استفحلت ظاهرة تناسل الجمعيات بالمغرب، واختلفت وتنوعت مكاتبها المسيرة بين الصالح والطالح.. وأصبحت صفة (فاعل جمعوي)، لدى البعض مهنة من لا عمل له. جمعيات أضحت تؤدي خدمات، لا علاقة بالأهداف التي أسست من أجلها وفق ما يفرضه الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958، والذي يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات. جمعيات بمكاتب مسيرة صورية. وبأعضاء يجهلون كيفية تحقيق أهدافها. جمعيات حملت أسماء (أندية، مراكز، أكاديميات، تعاضديات ...)، رياضية وثقافية وفنية وبيئية وحقوقية... يجمع بينها الظهير الشريف المؤسس. ويجمع معظمها هوس المال والمصالح الشخصية والتموقع واكتساب الجاه والسلطة. وتفرقت في الأهداف والخدمات التي تغادر قوانينها الأساسية. تحول العمل التطوعي والإحساني إلى مجرد واجهة و شعارات معلنة، تخفي وراءها أهدافا ونوايا خاصة لا تمت للأخلاق والمصلحة العامة بصلة. وإذا كانت هناك مكاتب جمعيات جادة، تتوفر على الموارد البشرية اللازمة لتطبيق برامجها، وتحمل مشاريع قابلة للتنفيذ الأحادي أو بشراكة مع جهات معنية عمومية أو خاصة.. فإن باقي الجمعيات لا تتوفر على الموارد البشرية المؤهلة، وليس لمكاتبها المسيرة نية العمل في إطار المصلحة العامة.. بل إنها لا برامج لها ولا مخططات، تلهت فقط وراء المال العام وأموال الخواص، باعتماد أساليب النصب والاحتيال والابتزاز والارتشاء و..فقد بات بعض منتحلي صفة ( فاعل جمعوي)، يقضون معظم أوقاتهم في طرق أبواب مسؤولي المرافق العمومية والخاصة، من أجل طلب الدعم المالي والمعنوي، لدعم إنجاز أنشطة وهمية .. بل إنهم يحشرون أنوفهم في كل صغيرة وكبيرة تخص تدبير الشأن المحلي و السياسي والتعليمي والصحي .. يدعون معرفة كل القوانين والقدرة على المشاركة والاقتراح والإبداع.. كل هذا بغية الحصول على المال والتموقع داخل دائرة النافذين والموالين لهم.. يجتهدون من أجل لفت الانتباه إليهم، ومن أجل استعراض عضلاتهم الجمعوية أمام ممثلي السلطات والمنتخبين والأجهزة الأمنية والقضائية.. وفرض الامتثال لرغباتهم ونزواتهم، التي لا علاقة لها بأهداف تلك الجمعيات التي يمثلونها.. هؤلاء الذين لا شغل لهم، سوى تمثيل تلك الجمعيات في كل المناسبات الرسمية وغير الرسمية.. وعرض خدماتهم على الراغبين في تلميع صورهم.. وابتزاز كل من أغلق بابه في وجوههم.. بعضهم بمستويات ثقافية محدودة، والبعض الآخر بدون أدنى مستوى تعليمي أو ثقافي. بل إن هناك آخرون لا يترددون في لعب أدوار ممثلي النقابات والأحزاب السياسية..احترفوا إصدار البيانات والدعوة إلى الوقفات والمسيرات والاعتصامات الاحتجاجية.. تفريخ الجمعيات بعد كل الانتخابات جماعية جرت العادة أن يكون موسم توالد الجمعيات، خلال الأشهر الأولى من كل ولاية انتخابية على مستوى الجماعات المحلية ومجالس العمالات والجهات. حيث يتم إحداث مئات الجمعيات، من وراءها رؤساء مجالس منتخبة، ومستشارين جماعيين و برلمانيين بالغرفتين، يسعون من وراء إحداث تلك الجمعيات، إلى رد الجميل لفئة