إذا استقرأنا شعرية الأنثى في أغلب القصائد النسائية العربية والعالمية ،نستنتج عمق التجلي المتناغم في الجسد، كبؤرة انتاج لشعرية الرغبة والإحاءات الاروتيكية والأنا المتمنعة ..وهنا يحضرني سؤال قد يكون أكثر تعقيدا من إجابة مفترضة .."ما الذي يميز بين شعرية الأنثى ؟" ..الأنثى بمفهومها الحسي الرهيف المتفاعل مع مكنوناته وكينونته الفزيائية ..وشعرية الذكر كدال على رغبة الأنثى وكمدلول إلى رغبته الجامحة الواضحة في تماهيها نحو المرغوب فيه ، إذا تخلت المرأة عن أنوثتها، فقد تتخلى عن شعرية الرغبة وكذا إذا تخلى الرجل عن ذكورته ،قد يتخلى عن مخزونه العاطفي اتجاه الأنثى ..وفي كلا الحالتين يتم ذلك التوالف بين شعرية الرغبة ورغبة التجانس الميتيولوجي الذي يوفر ذلك الدفق من المشاعر الراغبة القلقة الرافضة للخنوع عند الأنثى والخانعة عند الذكر في الغالب .. ففي هذه الورقة الانطباعية أسلط الضوء على شاعرة مغربية شابة، راودتها الرغبة فافتعلت الشعر، للتعبير عما ينتاب حواسها الجامحة- المنفعلة- والمتفاعلة مع كيانها كوجود ضروري في حياة الآخر ،وشعريتها تجاري تجارب نسائية عالمية، من حيث التناول الوجداني والتمرد على قدسية الجسد، مع طرح كثير من تداعيات أحكام عالقة عصية على الفهم أحيانا ، لكنها تتشكل من رؤية فنية ذات أبعاد ..تمتح صورها من متخيل قادر على إباحة تجليات الرغبة في النص.. ممانعا بانزياحات تؤرق المتلقي ..وتمنحه فسحة للتأمل ..والتحليل.. فالشاعرة الريفية "حياة بلغربي بلقيس" ..واحدة من الشاعرات اللواتي كتبن قصائدهن برغبتهن، لكبح رغبة غير متاحة ..رغبة ليست ممنوحة الا في الشعر ..تغتصب المطلق في النسبي لتحصل على توالد المصطلحات بين نص وآخر، وبين فكرة ولحظة اختزالها في شطر مقلق ..مدهش- عار- ..تعري فيه الشاعرة عن لواعج متحسرة أحيانا منفعلة في وداعة أنثى تستمد قواها من ضعفها .. تقول الشاعرة في مقطع من قصيدة "سيجارة " لأكن سيجارتك احملني برفق امسكني بحروف الشفتين أشعلني أحرقني حرقا أدمني أنفتني بلا عقب كلما دخنتها تنبت في القلب وردتين ص 40 من الديوان الجماعي "نوافذ عاشقة" منشورات جامعة المبدعين المغاربة هو انتشاء برغبة ثائرة على الجسد المنطفئ القابل للاشتعال، المفرط في ولع الاشتهاء ،والمانح للحب في وردتين .. فالشاعرة ليست مقيدة العواطف في اصطلاحاتها الشعرية ..وهذا التحرر لا يعكس حياتها الخاصة ..فهي لسان الأنثى الريفية التي ما تزال علرضة لبعض التقاليد، ومنها الحرص على مراقبتها إلى أن تقاد إلى بيت زوجها .. هنا نعتبر أن اللغة الشعرية ترجمة للمعاناة وترجمة للرؤى بل هي تلميع للضبابية التي تكتسح الباطن ..ففي مثل هذا التعبير الكاشف عن مآرب الرغبة عند الأنثى ، يجيء في طور النضال النسائي لأجل الانعتاق والتحرر من سلطة العادات والتقاليد المقيدة لحرية المرأة ..وهذا ما نكتشفه عند الشاعرة "حياة بلغربي بلقيس" الصادحة بالحب والحياة ..