الصّبي يغطّ في نوم عميق. والصباح البارد بجوّه، يحجب سماءه ضباب نديّ و كثيف. يندفع برياح الشرقي، الصّاعدة عبر وادي مرتيل. المحاذي لجبل غرغيز الرّخاء. ينذر بهطول زخّات مطريّة، انبجست منذ قليل. الحافلات المتراصة، تحتلّ أماكنها في ساحة الحمامة. إن الذين سيركبونها في اتجاهات مختلفة، هم الآن يعمرونها. والآخرون يكوّنون جماعات صغيرة، لازالت تنتظر ما ستفعله. قرب المحطّة وعلى جنبها كانوا يجتمعون. الكلّ ينتظر دوره. ينتظرون الحافلة التي ستنقلهم إلى الأماكن التي يتوجهون إليها. ككل صباح، يخرج الأستاذ مبارك، ليتوجّه إلى عمله. الصّباح الباكر والندى الطريّ، ينعش روحه. يحمل محفظته ويسير في نفس الاتجاه الذي يقصده عادة. يمرّ قرب معمل الورق، الذي كان بالأمس في ملك الإسباني" بنيط." لقد كان من أهم معامل الورق بالمنطقة الشّمالية. إن مروره المتكرّر من هناك كان يذكّره بأمور كثيرة. يحاول نسيانها وهو يشيح بوجهه إلى الجهة المقابلة. قرب باب المعمل الرئيس، كانت الرّياح العاصفة للّيلة الماضية، قد أسقطت شجرة المموزا الخضراء بأزهارها الصّفراء الفوّاحة. الشجرة تكوّن مخبأ يوحي وكأنه من مخابئ غابات" الأمزون." تسقط عين الأستاذ مبارك، على صبي يتكوّم داخله، يغطّ في نوم عميق، يفترش الأرض، ويتوسّد حجراً. وكلب بقربه يلعق ما تبقى من فتات طعام...