قصص قصيرة جدا دخلتُ على الحاكم بعد تربص طويل بعتباته، وغواية حاجبه، وجثمتُ عند قدميه منكفئا على نفسي، ولما سألني عن حاجتي قلت له: - إن تؤَمِّني حكيتُ لك. قال: - آمنٌ أنت ففضْ. تشجعتُ وقلت بثقة غير محسوبة العواقب: - يقول فيك فلان أنك لص زان، وجثمتَ على رقاب العباد، وأفسدت البلاد، فجميع المكاره وهبها الله لنا فيك... ما كان منه إلا أن قفز علي من عليائه هاويا بكفه على صدغي مزمجرا: ذاك قاله في غيابي، أما أنت يا ابن الخبيثة فتقوله في وجهي، لولا أمّنتك، لولا أمنتك...
جريرة وتوأمان
توأمان كنا شكلا وملبسا، دائما في الكُتّاب واحدٌ منا يُؤخذ بجريرة آخر. كلما اقترف أحدنا أمرا إِدّا أو سهوا والتبس على الفقيه من المذنب منا نُضرب معا، رغم أن أحدنا بريء. وعندما يقال له: جنيتَ على أحدهما يا مولانا. يردّ: هي الدنيا هكذا، لا بد من ذلك حتى لا يفلت الجاني من عقابه، ومتى ما عم المصاب هان.
همس ورنّات
تبرعم وجهها كانبلاج صبح غبّ سقوط مطر وهو يهمس في أذنها: - أحتاج إلى صورتك، أرجو أن تزوديني بها. دَلَفتْ نحو بوابة البناية بخفر قبل أن تتوقف مستدركة بسؤال يطوي ما يطوي: - ولِمَ؟ قال موليا لها ظهره: - بعد قليل ستنبئك رسالة تصل إلى هاتفك المحمول. على رنات الرسالة التي لم تستسغها كما الآن، وهي تستلقي على سريرها المخملي قرأَتْ بتمعن: "أنا بصدد جمع صور لما تبقى من سلالة قرود الشامبانزي".
ضوء غمّاز
رابضة جنبه في الكرسي الأمامي من سيارته. رمقها بطرف عينه، فرأى ابتسامة ماكرة تندلع في شفتيها. ركن سيارته جانبا. جرجرها من شعرها. ألقى بها خارجا. هرع نحو عمود الإشارة المنظم للمرور فدكّهُ دَكّا. في مخفر الشرطة كان يصرخ بهستيريا: - ليست هذه هي المرة الأولى التي يَغْمِزُها هذا العمود ، وهي تبادله الابتسام.
رؤيا الزعيم أَقْعى وسط الخيمة كالأفعى: - "إنّي أرى قبالتي وجه أمي عابسا، وعلى يميني تتنطّع مائة من الجند، ومائة أخرى تقبع على اليسار، ألا من يفسر لي رؤياي؟" هذا ما قاله الزعيم للملأ المتحلق حوله في وجل. أَجْزمَ الكل أنها أضغاث أحلام، وحده الفتى تَنَحْنَحَ معارضا وهو يتحسّس رقبته مخاطبا الزعيم: - الحلم زاحف كالسيل في الليل، وتأويله هو: مائة في المائة ستَثْكُلكَ أمك بعد أن تنهمر عليك بغتات البلاء.
أوزان منفلتة
في الكورنيش العاج خلقا تلطمني:
أ- انكسارات والتواءات لَحِيمة يمكن تقطيعها إلى تفعيلات. ب- نقرات سحرية تنداح من صناديق ماسحي الأحذية يمكن تحويلها إلى سمفونيات. ج- ...
- آه..، يا لها من أوزان منسابة في الطريق غابت عن الأخفش والخليل. أنظرُ هناك عند امتداد الرمال، فتتمَطّى إيقاعات سافرة لا يستوعبها هذا البحر الصاخب كما في سالف البحور.
عزاء
لم نره يوما يحضر عزاء، ولم يشيّع قط جنازة. عندما نسأله عن سبب إحجامه عن ذلك، وما قد يفوته من أجر وثواب جرّاء هذا النكوص. يجيب هازا كتفيه: - لا يمكن أن أتجشّم مشقة الحضور لمجرد ميت واحد، لو كان الأمر يتعلق برهط...