تنهدت وقد ارتسمت على شفتيها الزرقاوين بنور القمر ابتسامة شاردة، تحرك قلبها واشتعلت عروقها وجداً، وآثرت أن تتعامى وتتجاهل سكرته ولهيبه.. طاف بها خيالها إلى عالمها: أنوثة كجُحر فأر كثيف السبل، يختلط فيها الضعف بالكبرياء والذوبان والجنون والذكاء والخوف والرغبة في التهام الأشياء وأضراب عديدة من الرجال كأحمد البائس الفقير، الذي يحبها بجنون فظيع .. فظيع جدا .. فما تفعل مع امرئ يحبها حبا لا يسمح فيه لقوانين العقل أن تعمل أو أن تقول كلمتها؟ ثم عادت إليه .. إلى مداعبة قلبه، وهي تفرك أصابعها خجلا وتضحك في دلال، فقالت تستقطر ما في صدره لتعرف نفسها من خلاله: - ما تقول في جمالي؟ - بحيرة صافية لا يستحق أن يراها إلا العيون النقية. - والعيون غير النقية؟ - إذا تنازلتِ لها عن شيء من ذلك فهذا لُطفٌ منك. - وإذا لم أفعل؟ - يستحسن أن تبقى على قبحها متعثرة في مستنقعاتها، بعيدا عن طهارتك الخالدة. - وماذا عن ..؟ قاطعها دون أن تفصح، وبتلهّف: - عن وقارك أليس كذلك؟ ربيعٌ خالد .. أجل .. ربيع خالد لا تمتد إليه يد الخريف مهما تقدم بك العمر. أغرقت في الضحك فأخفت ضحكها بأناملها الناعمة،ونظرت إليه بوجه طافح بالبِشْر، يبدو في لمعانه كفضة تُغَسَّلُ بالماء كل يوم، اغرورقت عيناها بالدموع من شدة انفجارها بالضحك، فازداد وجده لتورد وجنتيها وانعكاس ضوء القمر على خديها. - أتضحكين مني يا حياتي ويا موتي؟ - كلا .. أضحك من الزمن الذي قد لا يرحمنا فيما سيأتي من الأيام،ربما لأنه لا يفهم ما في صدورنا. - ما في صدورنا لا يعرف الزمن ولا يريد أن يعرفه فدعينا منه. أخذتْ نفَسا عميقا من نسيم عابر، فانتعش صدرها لأريج الزهور السابح في هذا النسيم،ثم استدركتْ كأنها نسيت شيئا: - قل لي يا محمود ما الذي يعجبك فيّ..؟ - تلاعب الهواء بشاَلِكِ الحريري و.. - ووجهي وابتسامتي ..؟ - أما الوجه ف.. وضعتْ يدها على فمه تمنعه من الإتمام: - أما البحيرة والربيع والخلود والطهارة فعوالم قد حفظتها وأريد شيئا آخر أحفظه. - ماذا أقول؟ماذا أقول إذن..؟ أنتِ أشبه بماذا..؟ لم يجد لها وصفا فقال بفرح عارم : - أنتِ .. أنتِ .. أشبه بأنتِ.