تجسد جائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية التقليدية (التبوريدة)، التي تقام دورتها ال 20 خلال الفترة ما بين 17 و23 يونيو الجاري بدار السلام بالرباط، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أروع اللوحات الفلكلورية لموروث حضاري أصيل. ويجسد هذا الحدث السنوي، الذي يروم الحفاظ على التراث المغربي اللامادي العريق، مدى العناية المتميزة التي لطالما حظي بها الفرس على مر العصور، والذي يجد صداه الواسع فيما يزخر به التراث الوطني من تقاليد أصيلة. كما أرست جائزة الحسن الثاني أسس الحفاظ على فنون الفروسية التقليدية وضمان انتقال مشعلها من الجيل الأول إلى القادم من الأجيال الذين يستهويهم ركوب صهواة الجياد، لاسيما في صفوف الشبان، بل والفارسات أيضا اللواتي اقتحمن مجالا كان فيما سبق حكرا على الرجال. ويذكر أن أول فرقة نسوية ‘للتبوريدة' بالمغرب تأسست سنة 2003 وتنتمي لإقليم الجديدة قبل أن تنضم إلى ركب ‘الخيالات' فرق نسوية أخرى أبانت عن علو كعبها في هذا الميدان، خاصة من أقاليم بنسليمان والمحمدية وإيفران والقنيطرة وغيرها، وهو ما يعتبر تجربة تأتي لإضفاء روح جديدة على هذا الفن الأصيل، لكن بصيغة المؤنث. ومن أجل إعداد الخلف، وحرصا على استمرارية هذا الموروث الثقافي الأصيل، خصصت الجامعة الملكية المغربية للفروسية مسابقة للفتيان الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10 و15 سنة، يتبارون بدورهم ضمن سربات تخضع للمعايير ذاتها المعتمدة في تنقيط الكبار. وقد تزايد الاهتمام خلال السنوات الأخيرة برياضة الفروسية التقليدية، من خلال تنظيم مسابقات وطنية سنويا لاختيار أحسن ‘السربات' وأحسن فارس وأحسن فرس وأحسن لباس (الزي التقليدي)، وكذا من خلال إقدام وزارة الفلاحة على تقديم منح تحفيزية لمربيي الخيول وتخصيص جوائز مالية للمشاركين في المهرجانات، إضافة إلى الجوائز المالية المخصصة للمتبارين في الإقصائيات الجهوية المؤهلة إلى جائزة الحسن الثاني التي تقام بمناسبة فعاليات أسبوع الفرس. وتتضمن منافسات الفروسية التقليدية عروضا تقدمها السربات، التي تتشكل كل واحدة منها من 14 فارسا وفرسا إضافة إلى ‘المقدم'، وتكون في غاية الانضباط لتنفيذ ‘التبوريدة' بكل دقة، على أن يتكلف ‘المقدم'، الذي غالبا ما يكون أكبر الفرسان سنا، بمهمة تنظيم وتحفيز فرسانه. يستعرض ‘المقدم' أو'العلام' قبل كل انطلاقة (محاولة) فرسانه، ويشجعهم من خلال ترديد الأسماء، وبعد ذلك تدخل المجموعة إلى ساحة العرض وتبدأ بتحية الجمهور (الهدة أو التشويرة). إثر ذلك، يعود الفرسان إلى نقطة الانطلاقة، حيث يصطفون في خط مستقيم في انتظار إشارة "المقدم"، لتنطلق الخيول في سباق بديع يبرهن خلاله الفرسان عما يتوفرون عليه من مهارات، سواء بالنسبة للسيطرة على خيولهم لإبقائها في الصف أو فيما يخص الحركات التي يؤدونها ببنادقهم، حيث يتعين على الفرسان أن يضغطوا على زناد بنادقهم بمجرد ما أن يعطي "المقدم" الإشارة لذلك، لأن نجاح ‘التبوريدة' أو ‘الطلقة بالبارود' رهين بأن تكون الطلقات في لحظة واحدة ومنسجمة. ويتم تنقيط السربات وفق معايير، يحددها الحكام التابعون للجامعة الملكية المغربية للفروسية، وتراعي الإنجازات التي يحققها فرسان ‘السربة' تحت قيادة ‘المقدم' والتعبير الحركي والتطابق الحركي الجماعي والسير بانضباط ووحدة حركة البنادق والطلقة الجماعية الموحدة ووحدة اللباس والسروج. والقاعدة الأساسية في مجال التعبير، هي جودة الفرق المتبارية، كل واحد حسب تقاليده وانتمائه لجهة أو ناحية، إذ يؤخذ بعين الاعتبار التنسيق بين فرسانها ودرجة التواصل والسيطرة على الجواد، بالإضافة إلى كيفية الركوب والهيأة العامة للفارس والجواد على حد سواء. ويحرص الفرسان على ارتداء الزي التقليدي الذي يتكون من ‘الجلابة' و'السلهام' و'العمامة' و'السروال الفضفاض'، ويتمنطقون بالخنجر ‘الكمية' فيما ينتعلون نعلين من النوع العالي. أما السلاح التقليدي لفنون الفروسية التقليدية، فيتمثل في البندقية المعروفة ب ‘المكحلة'، والتي تكون مرصعة بخطوط ونقوش متموجة، فيما تزيد السروج، التي تعهد بها العشائر المشاركة في هذا العرس لصناع مهرة يبدعون في تزيينها برسومات ونقوش مستمدة من التراث المغربي الأصيل، صهوة الجياد.