وسط حضور متنوّع من الأدباء والأصدقاء والأقرباء والمهتمين بشأن الثّقافة، تمّ عقد حلقتين أدبيّتين لإشهار وتوقيع الكتاب الجديد "نُعيْم بن حماد معارضًا للخلافة العبّاسيّة" للكاتب والنّاقد د. محمد خليل، وقد نظّم الحلقة الأولى د. محمد خليل، في بيته العامر في قرية طرعان، بتاريخ 10.11.2021، والحلقة الثّانية أقامها منتدى الفكر والإبداع، في المكتبة العامة في شفاعمرو، بتاريخ 13.11.2021. بعد أن رحَّب د. خليل بالحضور، قدَّم لمحة مختصرة تُعرِّف بالكتاب، وإضاءة أوّليّة على مضمونه، والظّروف التّي رافقت تأليف الكتاب إلى أن رأى النّور، وضرورة تكثيف هذه النّشاطات، دعمًا وتشجيعًا للمبدعين، وتشجيع الوعي القرائي وتذويته، لاسيما في ظل ما تشهده الحركة الأدبيّة والثّقافيّة المَحليّة من ركود وتراجع، فمثل تلك النّشاطات تتيح الفرصة لالتقاء المبدعات والمبدعين، بهدف التّواصل، وتبادل الرّأي بقضايا تهمّ الأدباء والحركة الأدبيّة المحلية، والمشهد الثّقافيّ المّحلّي. الشاعرة آمال عوّاد رضوان تحدّثت عن الكتاب وأهمّيّته في التّوعية وزعزعة الرّاكد، إذ يعكس ظروفنا الرّاهنة التّي ما زالت قائمة منذ أكثر من ألف عام، هذا وقد شارك الجميع وتفاعلوا بالنّقاش والمداخلات وإبداء الرّأي، وفي نهاية اللّقاء تمّ توزيع الكتاب على الحضور. في ما يلي أسماء الحضور والمشاركات والمشاركين في الأمسية: د. فهد أبو خضرة، عصام مخول، يزيد عواد، توفيق جبارين، جورج جريس فرح، نبيهة جبارين، نهاي بيم، موسى حنا، سعيد بدر، ناظم حسون، عبلة فراج، ناجي ظاهر، حسين الشاعر، حسن عيد عدوي، مها حنا، فاطمة عدوي، خالدّية أبو جبل، أمين خليل، د. ليلى حجة، غازي عدوي، الأستاذ نظمات خمايسي، إياد خليل، وفاء بقاعي عياشي، إقبال خليل، زينة فاهوم و آمال عواد رضوان. جاء في مداخلة د. محمد خليل: موضوع الكتاب هو توظيف الأدبيّ والدينيّ في السّياسي، ومقدرته كسلاح في محاولته تحقيق التّغيير الاجتماعيّ والسّياسيّ، معتمدًا على منهج التّحليل النّقدي للخطاب أو للنَّص الذّي يوظِّفه نُعيْم بن حماد، كما يطلعنا على مواقفه المحدّدة والواضحة من الدّولة العبّاسيّة، من خلال كتابه الموسوم ب (كتاب الفتن). كما هو معروف، لا يمكن فصل العنصر السّياسيّ عن العنصر الاجتماعيّ، أو الدينيّ، أو الثّقافيّ أو الأدبيّ، فجميعها متعالقة بعضها ببعض، والعلاقة بينها جميعًا كانت وما زالت علاقة جدليّة بامتياز. إنّ الأدب نسيج لغويّ بما يملكه من وسائل تعبيريّة، وأخرى تصويريّة متعدّدة يمكنه أن يؤدّي دورًا إبداعًّا فاعلًا، لاسيما في غياب الحياة السّياسيّة الصّحية، وما يرافقها من وسائل منع وقمع وتقييد، فكلّما ازدادت حدّة القمع والملاحقة، وكلّما ضاق أفق الحرّيّة، ازدادت الحاجة إلى الإبداع! أو كما يقال: "الحاجة أم الاختراع"! ما يدفع المبدع إلى أن يلجأ إلى النّص، وكذا كلّ فنّان آخر، فقد يكون الأدب والأديب مولودين شرعيين للواقع وللمجتمع، ضمن إطار زمكانيّ محدَّد، وهو ما يجعل الأدب أفضل وسيلة، وخير مقياس للمتغيّرات أو التّقلبات التّي تطرأ على المجتمع، الأمر الذّي يمنح الأدب دورًا فاعلًا في حياة مبدعه وحياة المجتمع، وفي إمكانيّة تحقيق التّغيير المنشود، فالوجود حركة لا تعرف التّوقف تمامًا، مثلما هو النّهر في جريانه هي الحياة. جاء في مداخلة آمال عوّاد رضوان: ميزان الحقيقة بين كفة التّفكير وكفة التّكفير! ليس سهلًا أن يحاول أحدهم الخروج على السّلطة، وإماطة اللّثام عن الحقيقة دون تصادم، أو تفاقم أو إعدام، أو دون التّعرض للعنة المطاردة، والمراقبة، والسّجن، والنّبذ، والنّفي، واللإقصاء، والتّغييب، والتّنكيل والتّكفير كوسيلة قمع للمعارضة، أو حتّى التّصفية النّفسيّة والجسديّة، فكم بالحري إن أراد مبدع أن يواجه أوصياء على رؤيةٍ مقدّسة، أو يعارض نظامًا سياسيًّا دينيّا وعبّاسيًّا وهو في أوجِه؟ كان نعيم بن حماد سنيّ المذهب شيعيّ الهوى، يميل إلى علي بن أبي طالب، ويُفضّله على عثمان بن عفان، وقد قال سارتر: "الكلمات مسدّسات عامرة بالقذائف، فإذا تكلّم الكاتب، فإنّما يُصوّب قذائفَهُ نحو الخصم"! فللكلمات تأثيرٌ كبير بمدلولاتها الدّينيّة، والسّياسيّة، والاجتماعيّة، والثّقافية، وبشتّى أفكارها المتعالقة ببعضها على المدى القريب والبعيد في التّوعية، وبتبديل القيم الفكريّة، وبالتّغيير الاجتماعيّ والسّياسي. لقد ارتاى نُعيم بن حماد أن يوظّفَ الموروث الدّينيّ من الأحاديث النّبويّة المُكمّلة للقرآن، بكلّ أبعادها الدّينيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة، كوسيلة ومحرّك ناجع في التّخفيف من المعاناة، فهي السّلاح الأقوى، ولها السّطوة في اختراق جُدُر المؤسسات السّياسيّة الحاكمة بقالب وغطاءٍ دينيّ، وفي مواجهة أنظمتها وأجهزتها الرّافضة للتّعدّدية، والّتي اتّخذت الشّريعة الإسلاميّةَ معيارًا أساسيًّا في تسويغ وجودها وأفكارها، إذ إنّ هذه الأحاديث النّبويّةَ لها خاصّيّةِ إقناع الجمهور من جهة، وتساهم في زعزعة الدّولة ومواجهتها، وفي مناكفة الاتّجاهات الفكريّة المختلفة من جهةٍ أخرى، لأنّها تعتبر مصدرًا موثوقًا حثّ القرآن على قبولها وطاعتها الواجبة، فهي مرجعيّةٌ أصليّة، لها دلالاتها الثّابتة والقاطعة والحاسمة التّي لا يُشكّكُ في مصداقيّتها، مهما تعاقب عليها الزّمان والمكان، لِما لها من امتدادٍ تاريخيّ ودينيّ في الوعي واللّاوعي الجمعيّ للمجتمع. وما أشبهَ اليوم بالأمس البعيد، فهو واقع أليمٌ لا زالت الحكومات العربيّة تمارسه في تهميش المعارضين من الأدباء، وفي ترويع المفكريّن، وترهيب المبدعين بالقتل، وتهجير الأفكار وأصحاب العقول خارج أوطانهم، فنعيم حماد استبق الأحداث، ورامَ السّلامة كي يواجه الواقع، فهرب بفكره المناهض سِرًّا من بغداد إلبن ى مصر لمدة 40 عامًا، وضمَّنَ "كتاب الفتن" دوافعَه وأهدافه بموضوعاتٍ جريئةٍ، مناهضة للخلافة العبّاسيّة، ولانحراف الخلفاء العبّاسيّين عن شعارات الثّورة البدئيّة، وتناول القمع، والقهر السّياسيّ، والنّفي، والاغتراب بأشكاله المتعدّدة، وتطرّق إلى تهميش العنصر العربيّ، وسيطرة السّلطة العجميّة من الفُرس والأتراك. أصرّ نعيم بن حماد أن يكون ناقدًا متمرّدًا صاحب موقف، وأن يسلك الطّريق الصّعب، معتمدًا على روح الحديث النّبوي، إذ "أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائر"، فكتب بدمه سفر خلاص مجتمعه من السّلطان الجائر، وأمضى 7 سنين في سجن سامراء يتلقّى شتّى فنون التّعذيب، ثمّ قضى شهيدًا للحرّيّة عام 850م في خلافة المعتصم، "وقد أوصى أن يُدفن في قيوده وقال: "إنّي مخاصم"، فلم يُكفَّنْ، ولم يُصَلَّ عليه. البحث في هذا المضمار يتطلّب جهودًا كبيرة في التّنقيب، والتّحقيق، وبلورة فكرة موضوعيّة شاملة تعكس الظّروف متعدّدة الجهات، وذلك بسبب كثرة المصادر المُوالِية للفترة العبّاسيّة، وقِلّةِ المصادر المُعارضة، وذلك بسبب الخوف وسرّيّة الإصدارات من ناحية، وبسبب حرق المصادر المناوئة من ناحية أخرى، وهناك أسباب أخرى كثيرة. إذن؛ لماذا يدخل د. محمد خليل هذا المضمار الشّائك؟ هل بسبب استمرار محنة الثّقافة العالميّة منذ الأزل إلى اليوم؟ هل لأنّ الثّقافة وليدة بيئتها؟ هل يريد توجيه أنظار وألباب القرّاء والمُتلقّين إلى صُلب الواقع، ليحثّهم على التّفكير بالتّغيير الإيجابيّ في المجتمع؟