تلقفت منه الرسالة على عجل. تسللت إلى قلبه ابتسامتها الوردية الحبلى بالطيبة والحنان وقد ذكرته بابتسامة أمه. قبل أن تبارح دراجته النارية عين المكان، انتصب حاجباه واقفين فجأة لما انتفضت المرأة المقبلة على الخمسين. كان وقع الخنجر على قلبها أعمق... وكان طعم الغصة في حلقها أكبر... تسمرت في مكانها بعد أن مسحت بعينيها سطرا واحدا لا أكثر، وما كان ثمة أكثر من سطر. تدفقت الدماء صوب وجهها أكثر فأكثر، تهالك جسدها، وخرت الساق تلو الساق. قفز ساعي البريد من دراجته، وأسندها إلى سياج الحديقة. لم ينتبه إلى الزر الذي يجب الضغط عليه ليرن الجرس وقد تسابقت عيناه إلى الباب الذي قرعه بقوة، ويبدو أن الريح أوصدته. نادى ملء الصوت إلى أن سمع صوت لهاث يقترب شيئا فشيئا، وسمع أيضا وقع خطوات ثقيلة. انفتح الباب آليا، وتقدمت الكلبة المترهلة، تليها شابة فاتنة تستند إلى عكازين. حين عاد الساعي إلى السيدة التي خانتها قدماها، وجدها تحاول إخفاء الخطاب في يده. دفعه الفضول ربما أو القلق إلى فتح يده خلسة عن الشابة، فإذا به يقرأ: "تلقينا ببالغ الأسى نبأ وفاة المدعو (...) في حادثة على ميناء برشلونة. تعازينا".
ما أن رفع الساعي عينيه حتى صعقته الرعشة التي استقرت على ذقن المرأة وشفتيها: رعشة جاثمة توّجها تلألؤ سرب من الدموع التي أطلت من شرفتي عينيها قبل أن تمارس انتحارا جماعيا.