الناخبين الذين صوتوا لفائدتهم، ومنحوهم صفة منتخبين، أو من أجل الحصول بطرق غير مشروعة على أموال عمومية، وذلك بفرض التوقيع على اتفاقيات وشراكات وصرف منح مالية لمكاتب تلك الجمعيات. فمع إطلالة مجلس كل مقاطعة أو جماعة ترابية . و بعد تشكيل المكاتب المسيرة الجديدة. تنشط عمليات إحداث الجمعيات من طرف المقربين والموالين للمنتخبين الجدد. إحداث جمعيات على الورق، يخطط أعضاؤها من أجل الحصول على المنح المالية السنوية وعقد الشراكات التي تفرض على تلك المجالس ضخ أموال غير مستحقة من ميزانية الشعب، سنويا في أرصدة الجمعيات. حيث يتم توزيعها بين الأعضاء، و تبرير صرفها بفواتير وهمية. يمكن لوزارة الداخلية أن تجري إحصاء لعدد الجمعيات المحدثة مع كل ولاية انتخابية جديدة. كما يمكنها جرد أنشطتها ونوعية الأموال المستخلصة لديها. كما يمكنها أن تكشف علاقات القرابة والمصاحبة والولاءات التي تربط رؤساء تلك الجمعيات المستحدثة، بأعضاء المجالس المنتخبة التي تتواجد في تراب نفوذها. لقد أصبح للسلطة الخامسة (المجتمع المدني)، دور كبير في رسم الملامح المستقبلية للمغرب، وأصبحت لديها آليات التواصل والمطالبة حتى بفرض تغيير قوانين وإلغاء مساطر.. وعليها أن تطهر جسمها من الدواخل والمندسين، الذين وجدوا في الانضمام إليها ملاذا آمنا، بعد أن لوثوا باقي السلط التنفيذية والتشريعية والقضائي والإعلامية. جمعيات ومقاولات لو تم التدقيق في هويتها الحقيقة، لاتضح للكل أن ستائر وفيترينات تعود في الأصل لمجموعة من المنتخبين. الذين يستغلونها إما لرد الجميل لمن صوتوا عليهم، أو من أجل تقاسم الغنائم مع روادها. بعد صرف المنح المالية السنوية أو تمرير البونات والصفقات. جمعيات تتقمص أدوار نقابية وحقوقية عندما عجزت النقابات والهيئات الحقوقية عن حماية واحتضان الفئات التي أحدثت من أجل الدفاع عنها والترافع من أجل تحقيق مطالبها. وعندما فشلت في كسب ثقة المتضررين. وتعذر عليها الحصول على تأشيرات لتدبير ملفاتهم العالقة، وفرض أساليب وطرق النضال من أجل تسوية مشاكلهم . فكان لا بد لتلك الفئات المتضررة أن تهجر مكاتب ومقرات تلك الهيئات، وتبحث عن مسالك وجسور بديلة لتحقيق الإنصاف. وجدت ضالتها في الجمعيات التي أصبحت شغل من لا شغل له ومنصة من لا منصة له، من أجل الدفاع والترافع والاحتجاج. تقمصت صفة النقابي والحقوقي، وحاولت أداء أدوارهما ولو بعشوائية. لأن الأمر لا يعدو (عند بعض غير الملمين بالقوانين المنظمة لعمل تلك النقابات والهيئات الحقوقية)، أن يكون مجرد جرأة زائدة واحتجاجات، ممزوجة بعبارات بات الكل يحفظها من قبيل (عليك أمان عليك أمان لحكومة لا برلمان..