وتذكرني بالشاعرة الإيرانية "فروغ فرخ زاد" المتمردة التي اختارت الشعر والتحرر على كل المغريات .. من أين آتية أنا من أين آتية أنا مضمخة هكذا برائحة الليل مازال تراب مثواها طرياً أقصد مزار اليدين الخضراوين الشابتين.. كم كنتَ عطوفاً يا صاحبي، يا صاحبي الأوحد كم كنتَ حينما كنتَ تكذب حينما كنت تغلق أحداق المرايا وحينما تقتطف الثريات من السيقان النحاسية وكنتَ تصطحبني في الظلمة المستبدة الى مرتع الحب ليستقر ذاك البخار الدائخ المكمّل للهيب الظمأ علي أحراش النوم. فشعرية الأنثى الباحثة عن الخلاص والتحرر من أسطورة قداستها، تمتح من معاناة أعماقها ما يجعل النص يمتاز بخصائص فنية مدهشة إلى حد الغرابة أحيانا ..والغرابة هنا لا تعني التعتيم بل الانبهار الذي تحدثه الصورة الشعرية .. فالشاعرة الايرانية "فروغ فرخ زاد" ناضلت لأجل أن تعيش مستقلة بذاتها وشعرها الذي يعكس تجليات رغبتها المتحرشة بالكلمة ،في مجتمع كان أكثر تشددا ضد حرية المرأة .."وحياة بلغربي بلقيس" الريفية مناضلة بطبعها أيضا تحاول أن تنتصر للشعر والأنثى الريفية بقصائد تخرج عن المسار الذي خططه المجتمع الريفي ..في مدينتها المنسية كما تقول في مقطع من قصيدة " مدائن تحت القلوب" تعبت من نبض الكلمات لكني لم أكتب بعد عن زاوية مدينة منسية في دمي خضراء شوارعها كالسماء وقت المغيب سواد المداد لا يشفي غليل الضلوع ص 39 نوافذ عاشقة وأنا أقرأ هذا المقطع، انتابني شك في الشطرين الخامس والسادس ..في الصورة التي استحضرتها "حياة بلغربي" لتعبر بها عن احلام خضراء تنبئ بالخصوبة ..تبدو الصورة غير قابلة للتأويل لأن السماء لم تكن أبدا خضراء وقت المغيب، إلا إذا كانت الشاعرة صادفت تأويلا ذهنيا يراد به مقاربة غرائبية تستفز فضول المتلقي وتستفز النقد أيضا .. ولأن الشاعرة تعي دورها المسؤول اتجاه نصوصها، فهي لا تكترث بالذي سيحصل بعد تداولها ..فهي تمارس فعل تفريغ المكنون.. وتسارع الوقت لتؤسس صوتها إلى جانب أصوات تتميز عن غيرها بالجرأة المنفتحة على المخزون الحسي ..وللمقارنة أيضا أستحضر مقطع من قصيدة "فيزيا يافولا" للشاعرة الانجليزية جو شايكوط كل شيء في جسدي تمت صياغته "شهب نجمة" على الأقل (باستثناء الهيدروجين) أود أن أكلمك عن جسدي وأريدك أن تعرف إلى أي مدى أفهمه أنا وكيف يتجلى ..ويكشف عن نفسه في موجات تتجلى فتنة الحواس كلما تأججت الرغبة، فتتوقد المشاعر لتمنح شطحات إيقاعية تفرضها لحظة البوح..كشعرية متوحدة في لغة الجسد المشتعل الكاشف عن نفسه ..بينما الشاعرة تكون الناطقة باسمه لأنها وحدها من تفهمه ..وحدها تمتلك مشروعية الكشف عن هوية الجسد ورغباته السرية .. فحينما نتحدث عن شعرية الأنثى فإننا نقر ضمنيا أن هناك نقيض يتمثل في شعرية الذكر كند / أو ضد / يبقى حافزا مؤثرا يشاكس المتخيل الشعري عند الأنثى ..فتبوح متوسلة ..أو معاتبة / كما نقرأ عند شاعرتنا حياة بلغربي في هذا المقطع.. أنت كنت باكيا في ركنك المعهود تنضو ثوب الندم الغافل وتعد أسماء نسائك من أول وردة إلى آخر شوكة ص ديون نوافذ عاشقة التعبير عند الشاعرة حياة في الغالب يكون مباشرا شفافا تتخلله رنات جرسية داخلية مما يضفي إلى النص خصوصية فاضحة لا تلجأ إلى الغموض والتعتيم ..