في السابع من شهر يناير 2004 ومن مدينة أكادير تحديدا، أقرت الملكية الثالثة في المغرب بعد الاستقلال – وبدون أي مركب نقص – بأن النظام السياسي المغربي قد ارتكب أخطاء فادحة، بل وانتهاكات جسيمة في تدبير وإدارة الشأن العام بالبلاد. تم ذلك عبر تأسيس هيئة « الإنصاف والمصالحة » التي أنيطت بها مهمة تسليط الضوء على مصير ضحايا الإختفاء القسري والاعتقال السياسي وتعويض الضحايا أو ذويهم بغاية تحقيق الإنصاف والمصالحة. بناء مغرب جديد متصالح مع ذاته وقادر على استثمار مؤهلاته الحضارية والبشرية في تنوعها وتعددها واختلافها أيضا كان هو الهاجس الأول لملكية محمد السادس على ما يبدو، ذلك على الأقل ما يوحي به ترسيم الأمازيغية من طرف اللجنة المكلفة بتعديل الدستور سنة 2011 في ما يشبه امتدادا لتجربة « الإنصاف والمصالحة » عبر استلهام روح وفلفسة خطاب السابع عشر من شهر أكتوبر 2001 بأجدير. وبين النية في « إنصاف » الشعب المغربي و »المصالحة » بينه وبين النظام الحاكم وقعت أحداث ونوازل تشي بالنكوص وعرقلة أية مصالحة فعلية وحقيقية مع هوية المغرب التي طالها « التعريب القسري » لقرون عديدة. غير أن كل بوادر العرقلة و »الفرملة » لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تحجب حقيقة « ثورية » الإرادة الملكية في تحقيق « المصالحة الهوياتية » أمام « رجعية قوى النكوص » وجيوب المقاومة المتنفدة والمستفيدة من هذا « المسخ الهوياتي ». ومن منظوري الشخصي، واستنادا إلى المسار التاريخي للنزاع المفتعل والمعمر طويلا بالصحراء الغربية المغربية، أعتقد أن المغرب الرسمي بحاجة اليوم إلى التخلص -سياسيا – من العقد الثقافية لقوى النكوص الهوياتي التي ما تزال ضالعة في نسج بعض من سياساته الاستراتيجية، وذلك عبر إنتاج « ثورة ملكية » جديدة في تدبير المخزن لملف الصحراء. ثورة يكون مرتكزها الأساسي تحقيق « مصالحة » جديدة مع المجال الصحراوي المتنازع بشأنه مع جبهة البوليساريو ذات المرجعية « العروبية »، وذلك من خلال الاعتراف بالهوية الأمازيغية لهذا المجال وبإنصاف المكون الأمازيغي بالمنطقة سياسيا. وبعبارة أخرى يمكن الجزم أن أي حل واقعي يخدم المصالح القومية للمغرب لا يمكن تصوره دون إعادة صياغة تجربة جديدة للإنصاف والمصالحة مع أمازيغ الصحراء. تجربة ستنجحها عمليا مستندات التاريخ والطوبونوميا والأنثروبولوجيا ومختلف العلوم الانسانية، علاوة بالطبع على قوة وإرادة « الثروة البشرية الأمازيغية » بالمنطقة.