الاحتجاج حق مشروع والمخزن مالو مخلوع...). فالهدف الأول والأخير لدى المحتجين هو إيصال أصواتهم. لا يدركون أن التجمعات غير المنظمة والغير المؤطرة، يسهل اختراقها وتحوير مطالبها وزرع الفتن في شرايينها. وأن الاحتجاج العشوائي لن يمكن المحتجبن من حقوقهم المشروعة. وقد يؤدي بهم عن غير قصد إلى ارتكاب تجاوزات قانونية. أو تسهيل مهام المندسين الذين يخططون ليل نهار لزعزعة أمن واستقرار البلاد. وقد زاد عددهم في الآونة الأخيرة, بعد أن شاع سخاء النظام العسكري الجزائري، واستعداد الكابرانات لتبذير ثروات الشعب الجزائري الشقيق من عائدات النفط والغاز، في سبيل ضرب اقتصاد المغرب وأمنه ورخائه. فبعد إخماد نيران الربيع العربي الوهمي الذي قادته قوى أجنبية، وجعلت من حطبه شعوب عدة دول عربية. وبعد أن خرج المغرب منها سالما بلا حروق ولا جروح. برزت في مختلف مدن وقرى المملكة. احتجاجات فئوية لها مطالب محلية، إقليمية، جهوية أو وطنية. احتجاجات خارج رفوف وصفوف العمل النقابي والحقوقي والحزبي.. متضررون قرروا الدفاع عن أنفسهم. عوض تكليف وسطاء للتحدث بالنيابة عنهم. تلك الاحتجاجات الفئوية هي التي أنجبت تنسيقيات وجمعيات، باتت الآن تزاحم النقابات والأحزاب والجمعيات الحقوقية في مهامها. وعوض أن تبادر تلك الهيئات المطعون في أداءها وخدماتها إلى سلك طرق التقييم والتقويم، والمصالحة مع من يفترض أنها تمثلهم. عمدت إلى الصمت والقطيعة والإهمال. لتزداد رقعة الانفصال والتباعد. ما تعيشه النقابات والأحزاب السياسية من عزلة وقصور، تشهده حتى الهيئات الحقوقية، المتخصصة في الترافع والدفاع وحماية فئات هشة أو قاصرة من المجتمع المدني (نساء معنفات، أطفال ضحايا العنف والتشرد والطلاق، ذوي الاحتياجات الخاصة، ذوي الحقوق المهضومة...). وخصوصا بعد أن تم تفريخ العشرات منها، بدون أدنى بصمة واضحة على أرض الواقع. بل إن بعض تلك الجمعيات تركت الترافع من أجل إنصاف المتضررين. وخرجت تصدر بلاغات الإشادة والشكر لمسؤولين، وتقديم التعازي والتكريمات والتبريكات. وهو ما أدى إلى بروز احتجاجات تقودها تجمعات مختلفة من المجتمع المدني أو جمعيات ليست لها أهداف حقوقية. واقع الاحتجاج الذي تقوده جمعيات بالمغرب هو مضر للبلد ومضر أكثر لمطالب المحتجين. فالمتضرر لن يتمكن من إيصال ما يضره إلى المسؤولين وسط احتجاج غير منظم، وشعارات مختلفة، يضرب أصحابها في كل الاتجاهات، دون علم وإدراك بالجهة الحقيقية التي وجب الاحتجاج عليها وأمام مقراتها. وإن اتسمت الاحتجاجات الفئوية الوطنية بنوع من الانضباط والحكمة، وإن التزمت بأهدافها. فإن الأمر لا يسري على باقي الاحتجاجات التي تبرز هنا وهناك. حيث يندد المحتجين بقصور أو تواطؤ مسؤولين في السلطة مثلا (قائد أو باشا أو عامل..)، في قضايا لا ناقة ولا جمل لهم فيها. أو في قضايا هي بيد القضاء ولا يمكن لأي كان التدخل فيها. على النقابات والأحزاب والجمعيات الحقوقية وكل الهيئات المتخصصة، أن تبادر إلى التصالح مع من تمثلهم. والعمل على كسب ثقتهم. بالترافع والدفاع الجاد. والإنصات إلى مطالبهم ومستجداتهم. وتطمينهم بين الفينة والأخرى. قد تكون التنسقيات والجمعيات التي تتقمص أدوار النقابات، منفذا للمتضررين من أجل الدفاع عن مطالبهم. لكنها لن تكون بديلا عن العمل من منطلق هيئات رسمية متخصصة. صحيح أن تنسيقيات وجمعيات وطنية بصمت بقوة في العمل النقابي، وفرضت وزنها على أرض الواقع. وفرضت على مسؤولي قطاعات عمومية