في قلب شمال افريقيا، وفي خضم النقاش والحديث عن عودة اتحاد المغرب العربي للواجهة، كتكتل إقليمي ظل يجسد الروابط التاريخية بين الدول الخمسة المؤسسة لهذا التحالف، برزت إحدى أكبر القضايا الوهمية التي كانت تداعياتها خطيرة على ملف الوحدة المغاربية خصوصا وأنها مست بشكل مباشر سيادة مملكة يمتد تاريخ حكمها ل12 قرنا، قضية الصحراء المغربية مثلت منذ حوالي نصف قرن أكبر القضايا الإقليمية المعقدة حسب توصيف المنتظم الدولي، والتي دفعت الجزائر لاتخاذ مواقف داعمة لعصابة البوليساريو سعيا منها لدعم انفصال الأقاليم الجنوبية الصحراوية عن الوطن الأم – المملكة المغربية الشريفة. إلا أن دعم الجزائر شكل موضوع سخرية وعبط على مدار سنوات لأنه تجاوز السياقات السياسية الحاصلة إلى استنزاف موارد الجزائر الوطنية خصوصا مع انتقال الميزانية العامة للدولة من سنة 1975 الى سنة 2024 لاعتماد رقم خيالي تجاوز 113 مليار دولار وهو ما يساءل الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية التي يعيشها المواطن الجزائري المغلوب على أمره، إن دعم الجزائر للكيان الوهمي البوليساريو بهذه المنهجية، بات يشكل في نظر العديد من الخبراء الدوليين شكلا من أشكال الاحتلال العكسي للأراضي الجزائرية، ومن الواجب اليوم أن يعلم الراي العام الدولي أن الجزائر ومن خلال سماحها لكيان البوليساريو بإنشاء مخيمات على أراضيها حيث يعيش عشرات الآلاف من الصحراويين في ولاية تندوف، مستحوذين على نحو 250 كيلومتراً مربعاً من أصل 159.000 كلم مربع من مساحة ولاية تندوف الخاضعة لنفوذ الجمهورية الجزائرية التي ومن خلال ما سبق يمكن ان نعتبرها دولة محتلة ومستعمَرة لأنها تنازلت فعليا عن جزء من سيادتها لعصابة ستطالب في المستقبل بحق شعبها في تقرير مصيرهم وهنا سينقلب السحر عن الساحر… عواقب اقتصادية وثقافية على الجزائر إن قراءتنا للوضع الحالي لا يمكن أن تقتصر على توصيف سطحي لكل الوقائع التي تتجسد وتتمثل تمظهراتها أمام الرأي العام الدولي، هذا الأخير الذي يرى أن هذا الوضع ليس مجرد أزمة لجوء، بل تحول إلى تحدّ يمسّ سيادة الجزائر على أراضيها فوق ترابها، إذ تسيطر جبهة البوليساريو بشكل شبه كامل على المخيمات في تندوف، مانعة الأجهزة ومؤسسات الجمهورية الجزائرية من بسط سلطتها الكاملة عليها بالرغم من الدعم السخي الذي تقدمه الجزائر لهذا الكيان، من خلال موارد مالية ضخمة وإمدادات لوجستية ودعم دبلوماسي على الساحة الدولية – قد يصل حد سرقة "بادج" رسمي لضمان التقاط صورة جماعية كما شهدت على ذلك العديد من المحافل الدولية وغيرها من السلوكيات التي لا ترقى لتطلعات الأداء الديبلوماسي الذكي والبراغماتي – فإن هذا المشروع لم يحقق أهدافه، بل أضحى عبئا يرهق كاهل الدولة والشعب الجزائري الصديق الذي وجد نفسه أمام سياسة لا تعود بالفائدة على تنميته الاقتصادية والاجتماعية. ومع مرور قرابة نصف قرن على هذا الوضع، بات واضحا أن استثمار الجزائر في الوهم لم يكن في صالحها، بل أفرغ خزينتها من الاعتمادات التي كان من المفروض توجيهها لصياغة سياسات عمومية تجيب عن تطلعات وحاجيات المواطنين خصوصا فيما يتعلق بالارتقاء بجودة القطاعات الحيوية والبنى التحتية… الدعم الجزائري للبوليساريو كرهان خاسر إن دعم الجزائر للوهم على مدى نصف قرن من الزمن، بات يُنظر إليه من قبل العديد من القوى السياسية العالمية كرهان لا يعكس أية رؤية استراتيجية. فالأمم المتحدة بدورها، ومن خلال قراراتها العديدة، تميل إلى دعم الحل السياسي في إطار الحكم الذاتي الذي اقترحته المملكة المغربية سنة 2007 بقيادة ملك البلاد محمد السادس حفظه الله، وهو بالمناسبة حل واقعي ناجع سيمكن الشعب المغربي الصحراوي من حقهم في تقرير المصير تحت السيادة المغربية. وفي ضوء ذلك، يظهر أن جميع القرارات الأممية اليوم تميل إلى إنهاء النزاع الإقليمي وإقرار السيادة المغربية على أقاليمها الجنوبية، سيناريو يضع لا محالة الجمهورية الجزائرية في وضع حرج سيتطلب منها اعادة ترتيب علاقاتها مع المملكة المغربية كما يستوجب معالجة الملفات العالقة التي ترتبت عن سياسات دعم البوليساريو منذ سنة 1975. الاحتلال العكسي للجزائر.. وجه آخر للأزمة الداخلية يمثل الوضع الحالي في تندوف نموذجا استثنائياً يعكس ويترجم احتلالا عكسيا ل250 كلم مربع من الأراضي الجزائرية، ومن المتوقع ان استمر الوضع على ما هو عليه ان تؤول هذه المنطقة بشكل رسمي الى عصابة البوليساريو وهو ما قد يفسر على أنه عصيان او تمرّد او خروج عن السيطرة سيسفر عنه استع(ح)مار عكسي سيجعل من سكان ولاية تندوف رهائن لدى قيادة عصابة البوليساريو، هذا السيناريو ينذر بتبعات خطيرة على الاستقرار الداخلي لدولة قوية اقليميا، خاصة إذا قررت هذه المخيمات تعزيز تواجدها السياسي والاقتصادي في المنطقة على حساب السيادة الجزائرية وهو ما يدفع نحو طرح سؤال جوهري في عمق القضية، إلى متى ستستمر الجمهورية الجزائرية في دعم كيان لم يجلب لها سوى العزلة الدبلوماسية، والضغط الاقتصادي، وتقويض سيادتها؟ هذا السؤال يضع الدولة الجزائرية حكومة وشعبا أمام مسؤولية تاريخية، فدعمها الطويل الأمد (نصف قرن) لكيان وهمي يجعل منها طرفا متورطا بشكل مباشر في قضية قد تُحلُّ قريباً لصالح المملكة المغربية. إن الجمهورية الجزائرية وشعبها الشقيق مطالبون بالقيام بمراجعة الاستراتيجيات التي ستسهم في تعزيز التعاون والتكامل الإقليمي بما يضمن قيادة دفة التنمية المشتركة الى برّ الأمان، فالمملكة المغربية التي دأبت على نهج سياسة اليد الممدودة لن تسمح للدولة الجزائرية بأن تظل معزولة دوليا مستنزفة بذلك مواردها وتضحيات شعبها، وفي ضوء ذلك يُنتظر من الجزائر أن تقوم باستثمار جهودها في مشاريع تنموية وسياسات خارجية تساهم في تعزيز استقرارها الداخلي وعلاقاتها الإقليمية. * باحث في الاعلام والسياسات الدولية