سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
النظام الأساسي الحالي لموظفي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني يشكو من غياب مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص والكرامة والتحفيز وتتحكم فيه هواجس مالية تقشفية واضحة
بقلم // محمد الصدوقي عندما نتحدث عن "منظومة التربية والتكوين"، فمن المفترض أننا نعني بذلك منظومة تتكون من عدة عناصر مترابطة وظيفيا وتوحدها أهدف واستراتيجيات معينة في خدمة مشروع تربوي ذي خلفيات فلسفية واختيارات تربوية ومجتمعية محددة وموحدة؛لكن،المتتبع،تاريخيا،لمنظومة التربية والتكوين المغربية يمكنه ان يلاحظ ان مفهوم المنظومة(كما حددناه سالفا) لا ينطبق تماما وبدقة عليها؛حيت نلاحظ أن جل العناصر المكونة لهذه المنظومة (البيداغوجية،التدبيرية،التنظيمية،التشريعية…) تشتغل في "جزر" معزولة،وتحركها هواجس واختيارات وقرارات اعتباطية تجزيئية ومنساباتية…أي ليس هناك ناظم عقلاني واستراتيجي (أهداف،مبادئ،فلسفة…) يعطي للمنظومة بعدها النسقي والوظيفي… وهذا ينطبق بشكل كبير على الأنظمة الأساسية لموظفي وزارة التربية الوطنية(خصوصا من 1985 على 2003)،كعنصر من منظومة التربية والتكوين،والذي يهتم بتدبير وضبط الحياة المهنية لموارده البشرية؛حيث إنها عرفت عدة اختلالات وثغرات على مستوى المنهجية والمضامين،وهذا ما سنحاول التطرق إليه في هذه الورقة، مركزين أساسا على آخر نظام أساسي المصاغ سنة 2003، وعلى هيأة التدريس أساسا،باعتبار دورها الحيوي في تحقيق جودة وفعالية المنظومة ككل. من الناحية المنهجية،لا نجد أي ديباجة لأي قانون أساسي يوضح فيها الخلفيات والاختيارات والمبادئ(الفلسفة والأهداف والاستراتيجيات) التي تحكمت في صياغة النظام؛ كل ما هناك مقاربة تقنية صرفة ومعزولة،يتحكم فيها الهاجس التدبيري المالي المقاولتي والضبطي والهاجس الأمني الاجتماعي(ضغط النقابات …)،في حين ان منظومة التربية والتكوين وتدبير مواردها البشرية وحياتهم المهنية،لهما خصوصيات تربوية واستراتيجية مجتمعية أساسا،وليست مصنعا او مقاولة يحكمها هاجس الربح والتوازنات المالية؛وحيث فعالية وجودة المنظومة مرتبطة بشكل كبير بمدى توفر ظروف وشروط الرضى المهني لدى الموارد البشرية للمنظومة…وهذا ما سنحاول توضيحه من خلال تحليل بعض مضامينه(نظام 2003). من حيث مضامين النظام، نلاحظ هيمنة الهاجس المالي، وغياب مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص والكرامة والتحفيز: إذ مثلا، نظام الترقية تتحكم فيه هواجس مالية تقشفية واضحة،لا من حيث الارقام الاستدلالية للارتقاء بين الرتب والدرجات،ولا من حيث عدد السنوات المطلوبة للترقية:فالترقية في الرتب بالنسبة للدرجة 3 تتراوح بين 18و22،وترتفع مرة واحدة ب34 من الرتب 09إلى الرتبة 10؛ وفي الدرجة 2 تتراواح الأرقام الاستدلالية للترقي انطلاقا من الرتب 1 على باقي الرتب بين 25 و28،وترتفع ب52 مرة واحدة أيضا من الرتبة 09 إلى الرتبة 10.اما بالنسبة للدرجة1 فتتراوح الأرقام الاستدلالية للترقية بين 33 و37 وترتفع ب86 من الرتبة 12 إلى 13. والملاحظ ان اغلبية الأطر لا تستفيد من هذا الارتفاع الكبير للأرقام الاستدلالية من ر09 إلى ر10(د3ود2) ومن 12ر إلى ر13(د1) وذلك بفعل التقاعد او أسباب اخرى،وكأنه متعمد ومحسوب جيدا،كما نلاحظ جيدا التمديد المتعمد لرتب الدرجة 1 من 1إلى الرتبة 13.ناهيك عن عدد السنوات المطلوبة للترقي في الرتب،وفي الدرجة، وعند الترقي في الدرجة يتم خصم رتبة؟!ولا نعرف ماهي المعايير التي تم الاستناد إليها في هندسة هذا النظام للترقي المجحف والمخجل،سوى معيار الهاجس المالي التقشفي (إلم نقل الاستغلالي)، دون الحديث عن عبثية القيمة المالية للنقط الاستدلاية التي ظلت تابتة رغم التغير المستمر لوتيرة و حركية تكلفة العيش والالتزامات المهنية والشخصية والعائلية…(الارتفاعات الصاروخية للأسعار، وتغير نمط الاستهلاك من التقليدي على العصري…)… كما أن هذا النظام في حد ذاته او بالمقارنة مع الأنظمة الخاصة لقطاعات أخرى (المالية،هياة كتابة الضبط…) يكرس التمييز وعدم الإنصاف، الترقية بالشهادات، الحرمان من خارج السلم بالنسبة لأساتذة الابتدائي والإعدادي وغياب نظام التحفيز والعلاوات والمنح…وعدم تكافؤ الفرص والمساواة بين الفئات، والحرمان من الترقي المهني بالشهادة وتغيير الإطار، وغيرها من الاختلالات والثغرات التي تكرس اللاإنصاف واللاإستقرار المهني والاجتماعي، مما يخلق الاحتقان النفسي والشعور باللاإنصاف و عدم الرضى المهني لدى جل العاملين بالقطاع، وهذه كلها شروط ضرورية للرفع من الحافزية والفعالية المهنية. وفي الأخير، ونحن في خضم الإصلاح الشامل لمنظومة التربية والتكوين وللنظام الأساسي لموظفي القطاع، على الوزارة الوصية و شركائها الاجتماعيين والدولة عامة،أن يعملوا على تجاوز الاختلالات المنهجية والتشريعية السابقة والحالية، وذلك بربط إصلاح النظام الأساسي بأهداف واستراتيجية الإصلاح التعليمي الجديد،و بالأجرأة الفعلية لاختيار التعليم كأولوية وطنية بعد الوحدة الترابية، وذلك بتجاوز النظرة المحسابتية المالية والتقنية الضيقة والهاجس المقاولاتي في تدبير وتقنين الموارد البشرية للقطاع، وبإعفاء القطاع وموارده البشرية من هواجس وحسابات التوازنات المالية ومنطق التقشف، وصياغة نظام أساسي منصف ومحفز وموحد يثمن الرأسمال البشري للوزارة، ويضمن الرضى المهني للعاملين بالقطاع بتجويد الشروط والظروف المهنية والاجتماعية والمعنوية، من أجرة وترقية وتكوين واستقرار وخدمات اجتماعية وظروف مهنية جيدة وكرامة، وينهي مع كل أشكال الاحتقان النفسي والاجتماعي والاختلالات المهنية، التي تسببها الأنظمة غير العادلة والتمييزية وغير المحفزة على الرقي بالمردودية وعلى حب مهنة التربية والتكوين، كما يجب ملاءمة النظام الأساسي مع المواثيق الدولية ذات الصلة، ومع الدستور المغربي الجديد، خصوصا في ديباجته التي تحث على "إرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة".