محمد الخامس، وطرح في هذا الصدد سؤالا اعتبره رئيسا يتلخص في كيف أمكن لهذا الرجل الذي نصبته فرنسا طفلا أن يتحول إلى نقيض لها، فرض عليها إنهاء عقد الحماية؟ وفي رأي الدفالي فإن المساري صنف كتابه على أنه من نوع الكتابة الروائية، تبتدئ أحداثها بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتنتهي سنة 1954 . مسألة العرش محرك أساسي ونلاحظ من تمهيد الكتاب أنه يرتكز على ما احتفظت به الذاكرة حول صورة محمد الخامس في القمر، ولهذا الحدث دلالات متعددة وخاصة من خلال الأفعال التي وظفها المساري عن قضية الرؤية، هذه الدلالات تتنوع وتختلف باختلاف معنى فعلي، رأى وترآى الذين وظفهما الكاتب. وبطريقة فنية تسلسل المساري إلى الموضوع الرئيسي عبر نوع من الفلاش باك، ويمكن استنتاج العديد من الأفكار المرتبطة بالأحداث الهامة التي عرفتها تلك الحقبة، حيث وقف الكاتب عند حدث الحرب العالمية الثانية ومساهمة المغاربة إلى جانب فرنسا. وفي هذه النقطة التجأ المساري إلى التدقيق من خلال هذه الحقبة التي كانت بداية ظهور التناقض بين المصالح الفرنسية ومصالح المغاربة، حيث كان الهدف الوحيد عند المغاربة هو استقلال المغرب. وتنبني جميع أحداث الكتاب حول مسألة العرش ووضع المؤلف هذه القضية في موقع المحرك الأساسي لكل الشخوص التي لعبت أدوارا مهمة في الكتاب وهذه الشخوص هي: السلطان محمد بن يوسف، الحركة الوطنية، الإقامة العامة، المقاومة وأعضاء جيش التحرير، الفرنسيون الأحرار، الهيئة الدولية . وبخصوص الانطباعات الأولية حول الكتاب، قال الدفالي إن المساري عاصر أغلب الأحداث التي تحدث عنها في كتابه، واستعمل ذاكرته في رؤيته للسلطان في القمر، وأعطى أهمية قصوى للوثيقة، واهتدى إلى توضيح مجموعة من الأمور المهمة بكثير من التحقيق والتدقيق والمرافعة في بعض الأحيان. وهكذا فإن الكتاب أحيى النقاش حول معاهدة إكس ليبان، كما أحياه في علاقة المقاومة بالأحزاب السياسية، إضافة إلى أن الكتاب كشف عن العديد من المفارقات التي أثرت على تاريخ المغرب كموقف إسبانيا ومصر من استقلال المغرب. الكتاب ذاكرة جماعية من جهته اختار المصطفى بوعزيز الأستاذ الجامعي زاوية التفاعل لمقاربة كتاب محمد العربي المساري وتساءل عن طبيعة المسافة التي وضعها الكاتب وهو يركب أحداث هذا المؤلف، وأوضح أن المساري اقترح للكتاب موقعا ضمن مكونات الذاكرة الجماعية والثقافية بالمغرب وهو حصيلة لمجهود فعلي، ومحاولة فعلية لسرد الأحداث التي عرفها تاريخ المغرب إبان فترة الحماية الفرنسية بشكل مغاير لما ساد في الأوساط الفكرية. وأكد بوعزيز أن كتاب لمساري أثار مسألة الشرعية في النظام السياسي المغربي، كما عمل على مقابلة المقاوم بالسياسي، إضافة إلى مقابلة أخرى لها ارتباط عضوي بالجدل الذي اعتصر الأوساط السياسية المغربية خلال ثلاثة عقود وهذه المقابلة هي في الأصل بين حاملي السلاح وحاملي العريضة. أما بالنسبة لرؤية السلطان في القمر، فإنها حدث تاريخي بامتياز وانطلاقا من هذا الحدث دخل الملك فضاء المقدس. وهذه القضية استدعت حسب بوعزيز التدقيق في العديد من المستويات، التدقيق في الوقائع المادية، والتدقيق كذلك في ميكانيزمات الرؤية وهنا وجب التفريق بين التهيؤ والإيحاء الذي تحول إلى ميكانيزمات بيولوجية مما فرض فهم حقيقي لمسألة التعقيد الإنساني كما فرض التركيز على عنصر الثقة لنجاح الإيحاء. وقد قدم مجموعة من الأساتذة حضروا اللقاء آراء وشهادات حول كتاب المساري ومن هؤلاء المقاوم محمد بن سعيد أيت إيدر والهاشمي الطود ومجموعة أخرى من الأساتذة والباحثين.