حقائبى المكتظة بأحلامي المختبئة بين أكوام ملابسي ملقاة على أرض صالة بيتى تستعجلني للرحيل.. للأسف لا أستطيع تقديم موعد سفرى دقيقة واحدة.. فجواز سفرى لا أتسلمه من الجهة التى أعمل بها إلا يوم السفر وحجز الطيران الذى منّ علي بموعده بعدما جلست فى قوائم الانتظار طويلاً لايمكن تبديله.. هدّأت من إلحاح الحقائب وتشاغلت بإعدادات اليوم الموعود.. باقى من الزمن يومان.. يالطولهما المجهد.. يبدو أنه أغرقني فى دوامة أفكار لا تتوقف.. تخيلت لحظة وصولى ودمعات أمي تحتضننى قبل أن ألقي بنفسي بين ذراعيها.. أعرف معنى بكاءها جيداً.. أجفف مطر عينيها بمنديل وصولى فتبكى ثانية لخوفها من رحيلى الجديد.. منذ اليوم الأول للوصول يبدأ العد العكسي وكأن الأيام تحمل ساعة إيقاف تنبهنى لموعد انتهاء فرحتى.. ما الذى أفكر فيه الآن؟؟؟... لماذا لا أحتضن سعادتى بجناحي الجاهزين للانطلاق وليحدث ما يحدث بعد ذلك؟.. يدق جرس الباب.. يدخل زوجي محملاً بما تبقى من متطلبات السفر.. متعب هو الآخر من المشاوير.. ينظر إلى الحقائب بنفاذ صبر.. (يبدو أنكم ستحتاجون حقيبة إضافية).. ابتسِم.. (هل أنتم ذاهبون إلى الصحراء؟ ما هذه التخمة التى مرضت بها حقائبكم؟).. لا أرد.. أتشاغل بإعداد الغداء.. لو كنت أستطيع ترك حقائبى وتخفيف حملى والعودة بلا أحمال لفعلت لكن... يقتحم ابني دوامة فكرى: (أمي.. هل سنسافر الأربعاء أم الخميس؟) أنهره دون أن أجيب.. كل الذى أعرفه أن اليوم هو الاثنين.. لا أريد أن أغرق فى مزيد من الأفكار.. تتداخل الصور.. لا أدرى فى أى عام أنا.. مشهد الفيلم يتكرر.. هل أنا فى حلم أم فى حقيقة.. أختنق.. أريد الخروج من تلك الدوامة.. أضع عباءتى فوقى.. ينادينى كل من فى البيت.. لا ألتفت.. شيء ما يسحبنى للخارج.. يجتذبني.. أفتح بوابة البيت.. أخرج إلى الشارع.. يتنفسنى الهواء.. يملأ عباءتي.. يملؤنى.. جسدي يخف.. قدماي ترتفعان عن الأرض.. أحاول التوازن.. أرتفع.. أرتفع... ابتعد عن الأرض.. أتركنى للريح دون مقاومة.. لم أعد أذكر شيئاً...