معنية مجالستها جلسات نقابية من أجل تحقيق مطالب تلك الفئات التي تمثلها. لكنها تبقى مبادرات مؤقتة. و حتى إن أراد ممثلو تلك الجمعيات أو التنسيقيات ارتداء الجلباب الرسمي للنقابات . فإنه بمجرد تحولها إلى نقابات تدخل عصر الانحطاط والتدهور. وتضعف كما وكيفا. من الأفضل إذن أن ننظف ما تيسر لنا من نقابات وأحزاب وجمعيات حقوقية ونفتح معها صفحات جديدة توازي العمل الميداني المرتقب بالنموذج التنموي الجديد. الأكثر تمثيلية : المسكوت عنه بالمجلس الوطني للصحافة لا أحد ينفي كون لقب (الأكثر تمثيلية)، هو ملتصق قانونيا بالنقابات المهنية. وبالعودة إلى القانون رقم (90.13) الذي يقضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة. وخصوصا المادة الرابعة من الفرع الأول بالباب الثاني الخاص تأليف المجلس وتنظيمه، نجد أن من بين أعضاء المجلس الذين يتم تعيينهم (وليس انتخابهم)، ناشر سابق تعينه هيأة الناشرين الأكثر تمثيلية. وصحافي شرفي تعينه نقابة الصحافيين الأكثر تمثيلية. فما هي نقابة الصحفيين أو الناشرين الأكثر تمثيلية ؟. (الأكثر تمثيلية) ليست وساما يمكنه أن نتوج به من نريد، ولا هو هدية يمكن أن نحابي بها صديق أو قريب. فحزام (الأكثر تمثيلية) يخضع للمنافسة القانونية عبر انتخابات مهنية بين كل النقابات المهنية في قطاع ما. انتخابات تشرف عليها الحكومة بكل هياكلها. وتفرز صناديقها مناديب ومستشارين في الغرف المهنية ومجلس المستشارين. وبناء على نتائجها يمكن تصنيف تلك النقابات، والإعلان عن من يستحق (الأكثر تمثيلية). وطبعا فكل يتابع تلك الانتخابات المهنية في قطاعات التعليم والصحة وال.... فهل سبق أن تم تنظيم انتخابات مهنية لنقابات الصحفيين أو لنقابات الناشرين ؟... وهل هناك نقابات للناشرين ؟ بالمغرب هناك عدة نقابات للصحفيين، كما أن هناك عدة جمعيات (وليست نقابات) للناشرين. وطبعا لا يمكن أن تعود (الأكثر تمثيلية)، لمن يستعرض عضلاته بعدد منخرطيه أو الموالين له. لأن النتائج تفرزها الصناديق وليس عدد بطاقات الانخراط. هناك إذن تجاوزات على مستوى تنزيل القانون(90.13). وهي نفس التجاوزات التي نجدها داخل تشكيلة اللجنة المكلفة بالإعداد للانتخابات الخاصة بانتخاب سبعة صحفيين وسبعة ناشرين. حيث يتم اختيار من بين أعضائها صحفي من نقابة الصحفيين الأكثر تمثيلية، وناشر من نقابة أو هيئة الناشرين الأكثر تمثيلية. عبارة (الأكثر التمثيلية) أخذت مفهوما جديدا وغريبا، يختلف كل الاختلاف عن مفهومها الرسمي والقانوني بكل القطاعات المهنية. لا أحد سينفي كون حزام (الأكثر تمثيلية)، يخضع للمنافسة عبر انتخابات مهنية بين كل النقابات المهنية، تشرف عليها الدولة بكل هياكلها. وتفرز صناديق الانتخابات، مناديب ومستشارين في الغرف المهنية ومجلس المستشارين.. فهل من يمثلون الصحافيين والناشرين داخل اللجنة أو من سيعينون بعدها داخل المجلس الوطني للصحافة. خضعوا لتلك المساطر القانونية. أم أن (التمثيلية) في قطاع الصحافة يحكمها قانون خاص. يشترط النفوذ الحزبي والتغلغل السياسي..