وأحيانا يأخذ شكل التلميح كما في المقطع التالي: وأنا والحلم النعور نتوحد نتمرد ألم تر شعاعا من الزجاج نافذا كالحقيقة ص38من نوافذ عاشقة إذا كانت الشاعرة الانجليزية تلمح للند/الضد/ مستعملة لغة الجسد كوسيلة للتعريف بهواجسها وكوسيلة للإغراء والافتتان .."أود أن أكلمك عن جسدي ..وأريدك أن تعرف إلى أي مدى أفهمه أنا" "فحياة بلغربي" أيضا تلمح للند/الضد/ بأسلوب يكاد أن يكون عتاب شفقة وحنين إلى صورة قبلية راسخة في دهن الشاعرة " أنت كنت باكيا في ركنك المعهود تنضو ثوب الندم الغافل "هي مقاربة أحدثتها شعرية الأنثى المازجة بين رغبة الحواس والأنا المستعصية على الإدراك ..الأنا الفاعلة الناطقة باسم الحواس المغرية المتمنعة...المرحة المتألمة...المضطربة كما نقرأ في مقطع للشاعرة الأرجنتينية غارسيالا مالا غاريدا "وهذه أنا امرأة وحيدة على عتبة باردة" اعتراف ضمني لجسد أدمن التوجس فكانت الشاعرة صوته البليغ البالغ إلى أنساق المتخيل (أنا الأنثى...الوحدة.....الفصل البارد) اعتراف ونداء غير مباشر مهموم ..نداء الرغبة الخافت الباحث عن الدفء .. ورغم أن الشاعرة "غارسيا" أرجنتينية والشاعرة "حياة" مغربية ..ورغم الاختلاف الثقافي ومشارب الحياة واختلاف الأزمنة ..ففي مقطع من قصيدة "حلم لليلة الأمس"تقول الشاعرة "حياة بلغربي": "هذا القلب آنيته علك تأتي وتفتح كوة لجرح بارد لكن ماء الوجه جاء قبلك واستعجلني" كأن الشاعرتين اشتغلتا على نص واجد وتيمة واحدة كأن مقطع "حياة بلغربي" يتمم مقطع "غارسيالا مالا" هي شعرية الأنوثة الحالمة المخضبة بجمالية اللفظ، تمارس فيه الشاعرة ذلك التحريض الواعي للمعنى بقوة دلالية معبرة عن مخالجات المشاعر ..وبصيغة أو أخرى يتخلل المكون النصي عند شاعراتنا البعد السيكولوجي والأنتربلوجي ..توسل...شكوى ...وكبرياء الأنثى الموظفة بفنية في تماهي متقارب تعبيريا رغم البعد الجغرافي والثقافي والتاريخي والشاعرة "حياة بلغربي" تحاول توقيف الزمن للحظات في شرود تتأمل منعرجات هذه الكينونة وتختزل فلسفتها في نص "بوصلة" الذي يخاطب الضمير "توقف ليس الأمس من هناك أعبر هذه الطريق المتشعبة وتوقف عند أول خطيئة من اليمين وفي اليسار منعرج لو تخطيته وجدت غدك" للبحث عن الغد المنشود تقف الشاعرة وقفة تأمل ..توقف ضميرها توقظه لتعيده إلى الوراء ...في بحث عن أمس ضائع تتفقد من خلالها خطيئة لتصيغ به غدا أفضل وبين اليمين واليسار تحاول الشاعرة أن تبقى مرتبطة بموروها الثقافي الديني الذي يفضل اليمين على اليسار ..وتتخطى اليسار لتجد غدها وتعبر عن صعوبة هذا التحدي بالطريق المتشعبة .. وفي مقطع آخر من قصيدة "أوراق تحت الرماد" .تتحدث الشاعرة إلى الضمير الآخر "ساخرا تمج حموضة العمر وتتوحد في كأس معلنا ضعفك وأنا في كل مساء والكائنات هامدة يتبعني هذا الخافق المعذور" ص 38.من نوافذ عاشقة إشارة معاتبة وتلميح بالشفقة اتجاه الضد الند الإشارة واضحة والتلميح باهت في هذا المقطع المعبر عن تراجيديا داخلية تحوم حولها شعرية الأنثى بكل حمولاتها اللغوية والصوتية باستعمال ذكي للمصطلحات التعبيرية الراقية بمستواها الفني والدلالي .. ويبقى القلب هو ذلك الحاوي لكل متاعب الحواس ..