تتواتر في بلادنا منذ أسابيع مؤشرات أزمة اقتصادية واجتماعية ومائية أصبحت مع مرور الأيام واقعا معيشا في عدد من القطاعات وتمس بشكل مباشر أو غير مباشر ملايين المواطنين. بعض عناصر هذه الأزمة كانت متوقعة منذ سنة على الأقل: الارتفاع الصاروخي في أسعار عدد من المواد الأولية والمنتجات الغذائية والطاقية في الأسواق العالمية في سياق تزايد الطلب الناتج عن الخروج التدريجي لعدد من الاقتصاديات من أزمة كوفيد. وكان طبيعيا أن ينعكس هذا الارتفاع على أسعار العديد من المنتجات والسلع التي لا ينتجها المغرب مثل المحروقات وبعض المواد الغذائية. من المؤشرات المعروفة كذلك لهذه الأزمة : التعافي البطيء أو المتعثر لعدد من القطاعات الانتاجية من سياق الجائحة وعلى رأسها القطاع السياحي وعشرات المهن المرتبطة به بفعل توالي إغلاقات المجال الجوي لمواجهة المتحورات. ومما فاقم من آثار هذه العناصر المعروفة، عوامل لم تكن متوقعة رغم أنها ليست غريبة عن واقعنا ومحيطنا الدولي. منها موجة جفاف حادة يقول الخبراء إن بلادنا لم تشهد لها مثيلا منذ ثلاثين سنة على الأقل. فانحباس الأمطار لأسابيع طويلة عن جل المناطق الفلاحية والرعوية أثر سلبا على مجمل الأنشطة الفلاحية مما ينذر بموسم زراعي ورعوي سيء مع ما لذلك من تداعيات على تفشي البطالة واتساع دائرة الفقر والنزوح نحو المراكز الحضرية… كما أن التراجع المهول في حقينات السدود والتأخر الواضح في إنجاز مشاريع تحلية المياه ينذر بأزمة مائية وبيئية وشيكة. أما العامل الدولي فهو مرتبط يالتوترات الجيو سياسية وسط وشرق أوربا وفي الشرق الأوسط وبين القوى العظمى جنوب شرق آسيا وما سيكون لها من انعكاسات على ارتفاعات أخرى لأسعار الطاقة واضطراب الأسواق الدولية تموينا واستهلاكا. وبحكم ارتباط الاقتصاد الوطني باقتصاديات هذه المناطق الملتهبة، فالتأثيرات عليه حتمية رغم صعوبة معرفة حجمه الآن . ولئن كانت هذه الانحباسات المناخية والاقتصادية والدولية إما متوقعة أو مفهومة أو بنيوية، فإن من غير المفهوم هو صمت أو تجاهل النخب السياسية والاقتصادية المغربية لهذه التحديات. وهنا نقصد النخب بمفهومها الواسع. لقد كان من الأجدر مثلا أن تقدم الحكومة مشروع قانون مالية تعديلي يجيب على هذه الطوارئ ويقدم حلولا للمشاكل المستجدة. وكان ربما حريا بالمؤسسة التشريعية أن تقطع "عطلتها' بين الدورتين لمناقشة هذا المشروع في دورة استثنائية، كما يتوجب على النخب الاقتصادية أن تساهم في اقتراح بدائل عوض متاجرة بعضها في الأزمة، وهكذا ستفتح نقاشات عمومية في المؤسسات يصل صداها الى الاعلام العمومي والخاص فيحس المواطن أن هناك من يشاطره همومه ومن يفكر و يقترح الحلول لمشاكله ومن يقدم له تفسيرات لفهم عناصر الأزمة. من المؤكد أن الانسان يحتاج لحلول واجراءات عملية لمعالجة اختلالات جيبه أو انهيار محصوله أو عطش ماشيته. و في بعض الأحيان، يحتاج الانسان فقط لمن يحس به وبمعاناته. أما الاكتفاء أمام هذه الانحباسات بأدوار المتفرج أو الانتهازي أو المتشفي أو الكسول الذي ينتظر الاشارات فلن يفيد إلا في تأزيم الحال وتأجيل المآل وإعادة طرح السؤال: أين هي نخبنا؟ . *إعلامي مقدم برامج على قناة 2M