ولا حرج إن كان الأمر يتعلق بنقابة أو حتى جمعية. جمعيات خيرية تحمل شعار: الدين بين النصيحة و"السنطيحة" يبدو أن هناك من ساسة الدين والدنيا، من حرفوا الحديث النبوي الكريم (الدين النصيحة). ورفعوا مكانه شعار (الدين.. السنطيحة). ليضمنوا مقاعد حكومية وبرلمانية. ويرتقوا بأوضاعهم المالية والاجتماعية والسلطوية، على حساب الدين الإسلامي وجموع المؤمنين الجاهلين لنواياهم السيئة. أسسوا جمعيات و مزجوا بين الإحسان الممزوج بالنصح الديني والإغواء السياسي. تمكنوا من إيجاد آليات الركوب على معاناة ومطالب الفئات الهشة. بدأوا يظهرون لهم بمظاهر الزاهدين عن الدنيا والناسكين السياسيين، الذين مهما فسقوا وفسدوا، يبقون في عيونهم معصومين من الأخطاء. هؤلاء الذين برز بينهم اللص والنصاب والزاني والفاسق والكذاب. ولم تعد لهم مقالب ومكائد جديدة، يغوون بها المتدينين البسطاء. وغيرهم ممن وثقوا فيما رسموا على وجوههم من أغطية مزيفة. وأطلقوه من وعود تبخرت مع مرور الشهور والسنوات. باعتماد السلوكات الدينية. وبفضل ما انتحلوه من صفات لشخصيات تؤمن بالإنصاف والعمل الخيري والأخلاق الحميدة.. نالوا ثقة الناخبين، وتمكنوا من تسلق الدرجات وانتزاع مواقع القيادة. لكن أطماعهم المادية ونزواتهم الشخصية جعلتهم يجهضون حلم شعب متعطش للتغيير والنماء. وعطلوا مسار بلد يمتلك كل مقاومات التنمية والرقي. جميل أن يبادر الإنسان إلى إحداث جمعية والقيام بأعمال الخير والإحسان، لدعم الأسر المعوزة بالبلاد وذوي الاحتياجات الخاصة. وتمكينهم من مساهمات مالية أو عينية تسد حاجياتهم اليومية، في التغذية والملبس والتدفئة والصحة والتعليم والولوج إلى الحياة العادية.. وجميل أن تصل المبادرات إلى مستوى التنافس، وتتوسع دائرتها لتشمل مختلف المناطق النائية وكافة الشرائح البشرية.. لكن الأجمل والأطيب أن نسعى إلى ترسيخ تلك المبادرات الموسمية والمناسباتية. وجعلها ثقافة دائمة في سلوك المغاربة اليومي، تساهم في إنعاش الحياة والأخلاق والقيم.. لتزيد من تلاحمهم وقوتهم. لا أن يستغلها البعض من أجل التموقع السياسي والقبائلي، وتتحول تلك الخدمات الإحسانية، وذلك العمل التطوعي، إلى مجرد وسيلة للتقرب من المواطنين وكسب عقولهم وعواطفهم. مساعدات تتحول إلى مجرد (رشاوى) يتلقاها المستضعفون الأبرياء، مقابل نيل رضاهم وأصواتهم الانتخابية، ليظفر المحسنون (المزيفون) بصفات منتخبين بالبرلمان أو بمجالس الجماعات أو الغرف المهنية. حيث المجال واسع لرواد الفساد من أجل التفنن في امتصاص أموال الشعب. عجيب أمر بعض من يعتبرون أنفسهم محسنين. هؤلاء الذين لا يحلو لهم الإحسان والتصدق على الفقراء والمحتاجين إلا بحضور الفضوليين من عامة الناس وممثلي وسائل الإعلام.. يؤرخون لمبادراتهم، بالتقاط الصور والفيديوهات وإنجاز التقارير وتسويقها إعلاميا، دون أدنى اعتبار لهؤلاء المرغمين على تجرع المهانة والإذلال طوال أعمارهم، مقابل فتات مساعدات قد لا يسد حتى حاجة قوتهم اليومي. إن كان هؤلاء يبتغون بإحسانهم رضا الله عز وجل فقط، ما كانوا يعمدون