معلق بين الحلم والتاريخ نمت على أصابعي وإلى أعلى.. أعلى.. كانت تدفعني الريح.. أشم رائحة الليل وأسمع صمت البيوت.. وكانت المقاهي تنفث آخر الزبناء والعشاق يضربون، هسما خلف أسوار المدارس، مواعيد الليلة القادمة ويتلاشون قبل نور الصبح مع أدخنة الفرن ورائحة الرغيف.. رأيت أمي تعد الشاي وخالي يحمل وعاء الماء ويسابق الإمساك.. ورأيت الخطايا تنزلق حافية من الشبابيك نحو المآذن.. وإمام المسجد يرفع سبحته متمتما ثم يجهش بالبكاء.. التفت فكان وجه سيزيف كمن اكتشف بعد رحلة العرق والتعب توأمه، يعانق وجهي.. كان يريد الكلام لكن الحجرة انفلتت من بين يديه، عض على شفته ولم يقل شيئا. نظرت إلى قدمي اليمنى.. تذكرت باولو كونتي* "آه كم من المسافات فيك يا نعلي" نظرت إلى اليسرى.. تذكرت عبد الله زريقة" رجلي يا رجلي يا قدم اللذة".. ألقيت برجل إلى خان الخليلي وأخرى إلى معبر رفح وبعين إلى بغداد وعين إلى بيروت وألقيت بأطرافي إلى دمشق ورأسي إلى غزة.. وكان وجهي في عدن يمضغ القات ويبحث في اليمن عن امرئ القيس.. في حضرموت كان التاريخ يمشي بين الناس والناس كانوا يعتصرون القول ويلوكون القصيدة.. وكان وضاح يسرع في الموت قبل عودة أبي الحسن المحضار.. صوّب سائح كاميراه فلطخ الدم وضوح الصورة.. ذهب السائح وترك خلفه أكوام لحم.. حلي نساء ودم وأمعاء تلاميذ المدرسة.. وترك جيش الله يلطخ وجه الله في حضرموت. سألت صديقي: كيف أفتح التلفزيون دون أن أرى أطفال العراق ودموع دجلة والفرات وشباب الرباط وشوارع غزة.. وساركوزي وكارلا بروني وكوندوليزا رايس وهيلاري كلينتون وباراك أباما.. أجاب صديقي: اخلع موصل الكهرباء وأشعل التلفزة. كان الشارع يضج بالنساء والصبية والباعة ومن المذياع كانت تنبعث أصوات الشيخات والجرّة *: "يقطع طلي جيت نطل جات عيني عل لقفل شفتو تاحبا.. شفتو ادخل هي هربت هو احصل"* نظرت إلى صديقي رفعت يدي إلى جمجمتي.. خلعت دماغي.. هذا اللعين الذي لا يكف عن اللغو والترهات.. وضعته في المُجمد.. وبدأت أرقص وأرقص وأردد: هي هربت هو احصل.. هي هربت هو احصل.. هي هربت هو احصل. فتحت عيني.. كان الصخب وعلى وجهي تدلت الوجوه والألسنة.. استفقت وكان صديقي يشد أصابعي بين يديه.. أخبرني بأنني بقيت على ذالك الحال لأيام وليال طوال حتى سقطت مغشيا علي.. *مغني إيطالي * الكمان * مقطع من أغنية شعبية مغربية