كانت هذه الآية الكريمة هي اشراقة فجر جديد .. اشراقة النور الاسلامي حيث نزلت في ليلة مباركةأسماها الله عز وجل ” ليلة القدر” فقال سبحانه وتعالي: ” انا أنزلناه في ليلة القدر”(القدر:1) ثم أخذ الله سبحانه وتعالي يبين فضلها فقال: ” وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر تتنزل الملائكة والروح فيها من كل أمر، سلام هي حتي مطلع الفجر”(القدر:2-5) ومن أجل هذا الفضل العظيم ، كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يستعد لها بالعبادة، ويهييء الجوالروحي المناسب لنزول الملائكة والروح والمناسب للسلام القلبي الذي هو ثمرة التوبة، والانابة،والتقوي، والذي هو اطمئنان النفس الي الله. وهي ليلة تتجلي فيها الروحانية بقراءة القرآن ، والصلاة، والذكر، وتنزل فيها الملائكة طائفة بالذاكرين،مستغفرة لهم، ومصلية عليهم ، ومبشرة لهم. عن أنس رضي الله تعالي عنه، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ” أذا كان ليلة القدر، نزل جبريل في كبكبة من الملائكة، يصلون ويسلمون علي كل عبد قائم أو قاعد ، يذكر الله تعالي”. ان أنوار المؤمنين المتبتلين في تلك الليلة، تتلألأ متألقة فيما بينهم وتمتزج فتجذب بتلآلئها الأرواح الملائكية، فتقترب من المتعبدين، فتزيد في الصفاء، فيكون انشراح الصدور، ووضع الأوزار التي تنقضي الظهور، ويكون غسل القلب بالماء والثلج والبرد، وتتوفر بكل ذلك وسائل التعرض لنفحات الله. ” ان لربكم في أيام دهركم نفحات ، ألا فتعرضوا لها ” وليلة القدر من نفحات الله التي يستجاب فيها الدعاء، وتغفر الذنوب للتائبين المنيبين ، وهي في أوتارالعشر الأواخر من رمضان. ولقد أخفي الله سبحانه وتعالي تحديد ليلة القدر لحكمة هي: احياء عدد من الليالي في طاعة الله، التماسا لها ، أما هذا الذي وهبه الله التوفيق، فأحياها ملتمسامرضاة الله فان الله يغفر له ما تقدم من ذنبه. والانسان الذي يسلم الاسلام الحقيقي الذي يرضي عنه الله، هو الانسان الذي كيف حياته لتكون قراءة باسم ربه خلقا وسلوكا. ولقد حرص الرسول صلي الله عليه وسلم طيلة حياته علي أن تستمر المنابع التي يستقي منها المسلمون صافيا صفاء مطلقا، وعلي أن تستمر القراءة ” باسم ربك” لا تستقي الا من المنابع الاسلامية الصافية. وأول منبع هو القرآن الكريم الذي نزل في شهر رمضان، وبذلك يكون شهر رمضان هو شهر القرآن،وقراءة القرآن فيه من أسمي القربات حيث الهدي والنور والتمييز بين الحق والباطل. وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم أن: ” أهل القرآن هم أهل الله وخاصته”. وعن جلاء القلوب قال صلي الله عليه وسلم: ” ان القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد” فقيل يارسول الله، وما جلاؤها؟ فقال: تلاوة القرآن وذكر الموت. ومن نفحات القرآن التدبر فيه ، وللتدبر صفات وشروط منها: 1- النية الخالصة لله سبحانه وتعالي 2- الدخول علي القرآن بتفسير طالب العلم المحتاج الفقير الي ما في القرآن. 3- الوضوء 4- صلاة ركعتين 5- جلوس بهيئة الصلاة وتفريغ المكان والذهن. 6- التخلية من علائق الدنيا 7- الشعور بالافتقار 8- الدعاء الي الله والطلب منه بالفتح فهو سبحانه خير الفاتحين 9- مقابلة الكلمات ببعضها في المواضع المختلفة 10- محاولة فهم اللفظ في سياق الآية. 11- المحايدة التامة 12- التوقف فيما لا نعلمه. ومع التدبر يشرق الفهم بأنواره، وهو أن يستوضح كل آية ما يليق بها، اذ القرآن يشتمل علي ذكر الله عز وجل ، وذكر أفعاله ، وذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام ، وذكر أحوال المكذبين لهم،وأنهم كيف أهلكوا ، وذكر أوامره وزواجره، وذكر الجنة والنار. فالقرآن ربيع المؤمن ، كما أن الغيث ربيع الأرض. وهو شفاء ورحمة للمؤمنين.. رحمة واسعة مستمدة من الرحمن تسع السموات والأرض. فلنتلمس ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، ونحييها ذكرا وصلاة واستغفارا وتدبرا للقرآن وتفهما لمعانيه ولتكون قراءتنا في هذه الليالي المباركة باسم ربنا حبا ومرضاة له وحده حتي نفوز بالمغفرة الكبري والرحمة والواسعة وبذلك نكون قد حققنا ما تهدف اليه ” اقرأ باسم ربك” من معاني وتجليات واشراقات بهدف الوصول الي العبودية الكاملة في هذه الليالي المباركة. د. ناهد الخراشي الكاتبة والمحاضرة في العلوم الإنسانية عضو الهيئة الإستشارية العليا مجلس علماء ومبدعي مصر والعرب