إلى التشهير والتطبيل والتهليل.. وما كانوا ينتظرون المناسبات الوطنية والدينية والأيام الوطنية والعالمية من أجل فتح خزائنهم قصد التهوية، وإعادة ترتيب ما بها من أموال. لأنهم يعلمون أن الله وضع مراسلين دائمين ملازمين لكل إنسان. يسجلان كل ما يقوم به. لكنهم يسعون بإحسانهم، إلى اصطياد عصفورين بحجر واحد. صدقة جارية تمكنهم من عصفور في الآخرة. و"رشوة جارية" تمكنهم من عصفور في الحياة الدنيا. بل إن من بين هؤلاء من يستغل حتى الأموال الخاصة بالزكاة من أجل الاستفادة منها سياسيا عند عمليات توزيعها. هم يعلمون أن تلك الأموال ليست صدقة. وأنها مفروضة عليهم دينيا من أجل تطهير أموالهم. لكن لهؤلاء رؤى مغايرة، ومساحيق جديدة تمكنهم من غسل أموالهم وتضخيمها. شخصيا أتساءل لماذا ينكب كل المحسنين في البلاد على نفس المبادرات التي ترسخ ثقافات التسول والانحطاط والتبعية والتذلل في نفوس المنتفعين منها؟. لماذا يصر هؤلاء على جعل فصل الشتاء مناسبة لتسول الألبسة والأغطية والفرشة والمواد الغذائية. ونجعل من عيد الأضحى مناسبة لتسول الخروف، وعيد الفطر مناسبة لتسول الزكاة (الفطرة) وألبسة الأطفال، والدخول المدرسي مناسبة لتسول اللوازم المدرسية، والعطلة الصيفية مناسبة لتسول فترات (التخييم) للأطفال. والقوافل الطبية مناسبة لتسول التطبيب والأدوية ؟؟.. لماذا لا تأخذ كل مبادرة بعين الاعتبار سمعة وشرف المستفيد منها؟ . لماذا التسابق والتنافس المفرط في بناء المساجد إلى درجة أن هناك مناطق بها فائض من المساجد؟. وكان بالأحرى أن ترقى المبادرات إلى مستوى توفير الشغل وتكوين الشباب وإنعاش وتنمية بعض المناطق بالمغرب، بتوفير البنية التحتية وفك العزلة وإحداث المرافق اللازمة. ودعم الاستثمار بها، لوقف مسلسل الهجرة الذي حد من تنمية القرى، وزاد من أعباء المدن.. بل لماذا يصر البعض من هؤلاء على الاعتمار والحج كل سنة. وكان بإمكانهم صرف أموال (العمرة) و(الحج) في مبادرات خيرية إحسانية تعود بالنفع والبركة على أشقائهم المغاربة المحتاجين؟. مشكلتنا نحن المغاربة في ما ترسخ لدينا من سلوكيات سلبية، تسببت في تفكك الأسر، وتدهور القيم، وانهيار سقف الثقة والتلاحم.. مشكلتنا في الحقد الدفين والكره اللعين، اللذين باتا يؤثثان كل مجالاتنا، ويتحكمان في كل مساراتنا التنموية. عجيب أمرنا .. نحارب ذواتنا ونزج بها في القذارة. ونؤمن بقدرة الغريب على انتشالها.. استووا واعتدلوا.. يرحمكم الله .. كلمات ارتبطت أساسا بالعبادات، تم إلصاقها بالشأن الديني وحرمات المساجد، إلى درجة أنها فقدت معانيها الكبرى. حيث كان من المفروض والواجب أن تكون شعارا يحمله المغاربة والمسلمون، في كل حركاتهم وسكناتهم. وأن تتجسد مفاهيمها في كل تصرفاتهم. لا أحد يدعو إلى الاستقامة والاعتدال عند توظيف أموال الشعب، وبرمجتها في مشاريع واهية أو تافهة.. ولا أحد يدعو إلى الاستقامة والاعتدال عند فرض منطق الولاءات واعتماد أساليب الزبونية والمحسوبية في توزيع ثروات البلاد، وانتقاء الرجل أو المرأة المناسب(ة) للمكان المناسب. لا