جلبهُ من " مَوْقَفْ " المدينة صباحا . بدا له في صحة جيّدة . ذكّرهُ بالزنجي " كونتا كينتي " . لم يتفق معه على أجرة عمله . كان همه الوحيد أن يجد عاملا ينظف حديقة فيلاه، التي حولها الجيران و المارة إلى مطرحة في غيابه الطويل عنها .. لمّا أدخله الحديقة قال له : - عملك هو تنظيف الحديقة من هذه الأزبال .. ردّ عليه بصوت مرتفع كعسكري بلا رتبة : - عملي هو تنظيف الحديقة من هذه الأزبال .. - راكِمِ الأزبال قرب الباب، سيأتي عمال البلدية لنقلها في شاحنة . - أراكمُ الأزبال قرب الباب سيأتي ... قاطعه صاحب الفيلا بحنق : - لماذا تردد كلامي بهذه الصورة ؟ - لأحفظه جيّدا يا سيدي . - حسنا . حسبتك تتهكم عليّ . - كل الذين يشغلونني يظنون بي ذلك، و يلومونني. - لا بأس .. لا بأس .. معذرة . قل لي كم تطلب كأجرة لهذا العمل ؟. - لا أعرف الحساب يا سيدي . - لا تعرف الحساب !؟. - و لا فكّ الحروف أيضا . - لماذا لم تتعلم إذن ؟ - و لماذا أتعلم ؟ - لتعيش حياة طبيعية . - أنا أعيش حياة طبيعية . - كيف ؟ - أعمل عند الناس فيعطونني أجرتي . أدسّها في جيبي بعناية مخافة اللصوص ، وعند وصولي إلى البيت أعطيها لزوجتي ، و هي من تقوم بالواجب . - أنت لا تعرف الأسعار إذن ؟ - و لا حتى سِعْرَ البصل. - ما اسمك ؟ - ينادونني بأسماء عدة . لا أتذكر إلا واحدا منها .. انتظر!. زمّ شفتيه و نظر إلى السماء واضعا سبابته على صدغه الأيمن، كأنه يضغط بها على زر التحكم في ذاكرته .. و بعد برهة صاح فرحا : - أبو غفلة.. أبو غفلة .. أشار إليه صاحب الفيلا ليبدأ العمل ، وتابعه بعينين مشفقتين . رآه يعمل مثل جاموس آسيوي في مِرَزَةٍ ضحلة . و تمتم " هنئتَ يا أبا غفلة ".