تميز حفل افتتاح دورة 2011 لمهرجان سينما الشعوب بإيموزار كندر بتكريم مستحق للناقد الفني والباحث السينمائي والمسرحي الدكتور حميد اتباتو ، 47 سنة ، الذي تربطه علاقات إنسانية رفيعة المستوى بجل الفاعلين المغاربة في حقول الثقافة والإبداع الفني ، وذلك اعتبارا أولا لكونه نموذجا مثاليا للباحثين الأكاديميين الجادين ، غزيري الإنتاج ومتنوعي العطاءات ، وثانيا لكونه نموذجا راقيا للمثقفين النزهاء المرتبطين بهموم البسطاء والمهمشين والمنسيين وثالثا لكونه نموذجا فريدا للمناضلين الجمعويين الذين يعملون بصمت وتفان ونكران ذات من أجل نشر الثقافة السينمائية في مختلف ربوع المملكة وخصوصا في المدن الصغيرة والمناطق المنسية ، عبر تأسيس أو المساهمة في تأسيس جمعيات ونوادي وملتقيات ومهرجانات سينمائية وغيرها . ويكفي ، لمعرفة قيمة هذا الباحث المغربي المتواضع ، التذكير بأنه صاحب فكرة توثيق اشغال الندوات واصدارها في كتب لاغناء المكتبة السينمائية المغربية والعربية الفقيرة في هذا المجال ، كما تشهد على ذلك تجربته المتميزة مع مهرجان سينما الشعوب ، الذي سيحتفل هذه السنة باصداره السادس الموسوم ب " الجمالي والاديولوجي في السينما المغاربية " ، ومع المهرجان السينمائي الجامعي بالرشيدية ، المتخصص في الاحتفاء بتجارب المخرجين السينمائيين المبدعين المغاربة أمثال داوود أولاد السيد ومحمد عبد الرحمان التازي ومومن السميحي وأحمد المعنوني والراحل أحمد البوعناني ... وتوثيقها في اصدارات سنوية . ان حضور الناقد والباحث والصحافي والجمعوي والمربي حميد اتباتو في ساحتنا الثقافية والفنية لا يمكن الا أن نفتخر به لأنه حضور كمي ونوعي في آن واحد ، سواء على مستوى الأسماء الابداعية التي حاورها في الصحافة المكتوبة عندما كان رئيسا للقسم الثقافي بجريدة " الأحداث المغربية " في سنواتها الأولى أو بعد ذلك في جرائد " المساء " و " أخبار اليوم " وغيرها أو في برامجه الاذاعية بمحطة فاس الجهوية ، أو على مستوى التجارب الفنية المغربية والعربية وغيرها التي ناقشها وحللها في مداخلاته وأبحاثه الجامعية وكتبه ومقالاته المختلفة . وسيتميز حفل افتتاح دورة 2012 للمهرجان المذكور بتكريم مستحق لوجه بارز من وجوه حركة الأندية السينمائية ببلادنا هو الجمعوي عبد الرزاق غازي فخر ، 69 سنة ،الذي يجتاز حاليا ظروفا صحية صعبة . فلا أحد يمكنه إنكار الدور الكبير الذي لعبه الرائد غازي الذي كان بمثابة دينامو الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب ، يتحرك ليل نهار ويتنقل بين مختلف المدن و القرى المغربية ويقوم بمفرده بتوزيع الأفلام على أزيد من تسعين (90) ناديا سينمائيا ، كانت في عصرها الذهبي تستقطب مجتمعة آلاف المنخرطين 0لم يكن غازي من الذين سجلوا حضورهم إسميا فقط في لوائح الأطر المسيرة لجامعة الأندية السينمائية وإنما كان مناضلا بكل ما في الكلمة من معنى ، على واجهات التدبير المالي والبرمجة وتوزيع الأفلام ، داخل المكاتب المسيرة لهذه الجامعة طيلة عقدين من الزمان ( 1973 1992 ) 0فلولا صبره وجلده وحنكته داخل العمل الجمعوي السينمائي الثقافي ، لما رسخت حركة الأندية السينمائية أقدامها في تربة حقلنا الثقافي ولما حققت إشعاعها الواسع الذي لم تضاهيها فيه سوى جمعيات ثقافية وفنية كانت في السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي محسوبة على رؤوس أصابع اليد الواحدة 0 إن العمل التطوعي الجبار الذي اضطلع به الأستاذ غازي فخر عبد الرزاق إلى جانب فاعلين آخرين على رأسهم الأستاذين نور الدين الصايل وآيت عمر المختار وغيرهما هو الذي نجني اليوم ثماره المتمثلة في الحركية السينمائية التي تشهدها بلادنا منذ مطلع الألفية الثالثة بشكل خاص على مستوى إنتاج الأفلام وتنظيم التظاهرات السينمائية المتكاثرة سنة بعد أخرى 0 ولعل تكريمه لأول مرة في الدورة الثانية للجامعة الصيفية للسينما والسمعي البصري بالرباط في منتصف التسعينات من القرن الماضي ، ولثاني مرة في المهرجان الوطني للفيلم التربوي بفاس ، ولثالث مرة في المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات سنة 2008 ، والاحتفاء به كذلك في يوم السينما المنظم من طرف النادي السينمائي بكلية العلوم والتقنيات بفاس وبالدورة الرابعة لملتقى زرهون الوطني لسينما القرية ، الا اعتراف جزئي بخدماته الجليلة . فيما يلي تعريف بجوانب من مسيرته الجمعوية السينمائية : الأستاذ عبد الرزاق غازي من مواليد فاس سنة 1943 ، تابع دراسته الابتدائية والثانوية بمسقط رأسه ، وبعد ذلك التحق كموظف بادارة اعدادية " باب ريافة " ، عزيز أمين حاليا ، منذ بنائها سنة 1966 وظل يعمل بها الى أن تقاعد مع مطلع سنة 2004 . بتشجيع من أساتذته الفرنسيين بدأ غازي الشاب يرتاد القاعات السينمائية لمتابعة عروض " أصدقاء المسرح الفرنسي " و " معرفة العالم " والأندية السينمائية في السنوات الأولى لعقد الستينات من القرن الماضي حيث شاهد العديد من المسرحيات والأفلام الوثائقية والروائية ، ونتيجة لذلك استفاد سنتي 1963 و 1964 من تدريب خاص بمنشطي الأندية السينمائية نظم بالمعمورة وتم اختياره للسفر الى الديار الفرنسية لمزيد من التداريب . وفي سنة 1969 التحق غازي بنادي الشاشة بفاس ، الذي كان تابعا آنذاك للاتحاد المغربي للنوادي السينمائية مثله مثل نادي الشاشة بمكناس والنادي السينمائي بالرباط ، الذي كان يضم آنذاك الأستاذين نور الدين الصايل ومحمد الدهان وغيرهما كأطر مسيرة له . ومع مطلع السبعينات أصبح غازي عضوا بالمكتب المسير لنادي الشاشة بفاس ، الذي كان يعتبر من أقوى الأندية السينمائية بالمغرب لأنه كان يبرمج ثلاثة عروض سينمائية في الأسبوع ، الخميس والجمعة والاحد ، وبلغ عدد منخرطيه أكثر من 1500 منخرط ومنخرطة . وبعد تفكك الاتحاد المغربي للنوادي السينمائية في أواخر 1972 وبداية 1973 انعقدت عدة اجتماعات تمهيدية بين الممثلين المغاربة لبعض الأندية السينمائية ، تمخض عنها في مارس 1973 ميلاد " الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب " بمدينة الرباط برئاسة الاستاذ نور الدين الصايل . وفي هذه السنة تم أول لقاء مباشر بين غازي والصايل ، رئيس نادي الرباط آنذاك ، بحضور محمد الدهان والمخرج الراحل أحمد البوعناني وغيرهما . لقد حضر غازي اذن لحظة تأسيس " جواسم " بمشاركة أندية سينمائية قوية آنذاك كنادي الشاشة بفاس ونادي الشاشة بمكناس ونادي الشاشة بتطوان ونوادي الرباط وآسفي ومراكش وغيرها ، ومن ممثلي هذه الأندية تشكل أول مكتب جامعي كان من أعضائه الاساتذة نور الدين الصايل وغازي عبد الرزاق ومحمد الدهان وأحمد الغزالي ، رئيس الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري منذ تأسيسها الى حدود الاشهر الاولى من 2012 ، ... وتوالت المكاتب المسيرة ل " جواسم " وانضمت اليها أسماء جديدة من قبيل الأساتذة خليل الدمون ، الرئيس الحالي للجمعية المغربية لنقاد السينما ، وسعد الشرايبي وادريس اشويكة ، المخرجين السينمائيين ، وآيت عمر المختار ، مدير مهرجان سبو للفيلم المغربي القصير بالقنيطرة ، وبنسالم حبيبي و علي فرحات وغيرهم . شارك غازي ، كأمين للمال و مشرف على البرمجة والتوزيع وتنظيم التظاهرات ، في مكاتب الجامعة منذ تأسيسها الى حدود سنة 1992 ، وكان له دور فعال في لقاءات الجزائر ، يوليوز 1974 ، والمحمدية ، غشت 1974 ، وقرطاج ، أكتوبر 1974 ، التي تكللت بتوقيع وثيقة تأسيس " الاتحاد المغاربي للأندية السينمائية " . وبعد تجميد هذا الاتحاد لأسباب سياسية جاء لقاء السينما العربية بمكناس سنة 1976 ثم أيام السينما الافريقية بخريبكة سنة 1977 التي تحولت الى ملتقى فمهرجان لقي غازي في دورته 11 سنة 2008 ترحيبا وحفاوة قل نظيرهما من طرف أطر النادي السينمائي بخريبكة وبعض قدماء أطر حركة الأندية السينمائية بالمغرب اعترافا بما أسداه من خدمات جليلة لهذه التظاهرة السينمائية الافريقية منذ انطلاقتها الأولى . وفي فاس ظل غازي حاضرا في مكاتب الأندية السينمائية بخبرته وتجربته بدءا بنادي الشاشة ومرورا بنادي الفن السابع برئاسة الدكتور عزالدين الخطابي وانتهاء بنادي الركاب للسينما والثقافة برئاسة الدكتور حميد اتباتو.