مع الناس: المسؤولية السياسية في موضوع تمويل التعليم؟ بقلم // عادل بن حمزة النقاش الجاري اليوم ببلادنا بخصوص تمويل التعليم، يقتضي منهجيا سياسيا، للتمييز بين الآراء الإستشارية التي يقدمها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وبين المسؤولية السياسية للأحزاب والبرلمان والحكومة. الفصل 71 من الدستور ينص على أنه "للبرلمان، بالإضافة إلى الميادين المشار إليها في الفقرة السابقة، صلاحية التصويت على قوانين تضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة، في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية."، ومشروع القانون الإطار الذي أثار كل هذا الجدل هو في الأصل صياغة قانونية لمضامين الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030 والتي أشارت بوضوح فيما يتعلق بتمويل منظومة التربية والتكوين إلى "اعتبار الإنفاق على المدرسة استثمارا في تأهيل الإمكان البشري وتنمية البلاد، فضلا عن كونه انفاقا على خدمة عمومية" و "تتحمل الدولة القسط الأوفر من التمويل مع تنويع مصادره" و "ضمان مجانية التعليم الإلزامي باعتباره واجبا وطنيا". أما بخصوص الاختيارات الكبرى فإن الرؤية الاستراتيجية تحدثت بوضوح عن "إقرار رسوم التسجيل في التعليم العالي، ولاحقا، في التعليم الثانوي والتأهيلي، مع تطبيق مبدأ الإعفاء الآلي على الأسر المعوزة…" ميثاق التربية والتكوين الذي أشار إليه البيان التوضيحي للمجلس الأعلى للتعليم وفهم من سياق ذكره على أنه دعا أيضا إلى اعتماد رسوم بخصوص مابعد التعليم الإعدادي، فإن الأمر يستدعي توضيح مسألة مهمة وهي أن الميثاق تناول موضوع تمويل منظومة التربية والتكوين من زاوية أكبر حيث تحدث بوضوح عن الأسر الميسورة لكن ربطها بالتضامن الوطني ومراجعة النظام الضريبي بهدف تحقيق مبدإ التكافل الاجتماعي، وفي إطار هذه الرؤية جاء نظام "تيسير" لدعم الأسر المعوزة بشرط استمرار تمدرس أبنائها، وفيما بعد صندوق التكافل الإجتماعي ومختلف الأهداف التي تم وضعها له. إن اختزال تنويع تمويل المنظومة التعليمية في إقرار الرسوم ما بعد الإعدادي، يعكس فقط رؤية محاسباتية، الرؤية الاستراتيجية نفسها مدركة لها وواعية بها لذلك أشارت حرفيا إلى اعتمادها "لاحقا"، فكيف حلت "لاحقا" بهذه السرعة أي في ظرف سنة تقريبا من اعتماد الرؤية الاستراتيجية؟ ماهي التحولات التي حصلت في بلادنا بالشكل الذي يجعل إمكانية فرض رسوم للتسجيل ما بعد التعليم الإلزامي، وهل هناك دراسات كافية تجيب عن هذه الوضعية، علما أن الأسر الميسورة تتحمل أكثر من الرسوم المتوقعة لأنها تدرس أبناءها في القطاع الخاص، و أن ما يجب أن نقر به هو أن المدرسة العمومية أفلست تماما وأنها اليوم أشبه بغيتوهات لأبناء الفقراء.. هنا يظهر دور الفاعل السياسي، والذي ليس من وظيفته التنفيذ الحرفي لآراء مؤسسة استشارية، خاصة أن هذه المؤسسة نفسها أحالت موضوع الرسوم على المستقبل، فلماذا استعجال موضوع لم تنضج شروطه بعد؟ د. عادل بنحمزة للتواصل مع الكاتب: [email protected] المسؤولية السياسية في موضوع تمويل التعليم