أحد يفكر في ترسيخ معاني الاستقامة والاعتدال ورص الصفوف، وتفادي التزاحم عند ركوب الحافلات والقطارات وسيارات الأجرة وولوج المستشفيات.. ولا عند الرغبة في استخراج وثائق إدارية أو الاستفادة من خدمات إدارة عمومية أو خاصة. استووا واستقيموا وتراصوا واعتدلوا .. رحمكم الله.. سواء كنتم داخل أو خارج المساجد.. فإن تسوية الصفوف من تمام الفوز برخاء الدنيا ونعيم الآخرة.. أفلا تتعظون ؟؟.. جمعيات مدرسية غير قانونية لم ينتبه أصحاب الرؤية الإستراتيجية (2015/2030) إلى أنه لا اجتهاد مع وجود نصوص قانونية واضحة وصريحة. وأن الإخلال بأي بند من بنود القانون، لا يمكن أن يثمر أي نتيجة (غلة). مناسبة هذا الحديث، ما أقدمت عليه الوزارة الوصية منذ سنوات، ولازالت تعتمده حتى الآن... من ضرب وتنكيل بمقتضيات الظهير الشريف المتعلق بتأسيس الجمعيات. حيث أبدعت على هوى روادها قانونان أساسيان، استعملا كوثيقة رسمية من أجل إحداث ما يسمى ب(جمعية دعم النجاح)، و(جمعية الرياضة المدرسية) بطرق غير شرعية داخل كل مؤسسة تعليمية بالأسلاك التعليمية الثلاث. وإذا كانت القوانين المنظمة للجمعيات، تؤكد على أنه يتم انتخاب رئيس وأعضاء مكاتبها المسيرة داخل جموع عامة. فإن المادة 11 من القانون الأساسي لجمعية الرياضة المدرسية تؤكد على أن مدير المدرسة هو من يرأس مكتبها، المتكون ثلثي ( 3/2) أعضائه من مدرسي التربية البدنية والرياضة بالمؤسسة، يعينهم المدير والثلث الآخر ( 3/1) من تلاميذ المؤسسة المنتخبين في الجمع العام من طرف زملائهم. وأن مهمة أمين المال تعهد إلى مقتصد المدرسة.كما أن الفصل الثامن من القانون الأساسي لجمعية دعم النجاح، يؤكد على أن مدير المدرسة هو رئيس المكتب التنفيذي للجمعية، ويمنح مهمة أمين المال للمقتصد إن وجد. وهذا يعني أن المدرسة التي ننتظر منها إفراز جيلا جديدا يقضي مع تجاوزات واختلالات الماضي والحاضر. هي في حاجة إلى التنقية والتطهير والتخليق. وأن الأطر الإدارية والتربوية المطالبة بترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان، لازالت بدورها ترزح تحت وطأة اللاقانون. الأكيد أن للوزارة الوصية أسبابها وتبريراتها. والمتمثلة أساسا في ترك القيادة داخل المدرسة لشخص مديرها، المقيد مسبقا بمساطر وتوجيهات ومذكرات إقليمي وجهوية وزارية، والمحاور الوحيد باسم المدرسة لدى المديريات والأكاديميات وباقي مرافق الوزارة المركزية. لكن تلك الأسباب والتبريرات لا تعطي للوزارة الحق في التلاعب وفرض قوانينها الخاصة. التي جعلت من العمل الجمعوي التطوعي وظيفة إجبارية زادت من أعباء المدير. وحرمت أطر تربوية أخرى كان بالإمكان أن تحظى باختيارها بمهمة الرئاسة عن طريق انتخابات نزيهة. تجاوزات الوزارة، مهدت لبعض مديرات ومديري المؤسسات التعليمية، بفرض تجاوزات أخرى على مستوى تشكيل أعضاء مكتبي الجمعيتين. حيث ناذرا ما تعقد الجموع العامة بالمعنى المطلوب مركزيا. حيث الإقصاء لممثلي التلامذة ولبعض الأساتذة والإداريين الذين لا يطربون بنفس أوتارهم ونغماتهم.. فإلى متى ؟؟