تجرد من فوطة الاستحمام التي كان يلفها حول خاصرته، دخل الفراش وعيناه تغرورقان بالدموع، قبل ذلك بساعة، دخل الحمام، سوى مفتاحي الصنبور البارد والساخن، وقف تحت الرشاش ، وبدأ شريط حياته يمر في كويرات الماء الصغيرة التي بللت عينيه، وتدفقت على وجنتيه الحمراوتين، لتهوي كشلال ساخن على الشفاه، وتعطي طعما خاصا يمتزج فيه المالح في طعم الدموع بالمر في طعم الذكريات، وبطعم الماء الدافئ المحايد. دخلت أميرة الغرفة في صمت رهيب، كأنها على موعد مسبق معه، خلعت ملابسها هي الأخرى واستلقت بجانبه، مر أسبوع وهو لا يجرؤ على النظر في عينيها، كلما التقت نظراتهما، طوى رموشه بسرعة خاطفة، وبكى بكاء الرجال. كانا ينظران إلى السقف صامتين كغريبين في رحلة عابرة، لم يجرؤ أحدهما على النطق بكلمة واحدة، وكأنهما مضربان عن الكلام. بعد مرور لحظات بطيئة، أزاحت عنه الغطاء، التصقت به حتى شكلا جسدا واحدا، استسلم لها كالمهزوم، وبدأ مرتبكا كأنه يفعل ذلك لأول مرة، رغم أنهما متزوجين لأكثر من عقد. أنجبا الابن البكر في العام الأول من زواجهما فملأ حياتهما سعادة وفرحا، بعدها بسنتين، أنجبا الثاني، و كان مختلفا عن الأول في كل شيء، كان الأول هادئا والثاني صاخبا، كان الأول يجلس النهار جله أمام التلفاز مفتونا بأفلام الكارتون، والثاني لا يحب الجلوس، يقضي وقته في نقل لعبه الكثيرة من غرفة إلى أخرى، حتى إذا اشتد به التعب ووجدته أمه نائما في ركن من أركان البيت، أخذته برفق إلى السرير كجثة هامدة، وفي اليوم الموالي ما تكاد الشمس أن تطل بعينها الناعسة، حتى يملأ البيت ضجيجا وهرجا. قال لها ذات مساء، عندما قررت الانقطاع عن تناول حبوب منع الحمل : ̋ ولدان يكفياننا، يا أميرة أنت تصرين على انجاب بنت، وكأننا نحن من يقرر جنس الجنين ، (متأففا) لا أعرف خاتمتها معك. ضحكت وقالت بغنج: - لقد وجدت الوصفة السحرية يا حبيبي. رد عليها متهكما: - وهل يحتاج ذلك إلى وصفات؟ - نعم يا حياتي، توجد في خبرات الزميلات، قد لا يعجبك ذلك ولكن... مقاطعا: - لا يعجبني ماذا؟؟ - أن تدعني أفعل بك ما يحلو لي في الفراش، أهيمن عليك وأستعبدك ليكون الجنين بنتا، إنها وصفة مجربة وفعالة. ̋مقهقها: - ها .. ها.. ها.. والله لا يفكر في شيء أحمق مثل هذا غير النساء، ربما قد أوافق، ولكن بشرط - قبلت كل الشروط. - شرط واحد فقط، إذا أتيتني بولد ثالث سيكون الأخير، فأنا غير مستعد لمجاراتك في هاته الحماقات. نطت فوقه كقطة مرحة، انهالت عليه بالقبلات، أمسكت ذراعيه بإحكام، وفعلا أشياءهما المشتهاة، استرخى ونام في حضنها كما كانت تنام دميتها المفضلة، حتى الصباح. قالت لها أمها وهي تدهن لها شعرها الكحلي اللامع بزيت " ارڭان" ذات صباح، بعد أن أصرت أميرة أن تعرف كل تفاصيل يوم ولادتها: - كانت رغبتي ووالدك يا أميرة لاتقدر بمقدار في معرفة إن كان المخلوق في بطني بنتا أو ولدا. قصدنا الطبيب ، ونحن على شوق لمعرفة النتيجة، كانت خيبتنا كبيرة عندما قال لنا الطبيب وهو ينظر إلى الصور التي التقطها لبطني بالماسح الضوئي. أنه لا يستطيع تحديد جنسك لأن وضعك كان لا يسمح بذلك . انتظرنا تسعة أشهر بالتمام، حتى جاء يومك، أخذت جرعة من الهواء ثم واصلت: - أتذكر كل التفاصيل يا أميرة وكأنها البارحة. كان أبوك واقفا أمامي في غرفة الولادة يترقب القادم من بين فخذي، وأنت تنسلين كالحلزون من قوقعته، قال لي بعدها : - كم كنت أتمنى لو خرجت الشيطانة من رجليها لتقصر علي عذاب الانتظار قهقهت وأضافت: - كان المخاض عسيرا، والوجع حادا، كانت رغبتي جامحة في أن أضمك إلى صدري، هكذا. ضمتها إلى صدرها بحنان وطبعت على وجنتيها الخوخيتين قبلة صغيرة. كانت أميرة ذلك الصباح الباكر، تملأ غرفة الولادة بالصراخ والقابلتان تصيحان لتشجيعها: - ادفعي.. ادفعي.. وهو يشد على يديها ويقول: - ادفعي يا أميرة ادفعي.. صرخت صرخة مدوية ردت صداها جدران الغرفة، ثم لفظت ما في بطنها دفعة واحدة. اختطف المولود من بين أيدي القابلتين ليلقي نظرة على عضوه التناسلي، الذي كان يغطيه الحبل السّري، ثم صاح: بنت، يا أميرة بنت، انظري يا أميرة إنها بنت. نظرت إليه والعرق يتصبب من جبينها وبابتسامة شاحبة تكاد لا تظهر على محياها تمتمت: كنت أعرف ذلك وأغمى عليها ونامت ليلة كاملة. غالية هكذا سمياها، قبل الولادة بشهرين، بدآ يلعبان لعبة الأسماء كل ليلة قبل النوم، وهما في الفراش يتذكران الأسماء، تارة تصيح: - مارأيك في (….) ويصيح هو : - مارأيك في (….) حتى استقرا على (غالية). قال طبيب القلب لهما بهدوء مبالغ فيه : بإمكان غالية إجراء عملية جراحية دقيقة، ولكن ذلك يتطلب مبالغ باهظة والسفر إلى الخارج، وليس قبل أن تبلغ الطفلة عامها الخامس أو السادس، ذلك حتى تكبر وتتوسع شرايين قلبها لمضاعفة حظوظ نجاح العملية. مرت ثلاث سنوات وأسبوعان ويوم واحد وانطفأت شمعة غالية ذات مساء وهي في طريقها إلى المستعجلات.