« بمناسبة الثامن من مارس، يسعدنا أن نهديك، سيدتي، خصما ب 30٪ على الاشتراك السنوي في النادي الرياضي ». « لأنك تستحقين ذلك، كوني جميلة… في الثامن من مارس، اختاري الإزالة النهائية للشعر الدائم في أشْهَر المراكز المتخصصة بالمدينة… اختاري إزالة الشعر من موضعين في جسدك، وسنهديك الثالث مجانا ». « الثامن من مارس هو عيدك… بهذه المناسبة، تقبلي تهانينا. بطاقتك البنكية مهداة بدون مصاريف، إذا افتتحت حسابك البنكي خلال شهر مارس ». الرسائل الإشهارية أعلاه متخيلة، لكنها في الواقع لا تختلف كثيرا عن كم الحملات الإعلانية الكثيرة التي تتوصل بها النساء على هواتفهن أو عبر البريد الإلكتروني أو على المواقع الإلكترونية، بمناسبة « عيد المرأة ». كيف تحول الثامن من مارس من « اليوم العالمي لحقوق النساء » إلى « عيد المرأة » وإلى مناسبة تجارية؟ لنتخيل مثلا أنه، في اليوم العالمي لمحاربة التدخين، ستقدم الشركات عروضا تجارية للمدخنين. وفي اليوم العالمي للأشخاص في وضعية إعاقة، ستقدم الشركات عروضا تجارية لذوي الاحتياجات الخاصة… هل يبدو الأمر مقبولا؟ الثامن من مارس هو اليوم العالمي الذي خصصته الأممالمتحدة لمواصلة دعم قضايا النساء والمساواة والحقوق، بعد أزيد من 100 سنة على خروج عاملات أميركيات للتظاهر، سنة 1857، احتجاجا على وضعيتهن وعلى عدم المساواة في الأجور وساعات العمل. انتقل الاحتجاج من نيويورك إلى عدد من العواصم الأوروبية تدريجيا خلال سنوات طويلة قبل أن تقرر منظمة الأممالمتحدة سنة 1977 أن يبدأ تخليد هذا التاريخ لترسيخ مطالب المساواة بين النساء والرجال. يعتبر البعض أن الأساسي هو المطالبة بالحقوق السياسية للجميع (الديمقراطية، الانتخابات النزيهة…) ومن ثم، فحقوق النساء (وقس على ذلك مطالب احترام الحريات الفردية وغيرها مما يعتبرونه « حقوقا فرعية ») ستتأتى لا محالة. الأمر ليس صحيحا لأنه يُؤسِّس لتراتبية غير مقبولة في الحقوق، بينما الأمر لا يمكن أن ينظر إليه إلا بشكل أفقي يجعل جميع المطالب مشروعة، وبنفس المستوى من الأهمية. كما أن تجارب عدد من الدول المتقدمة ديمقراطيا وحقوقيا، والتي ما زالت تعرف أشكالا من عدم المساواة بين النساء والرجال، تعطينا الدليل العملي والتجريبي أن تحقيق الديمقراطية وضمان الحقوق السياسية لا يعني ضمان المساواة بين النساء والرجال في الحقوق والواجبات. في عدة دول أوروبية، بما فيها الدول الاسكندنافية المتقدمة، هناك حركات نسائية تناضل ضد عدد من أشكال الحيف المبني على الجنس، والتي مازالت مترسخة في المجتمع؛ وإن بشكل أقل خطورة من بلدان أخرى. على سبيل المثال، الفيلم السويدي « تلميذة جديدة في الفصل » يذكرنا بواقع التمثلات للنساء والرجال، حتى داخل بلد متقدم سياسيا وحقوقيا كالسويد. الإشكال « المفاهيمي » الثاني الذي يطرح أمامنا هو التالي: ما دمنا نخلد الثامن من مارس، فهذا يعني أن مسار المطالبة بالحقوق والمساواة ما زال طويلا. في اليوم الذي لن نكون فيه، عبر مختلف دول العالم، بحاجة لتخليد ذكرى الثامن من مارس، حينها، يمكن أن نعتبره عيدا… لأننا حينها سنكون قد وصلنا للمساواة في الحقوق والواجبات. بناء عليه، فطريق المساواة ما زال طويلا، ما دمنا بعد نتابع أشكال العنف الجنسي ضد للنساء وإشكاليات الإرث في التشريع الإسلامي وعدم المساواة في الأجور والعنف في الفضاء العام، وجرائم قتل النساء بسبب انتمائهن الجنسي في إطار ما يسمى femecide (سنة 2017، وحسب تقرير للأمم المتحدة، تعرضت 87 ألف امرأة عبر العالم للقتل. نساء قتلن تحديدا بسبب كونهن نساء، وليس في جرائم قتل عابرة. 50.000 منهن قتلن من طرف الزوج أو أحد الأقارب، بينما 30.000 قتلن من طرف الزوج أو الخطيب السابقين…) وحرية التجول والسفر، وغيرها من الإشكاليات التي تعاني منها ملايين النساء عبر العالم من نيويورك إلى غزة، من كوبنهاغن إلى بيكين، من باريس إلى داكار، من ستوكهولم إلى بغداد… أي نعم، بنسب متفاوتة، لكن عدم المساواة بين النساء والرجال يبقى إشكالية كونية. وبالتالي، فما دام هذا الإشكال مطروحا، فمن المخجل أن يحتفل بنا البعض بالورود والتخفيضات والعروض التجارية! *كاتبة مغربية