يحكى أن أحد المتخصصين والدارسين علم الخطاطة في عهد سقراط اكتشف أن لهذا الأخير من خلال خطه – نزعه نحو السرقة – فحنق تلاميذ سقراط بعد سماعهم لنتيجة الدرس وانتشار الخبر بيد أن المعلم "سقراط" طمأنهم وهدّأ من روعهم قائلاً لهم ما معناه: "إن أي دارس الخطاطة" على حق أساساً ولكني تغلبت على تلك الرذيلة بقوة إرادتي.." قبل أن نقول أن في كلام سقراط ما يثبت أن بإمكان الإنسان أن يتغلب بإرادة قوية على نزعة أخلاقية غير مستحبة أو حميدة في شخصيته سنتطرق إلى موضوع هام وهو عن الخط وكشف خفايا الشخصية أو "علم الخطاطة".. إن علم الخطاطة قد حُدد في الغرب كما يلي: " العلم الذي يسعى لمعرفة شخصية الفرد من دراسة خطه". والخطاطة تهدف إلى تحديد علاقة ما بين عناصر منظورة "الخط" وعناصر غير منظورة "المعطيات السيكولوجية".. ويعتبر المؤسس الحقيقي لهذا العلم في العصر الحديث هو "كريبيوجامان" على الرغم من أن "ميشون" هو السباق في هذا المضمار، وقد كرس كريبيو جامان حياته في البحث والتفتيش غائصاً في أسرارها محدداً آثارها وإطارها.. وقد وضع مؤلفاً جاعلاً منه نقطة انطلاق لمراقبة الأصول العلمية الصحيحة واضعاً بعض الملاحظات الأساسية متحفظاً تجاه نظرية "ميشون" المتعلقة بالإشارة الثابتة التي تتبدل وتتعدل تحت تأثير الخوف والبرد والتعب حيناً والفرح والترح أحياناً..، مؤكداً مثلاً أن الخطوط محددة ببعض الأجناس والتي هي.. الترتيب والسرعة والضغط والشكل والاتجاه والبعد والاستمرار وللتفصيل نقول: أ) الترتيب: يمكن للخط أن يكون ظاهراً إما غامضاً منسقاً أو مشبكاً مبوباً بهوامش كافية أو ملبداً، إن هذا النوع يتم عن طريقة تنظيم الكاتب في الزمان والمكان مع إمكانية تمسكه بالأنظمة والقوانين الأخلاقية والاجتماعية. ب) السرعة: التشخيص سهل جداً، فالخط السريع ينم عن عملٍ سريع والعكس بالعكس وعلى كل حال فالسرعة تعتبر من الإشارات التي تساعد على اكتشاف الأمزجة.. ج) الضغط: الضغط ينبي عن النشاط، الحزم، والميول المادية في هذا الجنس نجد الخط "النافر" الذي كثيراً ما ينم عن الاتصال بالآخرين والأشياء فيشير إلى حب الطبيعة والميل نحو الجمال، إنه من عوامل الوضع الجسدي والنفساني معاً.. د) الشكل: الشكل ينم عن الذكاء وإذ مع الإبقاء على إمكانية قراءة الخط يصار إلى إلغاء بعض التفاصيل في خط الأحرف، وبالتالي تخفيفها، حينئذٍ تظهر العبقرية بصورة جلية، فالخط ا لصريح المنسق يعني النظام والصدق والعكس بالعكس وإذا كان الخط مقرناً مقنطراً فينم عن واقعية في العمل، أما إذا كان مزوياً مزخرفاً فيعني نزولاً نحو البديهة... ه) الاتجاه الخط في اللغة اللاتينية يتجه من اليسار إلى اليمين ويبقى عمودياً، فالمتفائل وصاحب الحرية و الشجاع له نزعة الكتابة طلوعاً أما المتشائم والكسول والضعيف فالنزعة عنده نحو النزول ثابتة، ولكن يجب هنا الأخذ بعين الاعتبار السن والتعب والمرض، أي تلك الأوضاع غير العادية التي تحمل على خط كتابة نازلة.. إن الانحناء في عالم الاتجاه أيضاً له شرحه، فإذا اتجه يميناً يكون عائداً لشخصية دينامية تفكر بالغير وبالمستقبل.. وأما إذا كان مقلوباً نحو الوراء فإن الشخصية خائفة ضعيفة ومنكمشة على نفسها تتكل على الماضي. أخيراً الخط العمودي الذي يفرض الإرادة وحب الوصول.. ونذكر بهذا الصدد المتخصص السويسري "موريس دلامان" الذي ترأس جمعية الخطاطة سنيناً طوال والذي أضحى ثالوث الخطاطة وهو لا يكتفي بوصف طبع قابل يسعى للوصول إلى النفس في أعماقها بل كثيراً ما يلجأ إلى مفهوم الرمز بمعنى أنه يفكر هكذا: "إن الخط اللاتيني يتجه من الشمال إلى