تداولت مختلف وسائل الإعلام الإلكترونية و الورقية مواضيع تخص إلغاء مجانية التعليم خصوصا بالنسبة للتعليم الثانوي التأهيلي و الجامعي، مما أثار استياء رواد مواقع التواصل الاجتماعي، و مختلف الفاعلين و المتدخلين في الشأن التربوي و التعليمي، و مما دفع بالنقابات التعليمية إلى إصدار بيانات استنكارية للتعبير عن رفضهم المطلق للمساس بالحق في التعليم للجميع، و لرفضهم للجوء إلى جيوب المواطنين و المواطنات لتمويل القطاع. تفاعل المجلس الأعلى للتربية و التكوين والبحث العلمي مع النقاش المثار حول مصادقته و تأييده لإلغاء مجانية التعليم، و أصدر بيانا ، يوم الثلاثاء 29 نونبر 2016، ليوضح رأيه الرسمي مما يتم تداوله، حيث أنه أشار إلى كونه خصص إحدى جلسات الجمعية العامة للدورة العاشرة للمجلس، المنعقدة يومي 21 و22 نونبر 2016، لإبداء رأيه في مشروع القانون الإطار لإصلاح المنظومة التربوية، بناء على طلب من رئيس الحكومة. وتمثل الهدف الأساس في التأكد من مدى مطابقة مقتضيات هذا المشروع لمضامين وتوصيات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030. و هو مشروع القانون الذي التزمت الحكومة بصياغته في إطار يكرس المبادئ والاختيارات الاستراتيجية للرؤية، وينص على رافعات الإصلاح المتضمنة فيها، بما في ذلك تمويل المنظومة التربوية وتنويع مصادره. كما ذكر البلاغ بما جاء في الرؤية الاستراتيجية بخصوص موضوع التمويل حيث تم اعتبار الإنفاق على المدرسة استثمارا في تأهيل الإمكان البشري وتنمية البلاد، فضلا عن كونه إنفاقا على خدمة عمومية، مع ملاءمة غلافه المالي مع الحاجيات المستقبلية للمدرسة، والاختيارات الاستراتيجية للمغرب؛ و أن تحمل الدولة القسط الأوفر من التمويل مع تنويع مصادره؛ كما أن ضمان مجانية التعليم الإلزامي، بأسلاكه الثلاثة الأولي والابتدائي والإعدادي، باعتباره واجبا على الدولة؛ والعمل على عدم حرمان أي أحد من متابعة دراسته بعد التعليم الإلزامي لأسباب مادية، إذا ما استوفى الكفايات والمكتسبات اللازمة لذلك؛ و في الأخير تفعيل التضامن الوطني والقطاعي في تنويع مصادر تمويل المنظومة التربوية، على نحو يمكن من إسهام باقي الأطراف المعنية والشركاء، ولاسيما الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص؛ والموارد الذاتية والمداخيل المحصلة من قبل مؤسسات التربية والتكوين والبحث. لم ينف المجلس من خلال هاته الفقرة كون أن التعليم لن يتم إلغاء مجانيته، و لا أنه من بين مصادر التمويل التي أشير إلى تنويعها ستعتمد على جيوب المواطنين، و على الزيادة في رسوم التسجيل بالنسبة للسلكين الابتدائي و الثانوي الإعدادي بحكم أنهما إلزاميان وأن الدولة تكفل حق المواطنين في الاستفادة منهما، و لم يتم الإشارة إلى ما ستؤول إليه وضعية كل من التعليمين الثانوي التأهيلي و العالي، رغم أن المجلس أشار إلى أنه لن يتم حرمان أي أحد من متابعة دراسته بعد التعليم الإلزامي لأسباب مادية. الإشارة القوية التي قدمها المجلس عبر بيانه التوضيحي هي أن الإصلاح سيأتي في إطار تفعيل » التضامن الوطني و القطاعي في تنويع مصادر تمويل المنظومة التربوية »، نتساءل هنا عن مآل الميزانية التي خصصت للبرنامج الاستعجالي و التي كلفت 84 مليار درهم، دون حصيلة تذكر! كما أن البيان أشار الى أن إحداث رسوم التسجيل في التعليم ما بعد الإلزامي، في إطار تنويع مصادر تمويل المنظومة التربوية؛ فقد انتهت مداولات الدورة العاشرة للمجلس، في تطابق مع الرؤية، إلى المصادقة على الإعفاء الآلي للأسر المعوزة؛ و تدقيق معايير وشروط إحداث هذه الرسوم؛ و على اعتماد التدرج في الإقرار والتطبيق، بموازاة مع التقدم في تفعيل مقتضيات الإصلاح، ولاسيما ما يهم الارتقاء بجودة التربية والتكوين ؛ و في الأخير إنجاز دراسة حول مقدرة الأسر على المساهمة، تتوخى تحديد الإعفاءات، وسقف رسوم التسجيل، إعمالا لمبدأ التضامن والتكافؤ، مع تضمين نتائج هذه الدراسة وآليات تنفيذها في نص قانوني. كما أكد المجلس على أن رسوم التسجيل هي مجرد شكل من أشكال التضامن الوطني، يتجلى في مساهمة الأسر الميسورة في حسن سير المدرسة ونجاعة أدائها. ومن ثم، فهذه الرسوم لا تشكل بأي حال من الأحوال المقابل المالي لتكاليف الدراسة، ولا تفيد أي تراجع عن مجانية التعليم والتكوين. السؤال المطروح هنا: من هي الأسر الميسورة؟ و من هي الأسر الفقيرة؟ و هل تقوم الأسر الميسورة بتسجيل أبنائها في المؤسسات العمومية حتى نتمكن من فرض رسوم إضافية عليهم؟ ما يمكننا تسجيله هو أن مجانية التعليم خط أحمر، و أنه لا يمكن أن تتحمل الأسر فشل مخططات الإصلاح المتتالية التي عرفتها المنظومة التربوية، فيجب إيجاد حلول بديلة لتمويل المنظومة بدل جيوب المواطنين.