بعد أن استوى مشروع التأويلية العربية على عوده، واكتملت جوانبه النظرية والتطبيقية عبر أعمال متعددة للباحث المغربي محمد بازي نذكر منها: التأويلية العربية نحو نموذج تساندي لفهم النصوص والخطابات- تقابلات النص وبلاغة الخطاب- نظرية التأويل التقابلي - صناعة الخطاب: الأنساق العميقة للتاويلية العربية – البنى التقابلية خرائط جديدة لتحليل الخطاب ، يواصل الباحث شق عباب البحث والاقتراح عبر كتاب جديد يحمل عنوان: " البنى الاستعارية نحو بلاغة موسعة" صدر الكتاب ببيروت عن دار ضفاف(لبنان)، ومنشورات الاختلاف(الجزائر)، ودار كلمة (تونس)، ودار الأمان(المغرب) في طبعة أولى أنيقة، ويتألف الكتاب إضافة إلى مقدمة نظرية وخاتمة جامعة، من ثمانية فصول يختم كل منها بخلاصات وامتدادات وتصب جميعها في مجال مشروع تأويلي موسع موضوعه الاستراتيجيات الاستعارية وهي على التوالي: الاستعارة استراتيجية خِطابية- توسيع مجال الاستعارات المنوالية - تحليل الاستعارة المنوالية- الاستعارات الافتراضية- استعارات التسمية والأسلوب- استعارة المفاهيم والنظريات- مفهوم النصتمثيلا- اسْتِعارَةُ الأَنْوالِ القَولِيَّة- وقائع تجربة تأويلية جماعية- استعارة الأنوال التأويلية ودورها في بناء الثقافة- بعد ان تحدث الكاتب في مقدمة مؤلفه لتحديد مختلف الروافد التي غذت المنوال الاستعاري، من خلال البحث عن أسئلة الاستعارة و تحديد مستوى تحقق فرضية المنوال الاستعاري في مشروعه التأويلي، عبر شقين اثنين، الأول تصوري ويقدم الإنجاز الاستعاري باعتباره فعلا استراتيجيا والثاني تجريبي وتقريبي. اتجهت الفصول الأولى لبيان الخاصية الاستعارية عند الإنسان بوصفه كائنا يستعير ويبني ما يُستعار؛ يستعير من اللغة، والثقافة، ومن كل الذخائر والمدونات المتاحة له لإنتاج مدونات وأنوال جديدة قابلة للاستعارة بدورها. وتنظر المقاربة المنوالية للخطاب على أنه مجموعة من البنى الاستعارية: لغوية وتصورية ومنوالية، يسعى التحليل إلى تتبعها وإبراز حلقاتها الظاهرة والخفية، ثم استقصاء معانيها ومقاصد توظيفها. معترفاأن النماذج التمثيلية المقدَّمة لا تحد كل الأشكال الاستعارية التي يلجأ إليها الإنسان في زمننا، وإنما هي تمثيلات للإمكانيات التي لاحظناها في الفعل الاستعاري المجاوز للاستعارة اللغوية التقليدية، والتصورية الحديثة، إلى الاستعارة المنوالية. وتوقف الكاتب - على سبيل التمثيل والبيان- عند استعارة الأنوال التأويلية لفهم الكتاب العزيز. ثم عند اغتناء الثقافة الإسلامية والعربية باستعارة الأنوال، والأدوات والمفاهيم، ونتاج العلوم الناشئة فيها، وتنقيل منوال التفسير الديني للشرح الأدبي، واستنساخ المحدَثين لأنوالهم التأويلية من القدامى، وغير ذلك من الحركات الاستعارية الكبرى التي كونت الذخائر المعرفية الواسعة في تراثنا التفسيري والأدبي والنقدي والفلسفي ... ثم يصل الباحث إلى خاتمة الدراسة معنونة ب: رؤيا التوسيع وتوسيع الرؤيا. حيث يضع أهم نتائج البحث والنموذج الاقتراحي لمشروعه التأويلي. لا يفوتنا أن نشير ونحن نقدم للكتاب إلى توضيح المبادئ والمنطلقات التي توجه التصور الاستعاريالمنوالي عند محمد بازي وهي: أ-تسمح دراسة الأنساق الاستعارية في الخطابات التراثية بتتبع حركية الأنوال، ومبادئ تشكل الفعل الاستعاري المنوالي في آفاق رحبة خارج دائرة الأدب والنقد والفلسفة والمنطق. ب-الاستعارة المنوالية حركة ذهنية تموجية لا حدود لها داخل الثقافة والدوال والنصوص والمعاني ، تقوم على مبدإ الحاجة الاستعارية ومبدإ الملاءمة والوظيفية ومبدإ الفعالية. ج-أصبحت الرسائل والخطابات ذات طبيعة موجية، ولذلك فإن قنوات التحليل الاستعاري ينبغي بدورها أن تكون ذات طبيعة موجية منتظمة تتميز بالتدفق والانسيابية والتغير والانفلات والاختراق. د-أدوات التحليل الاستعاري التقليدية يجاوزها الفعل الاستعاري التموجي الذي لا حدود له، وهو يتطلب تأويلية استعارية سريعة ودقيقة، فلم تعد الاستعارات حبيسة الكتب، أو الصور، إنها أصبحت جزءا من عالم يتغير بسرعة، وهي شبيهة بالأدوات ذات الاستعمال الوحيد، ثم ينقضي أجلها لتفسح المجال لأمواج جديدة من الخطابات الاستعارية. ختاما يحق لنا الاعتراف أن الكتاب يعد لبنة جديدة في الدراسات الحديثة للاستعارة بعد كل من كتابي: " لايكوف وجونسون" الاستعارات التي نحيا بها ترجمة عبد المجيد جحفة، و " مجهول البيان" لمحمد مفتاح. ولذلك يؤكد المؤلف أنه " لا تزعم المقترحات المقدمة – في هذا الكتاب - أنها جاءت بالقول الفصل في هذه المسألة، وما ينبغي لها ذلك، لأن الاستعارة ستظل متجددة الإشكاليات، فلأهل كل زمان استعاراتهم، ولكل تطور بشري نماذجه الاستعارية. وحسبنا أن نقدم تصورات تأطيرية، وآفاقا للاجتهادات التي يمكن أن يرتادها البحث بالمفهوم الموسع الذي نقترحه".