القلب الملازم للشاعرة والذي تلتمس الأعذار، فتجربة الأنثى الشاعرة تتميز بتوليف المحسوس في أساليب متنوعة من حيث منهجية تفاعلية تسكنها مند الأزل مع اختلاف الرؤى التأويلية والأغراض الشعرية المقصودة .. إن علاقة الإنسان بحواسه ..هي علاقة رغبة قبل كل شيء ..والشاعر وحده يتقن ملاطفتها والتعبير عما يخالجها ..ويبقى الشعر هو ذلك البركان الذي تحدثه الحواس المتقدة في رغبتها إلى الانعتاق والتحرر من القيد الاجتماعي والسياسي الديني عند كل المجتمعات على اختلاف عقائدها ونمط ثقافتها المعيشية ..ففي النماذج التي استمثلنا بها تجربة الأنثى الشاعرة في هذه الورقة، نلامس ذلك الخيط النرجسي الراغب المتمنع يوحد بين شعرية الأنثى العالمية ..ويقارب بشكل أو آخر بين لواعجها ،ويشكل ماهيتها من خلال البعد الرؤيوي والتخييلي والبعد الدلالي في استنطاق الرغبة والجسد بأشكال تعبيرية تختلف فقط في بنيويتها التركيبية .. وحتى أكون دقيقا أكثر أدرج هذا المقطع للشاعرة الايطالية التي تعتبر من الجيل الجديد الذي تنتمي إليه الشاعرة حياة بلغربي ..الشاعرة "إيليزا بياجيني" "لو في كل مرة أتعرق فيها أفتقدك لكنت وصلت إلى مرفأ الأمان" تعبير عن سيرورة لا مناص منها :لو يحدث التخلص من الرغبة لكانت الشاعرة وصلت إلى مرفأ الأمان ، هي تتحرش باللفظ لتولد المعنى في سؤال عالق أبدي ...لو../ لكنت/ حتى الجواب يطرح إشكالية تبدو أكثر تعقيدا من المطلق وفي قصيدة أخرى لنفس الشاعرة الايطالية بعنوان"حين النهاية" تقول (حين النهاية) "سأكتب اسمك، سيكون لاحقا ، سيكون على الكرسي إن كان للنار أن تقرأه سيكون ذلك لوقت قصير بدون صوت" نهاية تتوقعها الشاعرة كأنثى ناقمة ستحرق ذلك الكائن "الرغبة" في وقت قصير وسينتهي كل شيء بدون إحداث أي ضجة،/ في الوقت الذي تبدو فيه الشاعرة المغربية "حياة بلغربي" عاطفية الى حد النخاع ..تراود عواطفها أحيانا وتفضح حواسها المثقلة برغبة تتضخم خلف القب كورم خبيث /الرغبة بمفهومها الأدبي والوجداني فتناقض رؤية الشاعرة الايطالية المشبعة بالشغف والشغب ضد كيانها وضد رغبتها الجامحة "من يستل الكتاب من يدك ويضع على الشغاف قبلة ويكمل نصف ما كتبت من يحس بوخز الورد تحت عراء الندى ويعد للصباح شايا وقصيدة إني تعبت من التستر على حواسي مثقلة بهذا الشيء الذي يتضخم خلف القلب كورم خبيث" من قصيدة "سبع قبات خضر وأخر يابسات" ..المصدر موقع جامعة المبدعين المغاربة شعرية استرسالية سلسة مترابطة في تركيب اعتمدت فيه الشاعرة الترتيب اللغوي مع زخم من المعاني التي تصب في مجرى الرغبة الوجدانية، هو مزاج الشاعرة المتقلب ..ثارة يحن وثارة يقسو ثارة يلاطف وثارة يعاتب وثارة يعبر عن الرفض بصورة ناقمة هو نداء الرغبة المنتفض ضد قمع الحواس /ضد حصار الأفكار/ هو جنون المشاعر الذي تفرضه "فوضى الحواس" هو القلق المزمن والمستمر /عدم الاستقرار النفسي/ فالشعر هو الكائن الذي لا يستقر على حال.