اليمين" خلاف العربي" وبالتالي يفرض حتمية التطور من الشمال إلى اليمين، فاليسار يرمز إلى الماضي والعائلة والأم، أما اليمين فيرمز إلى المستقبل والآخرين والأب من جهة أخرى، يأتي النور مع النهار من فوق والظلمة والأرض موجودة من تحت فالمنطقة العليا تمثل في الخط الفكر المتبادل "الله" والمنطقة السفلى تمثل المادة واللاوعي، أما وجودنا نحن فهو على مصلب الجهات الأربع..." و) البعد: الفرح يوسع الخط و الترح يزمه، إنه يفرض مقارنة بين عدة وثائق على كل حال إذ أن للاضطرابات النظرية والسن أكثر من تأثير في هذا المضمار مما يفرض معرفة البعد العادي لخط الكاتب وعلى هذا البعد يبنى مدى إنطلاق شخصيته وطريقة حكمه على نفسه فالخط الصغير ينم على دقة وسرعة وأما الكبير منه فعلى حب الظهور والتوسع.. ز) الاستمرار الاستمرار يبين نوع الطريقة التي تتبع للقيام بعمل ما فكرياً أم مادياً هل من عقلانية مبنية على منطق ضيق؟ أو هل من دعوة إلى الحدث؟ أما عند تطرقنا إلى "المواصفات" عند "هيغار" مثلاً فنجد أنه يمكن تلخيص نظريته بالنسبة للخط بالأمور التالية: - العمودي: غياب، تردد – ميل نحو الواقعية – إثبات للشخصية. - المنحني: غنى في الصور – حياة داخلية –مرونة. - المسنود: يفرض ذاته – نزعة نحو العب- سلطة – إرادة. -الخفيف: يقع تحت التأثير.. - السريع: حركة، طاقة محركة. - البطيء: نشاط متجدد، سيطرة ذاتية. - الصريح: حرية واقعية، سيطرة الفكر – ذكاء ظاهر... - الكثيف: سيطرة العاطفة – تعلق بالجنس. فيمكن القول إذاً بأن مجمل الخط ومستواه يقرران قيمة الجزئيات والمفردات، إنها طريقة التحقق "طريقة الجمع بين الصريحة والبغيضة" وهي الطريقة المنطقية التحليلية الفرنسية..
علم ثوابت الخط.. لقد أراد بعضهم ونحن من أنصارهم أن يجعلوا من "الخطاطة" علماً صحيحاً فأدخلوا فيها "القياسات" من أجل خلق ما سمي "بعلم ثوابت الخط" وهو علم بتطور مستمر، فالمحاولات الأولى كانت للعالمين "غوبنو" و"بيرون" اللذين أجريا الاختبارات على الأولاد لاسيما من أجل إعادة تربية "التفسير الكتابي" والطريقة ذاتها تستعمل لمعرفة تأثير الأمراض العقلية على الخط، كما وأن السيدة "ستين لفينسون" قد وضعت أوصلاً لقياس الخط صار ذكرها بوضوح في مجلة "جمعية الخطاطة" هذا مع الإشارة إلى أن في عالم الأمراض العقلية حقل تجارب في هذا المضمار لا يوصف. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخط يعطي في الأساس شكلاً يأخذ الأبعاد الثلاثة: العمودي والأفقي والعمقي، وهذه الأبعاد مربوطة فيما بينها بعلاقة دينامية هي حسب الظروف إما علاقة انقباض وإما علاقة توازن وإما علاقة انبساط.. وإن جميع الأصول المنبثقة في علم "ثوابت الخط تنطلق من علم "الخطاطة" ذاته، وهو لا يتنكر له بل يزيد عليه القياس و بالتالي يعطيه أكثر وضوحاً ليجعله أكثر صراحة.. ماذا يوحي لنا علم الخطاطة؟! يمكن أخيراً القول إجابة على سؤال ماذا يوحي لنا علم "الخطاطة" أن الإنسان كائن اجتماعي ومن أجل تحقيق التبادل خُلق الكلام ولكن إشارته أيضاً هي طريقة وصل وتبادل وتعبير وبما أن أساس تلك الإشارات هو الخط فإنه يدرس وفق طرق عديدة متكاملة فالأصول التحليلية تبين معالم أطباعه وأما الأصول التركيبية فتنبي عن شخصيته في العمق، وإذا كان الفكر يأمر الخط ويوجهه، فالعاطفة تقولبه، أما الفكرة فتجدده والوحي يخففه وهكذا تظهر الإرادة في المظهر المتوازن المتناسق. يمكننا تجاه ما ذكر القيام بتطبيق موضوعي لعلم "الخطاطة" وأن نردد بالنتيجة على إثر مؤسسها "ميشون" فتقوم بواسطة "الخطاطة" من أجل خدمة المجتمع في إنسانه فرداً وجماعات..