لم يكن مطرا ما تساقط , رغم ان حباته المتناثرة انفجرت على الارض حين سقوطها الا انه لم يكن برداً كذلك . واذا بشدّة العصافير المتنازعة طمعاً بالفوز بقلب عصفورة متحيرة اي الطالبين جناحها تختار و الكل مستعد للموت لأجلها و نيل رضاها فلا يحق لقلبها الخافق ان ينال مراده فعرف الجُنيّنة يفرض الجدارة بالقوة و الضفر لا الاختيار .. كانت زقزقة العصافير المتكتلة تملاء المكان هرجا مبهجا فتهزُ اغصان التوتةِ بهمجية العاشق و وثبة الرُبان فترجمنا حبات التوت المتساقط عنوتًا فكنا كشيطان رجم بتوت .. و اذا بنعقةٍ دنست عذرية المكان فتساقط التوت مغشياً عليه كما لو ان الشجرة بهتت قواها فما عادت قادرتُ على الامساك بحباتها مدلاتٍ باغصانها الغضة .. فذبُلت فروعها استحياءاً لما حل بظلها الذي اشمسهُ تساقطٌ سبق الخريف .. واذا بعصافيرنا المبتهجة تولي الدُبر الى مكان لاغراب فيه تاركةً ظل التوتة و اغصانها تحت قبح حشرجة الغراب و دنس اقدامه المعفرة بوحلٍ اسودٍ و فمٍ بعبق المراحيض فكان جيفة بجناحين او ربما مومياءا بعثت من جديد .. لم اسمع يوما ان في الجنةِ غرابانا .. بل اطفالا بأجنحة و ولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون , و على الرغم من ان احدا لم يذكر ان فيها عصافيرا الا اني ايقنت وجودها مصورا بخيال طفل حالم الوانها الزاهية .. تسائلت فجرني فضول اقدامي الى عجوز يركنُ نفسهُ في زاوية ديرٍ كطل متكئ على حائط بانت لبناته المسودة من البخور و سيكار الانتظار لمستفتٍ بأمر .. لم يكن يُرى من ذلك الجليل الا بقايا ملامح اشبه بصورةٍ خفية في دينار , و عندما اقتربت بحذر ما بين الخشية و الهيبة ادركت وجنتين التصقتا داخل فم موحش .. الا ان تجاعيدهُ و السنون كورته حجرا سنّد على حائطٍ متهالكٍ و عين الحرباء تدور متفحصةً كمجس قُبيل النطق ما اريد .. فأجابني قائلا بعد سؤال سبق بصوت مذياع على غير موجته ان لم يكن في الجنة غراب فبأي الاجنحة نزل "ادم" , و بأي صوتٍ اغوته بالتفاحة .. و بما اني ابن الرافدين ضننته عالما .. فهكذا قومي يضنون وانا منهم بأن كل كهل عارف و كل ذي لحية حكيم .. فبنيت على ذا القول ان ما حل في الوادي غوايةٌ و ما انزل الناس الى حضيض الفتن و القيل اجنحة البين و حشرجتُ غراب . تلك التي اقصت عصافير الجُنيّنة ذاتها هجرت طيور العراق واهله في قلب الربيع بعد ان ذبلت افرع سدرتنا و تساقطت اوراقها لما دنست قدسيتها اصابع موحلة بالحقد و الخيانة و المصلحة في بيتنا لم ينعق غراب الجنينة و انما عزفت غربان بعد وفودها من كل حدب و صوب سينفونيها المشؤومة بالوانها و اصوتها المسخ محولة دار السلام الى وادي السلام مقبرة ينافس الحي فيها الميت على موطئ قدم .