نظمت دار الشعر بمراكش ندوة حول "الشعر المغربي وأسئلة الترجمة"الجمعة 23 فبراير، احتضنتها المكتبة الوسائطية بالمركز الثقافي الداوديات بمراكش. وشهدت مشاركة الشاعر والباحث صلاح بوسريف والشاعر والمترجم نورالدين الزويتني والباحثة والمترجمة مليكة الوالي، الذين استقصوا العلاقة المركبة بين المنجز الشعري المغربي والترجمة. كما انفتحت الندوة على أسئلة راهنية اليوم، ترتبط في عمقها بأسئلة التحديث الشعري، أسئلة ترصد الى أي مدى استطاع منجزنا الشعري المغربي الانفتاح على البعد الكوني من خلال فعل الترجمة؟ كما توقفت مداخلات الباحثين عند واقع الترجمة في المغرب، خصوصا ترجمة الشعر المغربي وعبوره الى جغرافيات شعرية وثقافية كونية. وأشار الشاعر والباحث صلاح بوسريف، والذي شكل، ولا يزال، صوتا رصينا داخل المشهد الثقافي المغربي، في قدرته على الجمع بين تجربة شعرية خصبة وصوت الباحث والناقد الراصد لأسئلة الثقافة المغربية وقضاياها الجوهرية، الى ضرورة تحديد بعض المفاهيم والمداخيل الأساسية لمحور الندوة. إذ توقف بوسريف عند دلالات القصيدة والشعر والترجمة، مشيرا الى المأزق التي تقع فيه الترجمة كلما انتقلت من مجال الأدب الى الشعر، نظرا لخصوصية هذا الجنس المتمنع وطرق بنائه. كما توقف الشاعر والباحث بوسريف عند غنى التجربة الشعرية المغربية، وخصوبتها وهو ما يحتاج الى فعل مؤسساتي تستطيع من خلاله مراكز متخصصة في الترجمة الى نقله لثقافات أخرى. وذهب صلاح بوسريف، إلى أن الترجمة ليست شيئا يحدث بالصدفة، أو يتم اعتباطا. بل إن ترجمة الشعر خصوصا، إلى غير لسانه الأصلي، هو أولا أمر صعب، نظرا لطبيعة الشعر، ولما يحتمله من صور وتراكيب، وسياقات ثقافية وجمالية. فإذا كان متاحا فهم الشعر، بتعبير جان كوهن، فترجمته صعبة، لأننا نذهب فيه إلى "معنى المعنى"، وهو التعبير الذي ذكر بوسريف، أن الجرجاني سبق الحديث عنه، في سياق آخر. واعتبر بوسريف، أن من يترجم عملا شعريا ما، عليه أن يترجم أعمالا ذات قيمة شعرية، وفيها إضافات، لأننا حين نترجم إلى غير العربية، ينبغي أن نقدم للآخر شيئا مغايرا، لا يعرفه، لا أن نقدم له كلاما لا طائل من ورائه، وهذا ما حدث في أنطولوجيات الشعر المغربي التي ظهرت في لغات أخرى، فهي خضعت لمعايير لا علاقة لها بالشعر. نفس الشيء حدث في ترجمة دواوين، حين تقرأها بلغتها الأصلية، تتساءل، أين الشعر فيها لننقلها إلى لغة أخرى!؟ وهو ما سماه بوسريف ب"تبييض" الشعر أي بتهريبه من لغته الأصلية. واتجه الشاعر والمترجم نورالدين الزويتني، الجامعي والمنشغل بقضايا الترجمة وأسئلتها إلى جانب تجربته الشعرية المنفتحة على النص الشعري العابر للحدود، الى محاولة في تشخيص واقع الترجمة عربيا ومغربيا خصوصا في المجال الأدبي، ووقف على بعض الإحصائيات والتي تؤشر على الضعف الكبير، إن على مستوى العالم العربي أو من خلال النموذج المغربي. لينتقل الى محاولة تلمس الاجتهادات التي تمت خصوصا في ارتباط بالترجمة الى اللغة الانجليزية، مشيرا الى القصور الملحوظ في هذا الباب بحكم أن جل الاجتهادات تظل مبادرات فردية بعيدة عن أي دعم مؤسساتي. ليثير الشاعر والمترجم الزويتني ملاحظة مركزية تتعلق بضعف الاقبال على الترجمة، عموما، الى اللغة الانجليزية من عوالم ثقافية وأدبية أخرى. المترجمة والباحثة مليكة الوالي، الباحثة في الثقافة الشعبية والجامعية في مادة اللغة الانجليزية في جامعة القاضي عياض بمراكش، سجلت مند البداية إيجابية اختيار موضوع الندوة والخطاب النقدي الرصين الذي عبرت عنه المداخلات في محاولة لإنتاج خطاب جديد حول راهن الترجمة في علاقتها بالشعر المغربي. وركزت الباحثة على بعض النقط "التقنية" المفصلية، والتي تؤكد على خصوصية النص الشعري بفعل ما يطرحه هذا الجانب من اجتهاد مضاعف لطبيعة الشعر، صوتيا ودلاليا وتركيبيا ومعجميا، داعية الى مواصلة الجهود للخروج من الاشتغال الفردي، رغم أهميته، ومحاولة مأسسة فعل الترجمة كي تصل الى أهدافها المرجوة في انتقال التجربة الشعرية المغربية الى جغرافيات ثقافية كونية. وركزت أسئلة الجمهور الحاضر، من الطلبة الباحثين والشعراء والمهتمين، على محاولات تعريف الترجمة خصوصا في علاقتها بالشعر. كما توقفت المداخلات عند طبيعة النص الشعري ومحاولة انتقاله الى لغات أخرى. ندوة "الشعر المغربي وأسئلة الترجمة" أظهرت تعطش الجمهور الى فضاء للنقاش حول راهن الشعر المغربي الحديث، في علاقته بالترجمة وبفعل التلقي، وهي الحاجة التي شكلت دار الشعر في مراكش نموذجا حيا ومكسبا ثقافيا حقيقيا يوسع من هامش الاقتراب والانصات الى خصوصية المنجز وغناه، كما طالب الحاضرون الى تأسيس مركز للبحث والترجمة في المغرب كي يساهم في نقل التجربة الشعرية المغربية الى لغات أخرى، منوهين في هذا الباب الى ضرورة استغلال بعض الجوائز كي تصبح مرجعا لترجمة الأعمال الشعرية الفائزة. وتواصلتصباح يوم السبت 24 فبراير، بمقر دار الشعر في مراكش، فقرة "شاعر في ضيافة الأطفال"، وهي ورشة في تقنيات الكتابة الشعرية موجهة للفئات الصغرى والشابة والشغوفين بالشعر. وأطر هذه الورشة الشاعر والأستاذ الجامعي محمد مراح والذي واصل تقديم شروحات ضافية حول العروض كما دقق بعض الجوانب المتعلقة بالإيقاع والجملة الشعرية والصياغات انتهاء بتوضيحات همت بالخصوص التمييز بين البحور الشعرية. وخصص القسم الثاني من الورشة للاحتفاء بضيف فقرة "شاعر في ضيافة الأطفال"، الشاعر صلاح بوسريف، والذي تحدث عن تجربته في الشعر والكتابة واختتم بقراءة نص شعري من ديوانه "شرفة يتيمة".