ذات مساء خريفي -في مكان ما بالمدينة رفقة بعض أصدقاء الطفولة- قررنا بأن نكتشف- في حضور ديونيزوس - مايوجد في سراديب تلك البيوت المغلقة منذ زمن بعيد. قنينة تلو أخرى-سيجارة تشعل سيجارة .موسيقى.. حوار.. تفلسف.. ثرثرة.والأقنعة تتهاوى بأدنى حركة كاشفة المستور - والعقد والمكبوتات تتساقط مستسلمة كأوراق الخريف.ألغي المنطق- وأضحى الإيمان والكفر بأي شيء مباح. ذاب الشعور بحموضة الروج وانصهر بحرارة الماء حيا. فتحت الأبواب الموصدة-وخرج إلى الوجود ماكان يرقد بداخلها من أسرار ومكبوتات غابرة. ظهرت الحرية مخنوقة وهي تدمي من كثرة الجراح.هاجت المشاعر والأحاسيس-وتحول المكان إلى خشبة مسرح عبثي فرق فيها ديونيزوس الأدوار.منا من أصبح عنتر يقهر بشجاعته الطغيان.ومنا من أصبح قيس ليلى يملاء شعره العذري المكان-ومنا من أضحى فيلسوف كل القرون يحاول عبثا أن يبرهن بأنه قادر على أن يغير فلسفة الزمان والمكان.ومنا من استسلم وغادر وهو يرتطم بالحيطان . أضحت خشبة المسرح في حضرة ديونيزوس كرسيا للحقيقة والاعتراف..تكلمت فيه الشخصيات بكل حرية وعفوية وبانت في الأفق معاناة وهموم الشخصيات. .ودب دبيبها في الروح-وخيل إلينا أن شيئا ما نجهل ماهيته قد سرق منا على حين غفلة.لعنا أنفسنا-كما لعنا الشخص المجهول الشبح الذي سرق منا أشيائنا.شلت حركاتنا-وثقلت ألسنتنا وذهلنا مما عرفناه من حقائقنا..نسينا أسمائنا وعناويننا وكل وجودنا.لم ندر كيف انتهت تلك المسرحية العبثية -و لم نشعر كيف افترقنا -وكيف أعدنا إغلاق تلك الأبواب المحرمة التي يصعب اختراقها.في اليوم الموالي-التقينا وتعاهدنا بأن لانفتح -مؤقتا- تلك الأبواب الموصدة .فإنها قد أغلقت -منذ زمن بعيد- بكل إحكام.