أقام المجلس الأعلى للثقافة مؤتمرا استمر أربعة أيام بدءا من الأول من نوفمبر تحت عنوان " ملتقى القصة القصيرة العربية الأول " . المبادرة جاءت من الكاتب والأديب العزيز خيري شلبي رئيس لجنة القصة بالمجلس . شارك في الملتقي أكثر من مائة قصاص وناقد مصري وعربي علاوة على كاتب ياباني واحد هو فوكودا يوشياكي المسعد الذي لم أفهم السر في دعوته ولا أدري إن كان قد حضر أم لا . في بيان المجلس جاء أن الملتقي يرمي إلي " إعادة الهيبة لذلك اللون الأدبي المميز ورصد حالة القصة القصيرة في العالم العربي " . وبهذه المناسبة طبع المجلس عشرة كتب ، بعضها جديد مثل " المشهد القصصي العربي " لمجموعة كتاب عرب ، وكتاب الصديق حسين عيد " القصة العربية القصيرة قضايا ورؤى "، وكتاب ملخصات للأبحاث المقدمة تصدرتها دراسة للناقد الكبير إبراهيم فتحي عن " مغامرات الشكل في قصص يحيي الطاهر عبد الله " ، وكتاب يضم تعريفا بكل مشارك ، وكتاب " ثقافة العنف " لأحمد عبد الرازق أبو العلا ، وأعاد المجلس طباعة بعض الكتب المهمة مثل " الأعمال الكاملة ليحيي الطاهر " و " القصة القصيرة في مصر " للدكتور شكري عياد، و" المفارقة في قصص يوسف إدريس " لنجاة على . لا أعرف لماذا لم يطبعوا كتاب يحيي حقي " فجر القصة "؟ . ويشير ذلك كله إلي عمل جاد وراءه جهد حقيقي . ولن أتوقف هنا عند جلسات المؤتمر التي تناولت نشأة القصة ، وأصول الفن القصصي ، والقصة والصحافة الأدبية ، والسرد القصصي في التراث، وغير ذلك ، فقط أود أن أنوه بما أعتبره إنجازا حقيقيا كبيرا للمؤتمر ، وأعني الكتاب المكون من ثلاثة مجلدات ضخمة وهو " من عيون القصة المصرية القصيرة " الذي اقترح فكرته أديبنا خيري شلبي وعكف عليه د. حسين حمودة . وأعتقد أن هذا الكتاب هو إنجاز المؤتمر الحقيقي ، أو على الأقل إنجازه الأول والأساسي ، غير المسبوق . أقول هذا لأن مهمة المجلس في اعتقادي ، وأيضا مؤسسات الدولة الثقافية ، هي بناء الصناعة الثقيلة في الثقافة وهو ما لا تقدر عليه مبادرات فردية . ويستطيع كاتب ما أو مترجم أن يقدم كتابا هنا أو هناك ، لكنه لا يتمكن من رصد أسماء الكتاب جميعا وتواريخ نشر القصص وغير ذلك . هذه المهمات الثقيلة هي مهمات مؤسسات الدولة الثقافية . وقد تصدى الكتاب الذي يدور الحديث عنه لمهمة من هذا النوع ، فحاول بابتكار وجهد خلاق بذله د. حسين حمودة أن يقدم لنا جدارية من أبدع ما يمكن لفن القصة القصيرة المصرية . أهمية الكتاب ليست في أنه الأول من نوعه فحسب ، لكن أيضا في أنه بعث تاريخ ذلك الفن السردي وأحياه ووضعه كاملا تقريبا ، متأججا بأرواح كتابه ، عبر أزمنة مختلفة ، في جدارية مشعة . في الكتاب سنجد من عهد نشأة وتأسيس ذلك اللون الأدبي قصة " في القطار " للعبقري محمد تيمور مؤسس القصة القصيرة ، وقصص لشحاته عبيد ، ويحيي حقي ، وطاهر لاشين ، ثم قصص من الأربعينات للشرقاوي وسعد مكاوي وأحمد رشدي صالح وغيرهم ، ثم من الخمسينات يوسف إدريس ولطيفة الزيات ومحفوظ ، ومن الستينات بهاء طاهر ويحيي الطاهر عبد الله ، والغيطاني ، وأبو المعاطي أبو النجا ، ومحمد إبراهيم مبروك ، والبساطي ، ثم تأتي القصة الرائعة التي كتبها أحمد هاشم الشريف في حينه وترددت أصداؤها طويلا بين أبناء ذلك الجيل ، أعني قصته " اللصوص " . وبعد ذلك تلمع أسماء جديدة ذات تأثير ضخم مثل المبدع محمد المخزنجي الذي قدم الكثير لاستمرار القصة القصيرة ، ومحمود الورداني ، وغيرهما ، وأخيرا تحل القطفة الأخيرة الجميلة التي تضم أسماء مثل منصورة عز الدين ، وحسن عبد الموجود ، وحسام فخر ، وحنان الديناصوري ، وآمال الميرغني ، وغيرهم . أهمية الكتاب المعنوية ليست فقط في أنه يضع أمامك كل تلك اللوحة بكل ثرائها وتموجها واختلاط أوائلها بأواخرها ، لكن في أنه يشيع ذلك الشعور العميق بأن هناك معنى واحدا عاما وضخما مثل جدار ، يترك عليه كل كاتب أثرا ، إما شمعة صغيرة ، أو مصباحا هائلا متقدا ، أو حتى تنهيدة أسى أو أمل خفيفة قد تزول مع الزمن . ينشر هذا الكتاب الجميل شعورا عميقا بأن كتاب القصة جميعا أبناء مهمة واحدة ، منذورون جميعهم من مختلف الأزمنة لفن أجمل وحياة أفضل . كنت أود أن أكتب أكثر لأقدم المزيد من الشكر لكل من ساهم في هذا الجهد ، لكن المساحة نفدت !