-1- صدح المقرئ من داخل الكومبيوتر بصوت الكروان: - "وإذا قيل له اتق الهت أخذته العزة بالإثم .." انتشى مولانا الموظف لِما سمع، ارتفع قلبه إلى الملكوت، ساح قلبه في عالم لا يوصف، حسبته ابن عربي، هتف والمسبحة ترتجف في يده الممدة في السماء، دعا: - اللهم اجعلنا من المتقين مع محمد والصالحين .. -2- ارتفعت آهات الاستحسان والتكبير من داخل الكمبيوتر على صوت المقرئ، أفاق مولانا الموظف على صوت السماعة، صاح صوتٌ كالخوار: - آلُو .. آفِينَكْ ؟ تدلت صورة النهدين العاريين أمامه، استقامت لحظة ثم طارت من خياله، عاد الخوار: - فِينْكْ أَلحْبِْيبَهْ .. آشْ هَادْ الصّوتْ كَانْسْمْعْ ؟ - لا .. والو أَزْوِينَة هذا غِيرْ القُرآن .. - متى وأين نلتقي؟ - كالعادة منتصف النهار أمام محطة الترامواي. - والوِجهة هذه المرة ؟؟ - أبي رقراق .. - سأنتظرك بكل عروقي. - وأنا بكل روحي .. بايْ .. بِيزُو حْبِيبَهْ .. - مّاآآآآآآآآآآآآآآآحْ حْبِيبَهْ .. -3- استل عينيه الحادتين من غمدين أعورين، نظر إليّ بعصبية، زعق في وجهي والحقد يقطر من كلامه حتى لكأني أرى شرره أمامي: - ماذا تريد ..؟ - منذ وقت طويل وأنا أنتظر سيادتكم. - مَاتْحْكِيشْ لِيَ قصّة حياتْك (لا تحك قصة حياتك). تأفف وقال عن سيادته: - أوووف.. ألا تعرف أنني أنا المسؤول الأول والأخير عن الإمضاءات هنا،ولا مصادقة إلا مصادقتي؟ قلت بتلعثم قاهر: - أأأعرف ..أعرف يا سيدي .. تحول بصري إلى المسبحة في يده، ثم قلت لنفسي: - وأعرف أيضا أنك من أولياء الله الصالحين .. - فلماذا إذن تحدثني عن حياتك، وما شأني بك ؟ - أريد فقط توقيع سيادتكم إن سمحتم .. لم يلتفت إلى احتراقي، عاد إلى السماعة، قهقه بصوت داعر ثم بصوت رخيم، عاد إليّ بعد أن وضع يده على موضع الكلام من السماعة، زأر: - انتظرْ خارج القاعة .. - اتق الله يا سيدي أنا هنا قبل مجيء البوّاب والمنظّفات .. زأر: - قلت لك انتظرني في الخارج أيها الحمار .. مسني الهياج، غلا باطني، لا ريب سأحطمه لا بل سأدمره، انتزعتُ السماعة كالوحش من يده، ضربته ضربة رائعة أودعتُها كل حقدي وبكائي، سال الدم من تحت عينيه الحمراوين، ارتجفت أوصاله، بدا كطفل مذعور وهو يُبدي مقاومة مصطنعة، مزقتُ شهادة وفاة ابني - المعروقة في يدي- على رأسه، قبضوا عليّ، قيدوني وأنا أصرخ محاولا الفكاك من قبضة الشرطيين وهما يقحمانني إلى سيارة الشرطة، ضحكت باكيا والزقاق مكتظ بعيون النساء والأطفال والماريين المحدقة فيّ في هلع، ثم دعوت بأعلى صوتي وأنا أبصق في الفراغ منتفضا: - اللهم اجعلنا من المتقين مع محمد ومولانا الموظف والصالحين .. آمين ..