توطئة: هناك ارتباط وطيد بين عقلنة الفعل السياسي وطبيعة سلوك الفاعل السياسي نفسه. لأن هذا الأخير عندما يفقد العقلنة تصبح قراراته وليدة حماقاته، ويصبح حالما وليس واقعيا. إلا أن الحلم هنا ليس الإيجابي الذي يتحول إلى فعل جاد. إنما ذلك الحمق الذي يدخل نفسه في الصراع مع المثل العليا للسياسة. بذلك يختلط هذا الحمق بالأبعاد الطوباوية حيث الحلم بالعدل المطلق فيصبح منقوشا في ذاكرة الناس بالمتاهة والأوهام. إن السياسة بدون عقلنة تحدث الخصام مع الجميع، ويصبح السياسي بين الجدار والنار، ويتخاصم مع علم الاجتماع والتاريخ وعلم السياسة وعلم الأخلاق ويتوق إلى التحرر من كل شيء، ويصبح غير متحكم في نفسه بنفسه. سياقات العقلنة السياسية إن الافتقار لعقلنة الفعل السياسي يؤدي إلى المجهول، مع طغيان الموت على الحياة، والخوف من كل شيء وشتان بين خوف مرضي وآخر إبداعي. عندما تغيب العقلنة تختلط السياسة بالجنون. أنذاك نجهل التحولات التي تشكل محورا استراتيجيا لتأسيس معارف جديدة. كما يوهم الفاعل نفسه بأنه يقاوم من أجل الإنسانية. فيغتال الديمقراطية الأساس الوجودي للحضارة الإنسانية. بذلك يبعد الحكمة ويعانق الميثولوجية. ومن تم يعتقد في الثقافة المحضة عن طريق العناد المركب المخالف للزمان والمكان. مما يبطئ الفهم التاريخي والاجتماعي. بذلك نصبح أما سرديات سياسية متقطعة ومنقطعة. نتيجة غياب العقلنة يعاني الفعل السياسي من اللاتوازن الفردي والجغرافي. مع معارضة المسلسل التاريخي، وعدم إيمانه بالتكاملية بين الفاعلين. لأنه لا يستقرئ ولا يستنبط، وحالم بالشمولية. لا يومن بالاختلاف ويسبح في منطق الكمال الذاتي. يخفي الذات في الموضوع مما يحدث تشويشا وخلخلة على مستوى النظام والانتظام. هذه نتيجة حتمية لمن يغيب الثقافة في التحليل والمقاربة السياسية. متناسيا التوزيع العادل لقيم الديمقراطية، والدخول في منطق الشيخ والمريد ليس بالمفهوم المتداول، وقطع دائرة المشورة والشورى. خلاصات تستهدف العقلنة السياسية من أجل بسط معالم العقلنة للفعل السياسي وتنمية السلوك للفاعل السياسي حتى يكون في مستوى المسؤولية السياسية نؤكد على ضرورة الانتصار للمعرفة، والمصالحة مع العقل والنقل، وتأصيل المبادئ العامة من أجل ضمان التنزيل الموضوعي. كل هذا يجب أن يكون مصحوبا بالإيجابية في التقويم، والابتعاد عن الشخصنة والأحداث وتشريح الأفكار لأنها ديدن الكبار. إن العقلنة قيم وتربية ومراس. لأنها حركة اجتماعية وتاريخية وحضارية. العقلنة سؤال وجودي يسائل ثنائية المعرفة والسلوك السياسي. ومن تم فهي رؤية حضارية تناقض الهمجية لأنها باختصار ترشيد للمواطنة وترقية للوطنية في أفق العيش المشترك.