المصادقة على 216 نصا قانونيا خلال سنة 2024    الغموض يحوم حول مصير اشتراكات وتعويضات 3 ملايين منخرط سيتم ترحيلهم عنوة لنظام AMO الحكومة صادقت على نسخة معدلة تضحي بمنخرطي كنوبس مقابل إنقاذ التعاضديات من الانقراض    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    لقاء يجمع وهبي بجمعية هيئات المحامين    هولندا.. إيقاف 62 شخصا للاشتباه في ارتباطهم بشغب أحداث أمستردام    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    امستردام .. مواجهات عنيفة بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين (فيديو)    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



افتضاح

يثور غاضباً في وجه سحنته المُتجعِّدة أمام المرآة، تكاد سباته المعقوفة إلى الجهة اليمنى أن تلامس أنفه:
أنا من أنا، أقف عاجزاً لحد الهزء بين حُثالة هؤلاء القرويين .
يَرتدُّ إليه صوته المنحبس في جوف محاصر بحموضة مقززة، كم نصحته زوجته بقلع أسنانه :
هذه الرائحة الكريهة، لن تزول إلا بتغيير الفم المُسوَّس حتى ضرس العقل.
في المدرسة الابتدائية التي ودعها غير آسفٍ على طرده لغير رجعة, لقّنوه مفردات الكرامة والعزة والإباء وما جاورها, فظل يربطها بهذا الأنف اللعين، تحسَّسه، لم يشعر بأدنى أسف على تضييعه لتلك القيم منذ تولَّى رئاسة المجلس البلدي بالاسم، حتى الحزب الذي زكَّى ترشيحه باسم شعارات أدبياته، لم يعُدْ يقبل العمل بها في الواقع، لمس حرج الإخوان من التعرُّض لما كان يُسَمَّى إلى حين، بالمبادئ الحزبية في أوَّل لقاءٍ بالزعيم القائد .
غطَّتْ بدانته أمام اللوحة الزجاجية على ما خلفه، فلم يلمح وقوفها مشدوهةً تعاين الرجل مُكلِّما نفسه، للمرة الثانية، تضبطه في حالة تلبُّس، لن تحاول إيقاظه من غفْوته، سوف يتهمها بالتوهم :
إنما يتهيأ لكِ أنني أُكَلِّم نفسي، انسحبتْ وهي تلعن هذه الانتخابات التي تُوَسِّخ بني آدم لهذه الدرجة.
استعاد تثبيت هيأته أمام تماوج جسد تحركه الأضواء الباهتة، مصطنعاً وقار الناس الكبار، تذكّر نداءِ زوجته للالتحاق بالعشاء، فانتابه شعور بالطمأنينة من عدم متابعتها لحواره الأطرش.
ما زال يتساءل عن رأيها الحقيقي فيه، ماذا كان سيكون تعليقها لو حضرت تلك الجلسة المغلقة؟ وهو يخطب بصوته الجهوري في زبانيته، علَّهُ يُحَمِّسهم لمساندته المطلقة، في قرار طرد السكان من ضاحية المدينة، استوقفتْهُ العبارةُ السحرية التي أوعز له بها شريك كان رفيقه قبل قلب المعطف: إنما يتعلَّق الأمرُ من قبل ومن بعد بالصَّالح العام، ابتسمَ، نفس العبارة قالها السيد الوزير في معرض تبريره لانتزاع أكبر مساحة خضراء من الجماعة، سوى أن الوزير تحدث عن المصلحة العليا لهذا الوطن، تحسَّس قطرة دافئة من الخجل تتسلَّل عبر عموده الفقريّ إلى مؤخرته، حدة التصفيقات التي أعقبتْ خطبته العصماء، زادت من تعميق شعوره بمرارة الانتكاس، هل نسي أنه كان في يوم جمعة؟ قادته قدماه إلى الحانة المعهودة، شرب حتى سكر، ثم أخذ في لعن كل الذين سلبوه آخر ذرة حياء من نفسه، فقد أُلْحِقَت الأرض بالمدار الحضريّ, قبل أن تمرر للاكتراء أربعين عاما بثمن رمزي، و كاتما غيظه على أهل العاصمة، يصفق كغيره للوزير.
تناديه زوجته للعشاء ثانية، كم تمنى لو أنها تصطنع رِقَّةً و لِيناً في ندائها عليه، قال لصديقه وهو حالة انفلات: لا يحسب سامعها إلا أنها عريقة في تدخين الكيف، صوتُها الأجشُّ أبعد ما يكون عن نغمات كاتبتي الخاصة, تُخيِّرني بين القهوة والشاي, قبل الانسحاب تاركةً وراءها خيالاتِ امرأةٍ تثير الحسرة على ضياع الشباب.
حين استيقظ هذا الصباح، تحاشى التقاء عينيهما, ما زال يؤرقه الافتضاح بين يديْها, هل صدقت أسطوانة العجْز المؤقت، حين برر لها الطبيب حالتي بانشغال الذهن في متاهة مسؤولية هؤلاء الرعاع؟ لعلها تشكو حظها من الحرمان، ثم يراوده إحساس بالخوف من إقدامها على اختيار طريق جارتها، يباغتها ممسكة بضفيرتيْها المُسدَلَتيْن على كتفيْن بارديْن، يمتعض، بعد عشر سنوات، لم يعرف البيت صراخ وليد، تبّاً لخالها المتفنن في الإقناع بالإغراءات، رغم رفض الزواج منه بِعلَّة كِبَر سنِّه، مملوحاً بدموع الحسرة على يتمها المبكر، سقطت في بركة الخجل البارد في عزِّ الحرّ .
ليْتكِِ تدْعين لي بالنجاح غداً في إقناع السكان بالرحيل، تصوَّري، لم ينفعْ معهم التهديدُ باستعمال القوة العمومية والخصوصية. استقام في جلسته حول المائدة، كأنه يملأ فراغاتِ الصمت المعلَّق بينهما ببهرجة جسده الخشبي. تمنَّتْ لو أنه كان يُفكِّر فيها بقدر ما يفكر في تلك الأرض, يصدُّها بعنفٍ عن الاستمرار في الدفاع عن هؤلاء البسطاء، كلما فاتحته في الظلم الذي سيلحق بهم، ودونما نطقها بكلمة، قال كأنه يرد عليها:
ستقولين مثلهم، لا يُعقل ترحيلُنا ثانية بدعوى اختراق الطريق السيَّار للتجمع السكاني بالضاحية، ألم يفرضوا عليهم الارتحال عن الأرض الفلاحية بدعوى إقامة منطقة خضراء؟
قرَّبتْ إليه الصحن، نظر إلى تربُّع فخِذَي الحمامة التي أحضرها الخادم، استرق نظرة خاطِفة إليها، لعلها هي الأخرى سمعتْ من جارتها كما سمع، بأن في الحمام ما يقوى و يعيد الفتوة.
بسْمل ومدّ يده، وهو يحمد الله أنه الآن لا يرى وجهه في المرآة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.