أسافرُ في الأفق بلا رغبة واضحة .. الصّبار يُنيخ بأشواكه ليس على قلبي فحسب، وإنما على ما خلّفته الأيام من هذا الجدار المتآكل وتلكم الأحجار المتدلية في استسلام على الخراب .. النسيم ! لم يعد هناك ما يدعوه للتحمّس والانسياب بيننا مرفرفا بالأمل والارتياح بل إنكَ لَتُحِسّ به لافحاً يتغلغل في الأعماق بفتور .. أرى السيارات كدأبها مسعورة مجنونة ككلاب الحراسة، والشُّخوص هنا وهناك خنافسُ ضالةٌ تُتعبُ نفسها بنفسها .. ما كان للصخب أن يُلجم فاهُ وهو يستقبل عقولنا المحمومة ..أَجَلْ .. ما كانَ له وما كانَ .. وأنا .. ؟؟ لا أفهم لماذا أُغالط الشمس في وضوحها وقد قيل قديما: وليس يصحّ في الأفهام شيء * * * إذا احتاج النهار إلى دليل!
لماذا يُراهن العقل دائما على ما لا يقدر على إبقائه ؟ لا ضير .. الآن عزمتُ أمري ودخلتُ في سجال مع النفس؛ سأمضي ولا عودة .. فوووووو..ووو سأحلق كالذبابة ففوووووووو..وو.. كان أستاذي يقول : الغيوم التي تحجب الشمس لا تدوم طويلا، ربما يكون محقا لكن دنياي لا شمس فيها ولا تدوم ! وماذا بعدُ ..؟ وبعدُ ماذا..؟ رَدَدْتُ بصري -المنفلت مني- من عالم مدلهمّ، وعدتُ أنظر إلى ما حولي، نظرتُ إلى الساعة، مرتْ ساعة من الزمن وأنا ماثلة كالصنم أمام المرآة أداعب في شرود- وكأي أنثى مغرورة بوهمها- خصلاتٍ كلحاء الشجر، وأسوّي الشال بين نهديّ، وأستسلم لنسيم بارد يهدهد شعورا بالخيبة في صدري.عدتُ إلى النافذة والظلام في الخارج كأنه بطن أفعى، تنهدتُ تنهيدة المساء ساعة إطلالته بالغروب،كان العقل يهدر في رحى الفكر بلا هوادة وقد تأكد لي أنني خارجة من ذاتي تماما.أخذتُ ورقة المذاكرة من جديد ثم تأملتها في شرود جديد .. أغمضتُ عينيّ ثم فتحتهما وبصري مُنهار هذه المرة في الغد .. ابتسمتُ بامتعاض ثم أطفأتُ المصباح وأنا أتمتم : - يبدو أنني سأسقط كالخنفساء المتعثرة في قارعة الطريق أو الساقطة في حفرة أو شلاّل .. ولكن لا بأس ..